المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

اقتصاد

QNB: تباين السياسة النقدية بين أميركا والاقتصادات

قال تقرير لبنك قطر الوطني QNB إن بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة للمدى القصير بمقدار 25 نقطة أساس للمرة الثالثة هذا العام بعد اجتماعه يومي 26 – 27 سبتمبر الماضي، على الرغم من تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وأضاف التقرير: مع قراره القاضي برفع أسعار الفائدة للمرة الثامنة منذ ديسمبر 2016 إلى نطاق %2 – %2.25، وهو أمر كان متوقعاً سلفاً – استمر بنك الاحتياطي الفدرالي في التأكيد بثقة بأن هناك حاجة إلى زيادة تشديد السياسة النقدية، ربما قريباً في ديسمبر.
وأشار كل من بيان السياسة النقدية المصاحب للقرار وتصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جاي باول في المؤتمر الصحافي عقب الاجتماع إلى أن البنك لا يزال متفائلاً بشكل غير عادي في تقييمه للاقتصاد، ويرى أن التوترات التجارية ليس لها سوى تأثير طفيف على الاقتصاد في الوقت الحاضر.
وبناء على ذلك، أشار بنك الاحتياطي الفدرالي بقوة إلى عزمه المضي قدماً في سياسته الراسخة بمواصلة رفع أسعار الفائدة تدريجياً حتى تصل الأسعار للمدى القصير إلى نطاق %3 – %3.25 على الأقل، وهو ما يرى أنه السعر «المحايد» الملائم للاقتصاد، أو حتى أعلى من ذلك بقليل.
في ما يتعلق ببيان السياسة النقدية، كان أحد التطورات المهمة هو إزالة العبارة القديمة التي كانت تشير إلى سياسة سعر الفائدة بأنها «ميسرة». لكن ربما لا ينبغي الإفراط في تفسير هذا التغيير. فبعد رفع أسعار الفائدة ثماني مرات، أصبح مستوى أسعار الفائدة أقرب بوضوح للوضع الطبيعي، كما أن جولات رفع أسعار الفائدة الإضافية المتوقعة من بنك الاحتياطي الفدرالي ستزيد من تطبيع هذه السياسة. كما تم تأكيد استمرار جولات رفع الفائدة مستقبلاً على نحو بطيء لكن مطرد من خلال تحديث بنك الاحتياطي الفدرالي لتوقعاته بشأن أسعار الفائدة وآفاق السياسة النقدية – أو ما يطلق عليه الرسم البياني باستخدام النقاط (dot plot). ويشير هذا الرسم البياني إلى أن متوسط توقعات لجنة تحديد أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفدرالي هو جولة إضافية واحدة من رفع السعر بمقدار 25 نقطة أساس مع نهاية هذا العام، وثلاث جولات إضافية من رفع أسعار الفائدة في 2019، ثم جولة واحدة إضافية من رفع السعر في 2020. وفي حال جرى تنفيذ هذه الزيادات بهذا المقدار من النقاط، فسيؤدي ذلك إلى رفع سعر الفائدة للمدى القصير لدى بنك
الاحتياطي الفدرالي إلى 3¼% – 3½%، أي أعلى بقليل من أفضل تقدير لسعر الفائدة المحايد للاقتصاد في المدى القصير.
وفي حين تم، في الواقع، تغيير هذه التوقعات قليلاً مقارنة بالتقديرات السابقة للجنة، فإن الثقة التي يتم بها الإفصاح عن هذه التوقعات تبدو قوية. وهذا أمر مهم بالنظر إلى ارتفاع المخاطر النزولية التي تواجه الاقتصاد الأميركي جراء تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
فرغم فرض الولايات المتحدة تعريفات على واردات إضافية من الصين بقيمة 200 مليار دولار أميركي منذ آخر اجتماع لبنك الاحتياطي الفدرالي في نهاية يوليو، لم يتطرق بيان السياسة النقدية الصادر من الاجتماع للمخاطر التي تواجه الاقتصاد الأميركي بسبب الحرب التجارية. كما أن رئيس بنك الاحتياطي باول شدد في ندوته الصحافية على غياب أي توترات تجارية حتى الآن. وأكد أن بنك الاحتياطي الفدرالي «لا يرى توترات بعد – نحن ببساطة لا نراها ونقوم فعلاً بمراقبة الوضع عن قرب». وكان كلامه متفائلاً بشكل عام، مكرراً تأكيده: «إنّ اقتصادنا قوي».
