المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

ترامب مُلهم العنصريين في فيرجينيا

شاهد العالم نهاية الأسبوع الماضي أحد فصول المأساة التي وقعت في مدينة شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا الأميركية، والتي أدت إلى مقتل امرأة وإصابة تسعة عشر شخصاً بجروح حين اجتاح أحدهم بسيارته حشود المتظاهرين الذين تصدوا لتظاهرات المجموعات العنصرية التي تنادي بتفوق العنصر الأبيض. وما حدث في شارلوتسفيل ليس سوى نموذج مُرعب للكراهية تنشر ظلالها على الشارع الأميركي في عام 2017.
ما ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا هو أن ما حدث في شارلوتسفيل لم يكن سوى عرض لأمراض أشد خطورة يجب علينا معالجتها. إنها أمراض الكراهية والتحيُّز والعنصرية التي انتقلت من هوامش المجتمع إلى التيار العام. وعلينا الآن التعايُش مع حقيقة أن رئيس الولايات المتحدة قد لعب دوراً في تشجيع مجموعات الكراهية هذه على الخروج من قمقمها.
الذين يعيشون في نيويورك يعرفون منذ سنوات أن دونالد ترامب لا يتورع عن إعطاء صافرة الانطلاق لمثل هؤلاء الأشخاص والمجموعات. ففي ثمانينات القرن الماضي، نشر إعلاناً على صفحة كاملة في أربع صحف رئيسية يدعو فيها إلى إعادة فرض عقوبة الإعدام في نيويورك ضد أربعة أطفال من السود وخامس لاتيني اتُهِموا في قضية اغتصاب.
وقد تمت تبرئة المتهمين الخمسة لاحقاً، ولكن ترامب لم يعتذر عن تلك الإعلانات أبداً. لقد لعب على مخاوف الجمهور وأثار الانقسامات والتوترات العنصرية تماماً كما فعل أثناء حملته الانتخابية.

بذور الفرقة
حين كان باراك أوباما في البيت الأبيض كأول رئيس أسود للولايات المتحدة، ظل ترامب يروِّج لنظرية المؤامرة حول مكان ميلاد أوباما، ويتحداه أن يكشف عن شهادة ميلاده وشهاداته الجامعية وسجلات جواز سفره وغير ذلك. ودفع بفكرة أن أوباما ليس أميركياً. لقد سعى إلى نثر بذور الفُرقة والانقسام من أجل مصلحته الخاصة.
منذ اللحظة الأولى لانطلاق حملته لانتخابات الرئاسة وحتى النهاية، أدلى ترامب بالتصريحات المسيئة للأقليات ولم يحدث أن اعتذر لأي منها. فقد قال في بداية حملته إنه «حين ترسل المكسيك أبناءها إلى الولايات المتحدة، فإنها لا تُرسل أفضلهم.. إنهم يجلبون لنا المخدرات، ويُصدرون لنا الجريمة والمُغتصِبين. وربما كان منهم أناس طيبون».
ثم دعا ترامب إلى فرض «حظر شامل على دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة» (لقد غيّر موقفه لاحقاً، ولكن الرسالة وصلت). وكرر تصريحاته المسيئة طوال حملته الانتخابية، ولاذ بالصمت حيال الإطراء الذي كان يحصل عليه من المجموعات العنصرية وقيادات عنصرية معروفة.
وإذا ألقينا الآن نظرة على ردة فعل ترامب على مأساة شارلوتسفيل، فسنجد أنه التزم الصمت طويلاً، وكان ذلك لافتاً بالنسبة لرجل لا تفوته شاردة ولا واردة إلا ويعلّق عليها. ولا عذر لترامب في عدم التنديد بهذا العنف وعدم الإشارة بأصابع الاتهام إلى مجموعة KKK العنصرية أو النازيين أو المنادين بتفوق العنصر الأبيض، وبعد أن دُفع دفعاً إلى اتخاذ موقف من التطورات، ارتكب خطأ فادحاً حين ساوى بين المجموعات العنصرية والنازية وبين المواطنين الأميركيين العاديين الذين تصدوا لهم، رفضاً واستنكاراً لمثل هذه الطروحات البعيدة عن الدستور والقيم والمبادئ الأميركية!

الإسلام الراديكالي
لقد سبق له أن وجه انتقادات شديدة إلى الرئيس أوباما وآخرين، لأنهم لم يستخدموا مصطلح «الإسلام الراديكالي»، ولكنه لم يُسمِّ الأشياء بمسمياتها إلا بعد أن أُجبر على ذلك. فمثل مجموعات الكراهية هذه تعتبر موقف ترامب هذا إشارة خضراء من الرئيس. وهذا أمر يثير الغضب. فالكثير من المتظاهرين ممن ينضوون تحت لواء «وحِّدوا اليمين» كانوا يرتدون قبعة ترامب التي كُتب عليها «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى». وإنه لمن واجب الرئيس ترامب أن يُعلن أن هؤلاء لا يمثلونه ولا يمثلون ما يؤمن به.
الكثير من الوزراء وقادة الحقوق المدنية في الولايات المتحدة لا يشعرون بالاشمئزاز فقط من غياب القيادة في البيت الأبيض حالياً، بل يستغربون أيضاً صمت الآخرين. ومن هنا جاءت الدعوة لـ«مسيرة العدالة» في الثامن والعشرين من أغسطس الجاري.
وسوف يشارك أكثر من ألف شخص من رجال الدين من قساوسة وحاخامات وأئمة مساجد في هذه المسيرة التي ستقام عند تمثال مارتين لوثر كنغ، للتأكيد على المطالبة بالحفاظ على الحقوق المدنية والعدل الاجتماعي، وتحميل إدارة ترامب المسؤولية في إعادة توحيد المجتمع وإظهار الوجه الحقيقي السمح للولايات المتحدة للعالم.
ففي مثل هذه الأوقات الصعبة، يتطلع الناس إلى القادة لإخماد التوترات وتشجيع الناس على التوحد ضد الشر المحدق بهم. وإذا لم يفعلوا، فإن ذلك يعني الكثير!
فما شاهدناه في نهاية الأسبوع الماضي كان رئيساً يتجاهل المشكلة التي افتعلها المتطرفون الداعون إلى تفوق العنصر الأبيض. لقد فشل في إظهار الشجاعة الأدبية والقيادة والحنكة المطلوبة في مثل هذه الأوقات، من القائد الأعلى لكل السلطات في الولايات المتحدة والزعيم الأقوى على مستوى العالم.

«غارديان»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى