غادر الشاب الياباني كنزو تاكادا طوكيو باتجاه باريس في عام 1964 بهدف التعرف على عالم الموضة هناك، لمدة لا تزيد على ستة شهور، لكنه وعكس توقعاته وخططه، استقر هناك لأكثر من خمسين عاما، شيّد خلالها علامة من أشهر علامات الموضة، واسما ليس في عالم الموضة فقط، وإنما في عالم الفن التشكيلي، وجمع التحف الفنية. كيف بدأ كنزو حياته في باريس؟ وكيف واجه مشاكل اللغة؟ وكيف أبهر العالم بتشكيلات عصرية حافظ فيها على روحه اليابانية؟ هذا ما نتعرف عليه في هذه القصة التي روى كنزو أجزاء منها لمجلة غالا الفرنسية.
ولد كنزو تاكادا -هذا الياباني الذي ألهب عالم الموضة في باريس بتصاميمه- في 27 فبراير 19399 في مدينة هيميجي اليابانية، وسط عائلة تتكون من 7 أطفال، هو خامسهم من حيث الترتيب، ثم ترعرع في قرية هياغو التي تقع بمحاذاة قلعة تعود للقرون الوسطى.
لا يُعرف إن كان لهذا الصرح التاريخي تأثير في ذوق كنزو ورؤيته للأشياء، ولكن المؤكد هو أنه شغف بسرعة بعالم الموضة، ما دفعه إلى الإدمان على قراءة المجلات التي كانت تقتنيها شقيقاته.
ما إن بلغ كنزو التاسعة عشرة من عمره، حتى التحق بمدرسة الموضة الشهيرة في طوكيو، واسمها بانكا فاشن كوليج، وكانت قد فتحت للتو أبوابها للطلاب الذكور، وما إن أنهى دراسته في عام 1964 حتى غادر الى باريس التي استقر فيها.
متاعب في باريس
واجه كنزو في البداية مصاعب كبيرة في التكيف مع المجتمع الباريسي بسبب اللغة وطريقة العيش المختلفة تماما عن طريقة عيش اليابانيين، وعلى الرغم من ذلك، وشيئا فشيئا تمكّن من حجز مكان له في عالم الموضة، وبفضل حضوره الدائم لعروض الأزياء، تعرف إلى كثير من المصممين الفرنسيين إلى أن تمكن في عام 1970 من تنظيم أول عرض أزياء له في غاليري فيفيان، كما فتح أول متجر له أطلق عليه اسم جانغل جاب.
لم يتأخر النجاح في التحليق فوق سماء كنزو الذي تصدر غلاف مجلة ELLEE بعد عام بالضبط، أي في عام 1971، ليذيع صيته عالميا بفضل ستايله الخاص، والتجديد الذي اعتمده، وبات له صيت في باريس، ذلك أنه جمع بين الكيمونو التقليدي الياباني والموضة الباريسية.
وفي تصاميم كنزو وابتكاراته، تتزاوج الأشكال غير المنظمة مع الألوان المتلألئة لتصنع سمعة وشهرة هذا المبدع القادم من بلاد الشمس المشرقة.
عالم العطور
في عام 19833 بدأ كنزو الاهتمام بالموضة الرجالية، ليفتح بعد اربع سنوات أول محل له مخصص للملابس الرجالية، وتميزت تصاميمه على الخصوص بفضل تشكيلة أحذيته الكلاسيكية، وفي عام 1980، اقتحم المصمم الياباني عالم العطور الذي أبدع فيه مثلما أبدع في عالم الملابس الفاخرة، ومن بين أشهر عطوراته، يمكن أن نعد كنزو أوم، وبالطبع فلاور، العطر الذي يفجر سعادة المرأة منذ عام 2000، وأيضا اول عطر له هو عطر كنزو دو كنزو النسائي، الذي مزج بين رائحة الماندرين والبرتقال.
روح المؤسس
تعد علامة كنزو علامة فريدة من نوعها في عالم الموضة، بفضل تفرد مبتكرها. ومثلها مثل كثير من ماركات الملابس الفاخرة التي تصنع تميزها من تاريخ رجال غير عاديين، فقد حافظت منذ عام 1990 على روح مؤسسها. ولكل ماركة من ماركات لاأوت كوتور ستايل خاص، وكنزو لا تشذ عن هذه القاعدة بفضل جذورها القادمة من بعيد، وهي الجذور التي تصنع نجاح الماركة بفضل عناد وموهبة مؤسسها منذ البداية.
في الواقع طوّر كنزو موهبته وشغفه للموضة منذ صغره، كما اختار ان يدرس الموضة والانتقال إلى باريس التي ناضل فيها طيلة ستة اعوام، حتى تمكن من وضع رجله في عالم الموضة، ولفت انتباه المصممين والجمهور لابداعاته، وقد بدأ حياته الباريسية ببيع تصاميمه لاسماء كبيرة، مثل فيرو او جاك ديلايي.
وسرعان ما ذاع صيت كنزو، ولفتت تصاميمه الجمهور، بل أثارت فضول كثير من الشغوفين بالموضة بفضل تصاميم عصرية ورومانسية، جمع من خلالها الذوق الغربي بأصوله الشرقية. كانت ملابس تلك الفترة مصنوعة بأدوات تلك الفترة، وكثيرا ما كانت عبارة عن تجميع لبقايا القماش المطبوع والملون. لقد كانت بداية أجمل مغامرة بالنسبة لهذا المصمم الذي اصبح سريعا من بين المصممين المحوريين في عالم الخياطة الراقية.
ساهم خليط الثقافات ومزيج الألوان في بناء ستايل كنزو من خلال تشكيلاته النسائية والرجالية على حد سواء، لقد بزغ نجم كنزو للرجال في عام 1983، واما بالنسبة للنساء فيحضر الكيمونو الياباني بلمسات عصرية، فيها كثير من التجديد في كل عروض أزياء كنزو، واما القماش الذي غالبا ما يعتمده، فهو المصنوع من الانسجة التي تمنح النضارة وتوفر لمن يرتديها العصرنة، وهذه هي الروح التي قامت عليها علامة كنزو منذ بدايتها، وتسمح لمتتبعي هذا العالم التمييز من نظرة خاطفة بين قطعة لكنزو عن غيرها، لكن ما يميز كنزو في تقديم تشكيلاته الجديدة منذ بداياته هو تلك المهرجانات المرافقة لعروضه، والتي كانت تهز المكان، وتحركه مثلما يفعل السيرك.
بيع العلامة
في عام 19911 اختار المصمم الشهير ان يلج عالما آخر، هو عالم الديكور الداخلي. وقد ارتبط توجهه هذا بهوايته كجامع وعاشق للتحف الفنية، فوقع شراكات عديدة مع اسماء كبيرة مثل إيف دولورم ولوليفر او أرك انترناشيونال ليطلق دار كنزو التي اشترتها شركة LVMH، عام 1993.
بقي المصمم كنزو تاكادا يعمل في الدار إلى غاية عام 19999، وهو العام الذي قرر فيه التقاعد، ورغم ذلك، تواصل شركة كنزو نشاطاتها اليوم بتقديم تشكيلات نسائية ورجالية، ولكن ايضا تشكيلات ملابس للاطفال، بعد اطلاق كنزو اطفال.
ولعلامة كنزو منذ عام 20111 مديران فنيان، هما الاميركيان كارول ليم، وهامبرتو ليون، ولكن كنزو كادارا الذي تحول الى ممارسة هواية الصغر، وهي الرسم التشكيلي وجمع التحف الفنية وبيعها، فلم يبتعد كثيرا ويتعاون معهما في تصميم عدة تشكيلات تعرض للبيع في محال كنزو المنتشرة عبر العالم، وبينها محل كنزو الكويت الذي يقع في الأفنيوز.