وبينما يبدو الاقتصاد الأميركي في طريقه لتحقيق نمو سنوي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة %4 لأرباع متتالية قادمة، ومع بلوغ ثقة الشركات الصغيرة والمستهلكين لمستويات قياسية لم تتحقق منذ 50 عاماً أو ما يقارب ذلك، وفي ظل عدم توافر تأثير ملموس للتوترات التجارية حتى الآن، فإن خروج بنك الاحتياطي الفدرالي عن المسار المخطط له يبدو أمراً بعيد المنال.
إن النهج الواثق والمنتظم لبنك الاحتياطي الفدرالي في ما يتعلق بالسياسة النقدية تحت رئاسة باول يتجلى في القصر المتزايد لبيانات المجلس المتعلقة بالسياسة النقدية. فباستثناء قائمة توضح كيفية تصويت مختلف أعضاء المجلس، تم اختصار البيان الأخير إلى 252 كلمة فقط. وهو أقل بما يقرب من 500 كلمة من البيان الذي صدر خلال الاجتماع الذي عقد في نفس الموعد قبل سنة، كما أن طوله يمثل ثلث البيان الذي صدر في نهاية سبتمبر 2014 الذي احتوى على 748 كلمة. ولذلك يبدو أن الاختصار يعني الكثير بالنسبة للرئيس الحالي لبنك الاحتياطي الفدرالي.
وبالنسبة للمستثمرين العالميين، هناك خلاصتان رئيسيتان. أولاً، يبدو أن التباين غير المسبوق بين السياسة النقدية للولايات المتحدة الأميركية والسياسات النقدية لبقية الاقتصادات المتقدمة الأخرى، خاصة منطقة اليورو واليابان، سيستمر. وعلى الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي يسير باتجاه إنهاء برنامجه الخاص بشراء السندات بعد عام من الآن، لا يُرجح إجراء أي تشديد للسياسة النقدية في منطقة اليورو قبل عام 2020، على أقرب تقدير. ولا يزال تشديد السياسة النقدية أمراً مستبعداً بدرجة أكبر في اليابان، حيث إن عدم ارتفاع تضخم أسعار المستهلك يضمن التزام البنك المركزي الياباني بالكامل بزيادة التيسير الكمي.
ولذلك هناك احتمال حقيقي بأن دورة زيادة أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأميركية قد تنتهي في بداية عام 2020 قبل أن تبدأ دورات زيادة أسعار الفائدة في أوروبا واليابان. وينبغي لهذا التباين غير المسبوق في السياسات النقدية أن يُبقي قيمة الدولار الأميركي على ارتفاع مقابل اليورو وعلى وجه الخصوص الين الياباني خلال الأشهر المقبلة، مع استمرار هوامش أسعار الفائدة، خاصة ذات الآجال القصيرة، في دعم الدولار الأميركي.
ثانياً، سيقود الرفع التدريجي المتواصل لأسعار الفائدة الأميركية مع قوة الدولار الأميركي إلى استمرار الشح في السيولة العالمية. ولذلك من غير المحتمل أن تشهد الأسواق الناشئة ذات المتطلبات التمويلية الخارجية، التي كانت تعاني سلفاً الضغط الشديد في الأشهر الأخيرة، انفراجاً يذكر في أي وقت قريب. ويبدو أنها ستبقى تحت ضغط مستمر لرفع أسعار الفائدة الخاصة بها رداً على ارتفاع أسعار الفائدة الأميركية لمنع تدفق رؤوس الأموال إلى الخارج وللدفاع عن عملاتها. من جانبه أوضح بنك الاحتياطي الفدرالي بأن تقلبات الأسواق الناشئة لا يمكن أن تصرفه عن السعي لتحقيق أهداف سياسته الداخلية. وبشكل عام، نرى أن الشائعات حول موت الدولار الأميركي أمر مبالغ فيه: يبدو أن الدولار الأميركي سيبقى قوياً في المستقبل المنظور مع استمرار بنك الاحتياطي الفدرالي في رفع أسعار الفائدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى