المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

الحسابات التركية في عملية «سيف الفرات» المحتملة

خلال الأسبوع الماضي، أعلنت القوات المسلحة التركية قصفها لمواقع تابعة لميليشيات «واي بي جي» الكرديّة، التابعة لحزب «بي واي دي» الكردي، بالقرب من «عفرين» في ريف حلب الشمالي، ردّاً على قيام الأخيرة بمهاجمة مواقع للجيش السوري الحر. وترافق ذلك مع حشود عسكرية تركية على المنطقة الحدودية بالتزامن مع ارتفاع ملحوظ في وتيرة تصريحات المسؤولين الأتراك وكذلك النبرة المتعلقة بتواجد مسلحين تابعين لميليشيات «بي واي دي» التي تعتبرها تركيا فرعاً سورياً من حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) وكلاهما مصنّف من قبل أنقرة كتنظيم إرهابي.
وتشير تقارير اعلامية إلى أنّ هناك استعدادات عسكرية تركية تجري لإطلاق ما اصطلح على تسميته عملية «سيف الفرات» لتشمل منطقة «عفرين» ومدينة تل رفعت ومطار منغ العسكري في شمال سوريا. ووفقاً لهذه التقارير، فقد تمّ تجهيز نحو 20 ألف مقاتل من الجيش السوري الحر، مدعومين بقرابة 7 آلاف عنصر من القوات الخاصة التركية ومزوّدين بأسلحة وعتاد يكاد يساوي ضعفي حجم الأسلحة والعتاد المستخدم في عملية درع الفرات، وذلك لخوض معركة قد تستغرق قرابة 70 يوما.
هذه المعطيات تبدو قريبة من خطّة سابقة كانت القوات التركيّة تجهّز لها إبان المفاوضات التي كانت تجري مع واشنطن قبيل إطلاق معركة الرقة، أي في نهاية عهد أوباما وبداية عهد ترامب. في تلك الفترة، تمّ تسريب معلومات تفيد بأنّ تركيا قد تطلق عملية عسكرية عبر تل أبيض لتستعيد بعض المناطق التي تعود للعرب والتي كانت ميليشيات «بي واي دي» قد احتلتها لاحقاً.
لكن يبدو أنّ التركيز التركي انتقل الآن من منطقة شمالي شرق وشمالي وسط سوريا إلى شمالي غربها، حيث منطقة عفرين وجوارها. العامل الأساسي في هذه النقلة يعود الى طبيعة العلاقة بين تركيا وكل من الولايات المتّحدة وروسيا من جهة، وعلاقة هذه الدول بالميليشيات الكردية من جهة أخرى.

تحييد الروسي والأميركي
في أغسطس الماضي، قام الجانب التركي بإطلاق عملية درع الفرات ضد تنظم داعش في الشمال السوري، واستطاعت قوات الجيش السوري الحر بدعم من القوات التركية تحرير منطقة واسعة نسبيا قياساً بالمدّة الزمنية التي استغرقتها والعدد المحدود من المقاتلين في مواجهة مقاتلي «داعش».
وفقا للمسؤولين الأتراك، فمن غير الممكن ضمان تأمين المناطق المحررة من سيطرة «داعش» من دون تطهير منطقة عفرين من مقاتلي «واي بي جي» الكرديّة، ولا يمكن المخاطرة بهذا الأمر وتركهم هناك سيما أنّ الجانب التركي كان قد استثمر كثيراً في إعادة الحياة إلى طبيعتها في المناطق المحررة.
وفي هذا السياق، تنشط وزارة الخارجية التركية وكذلك جهاز الاستخبارات للتنسيق مع الدول المعنية بهذا الأمر تمهيدا لإطلاق عملية عسكرية محتملة في تلك المنطقة. ونظراً للتفاهمات التي تربط هذه الميليشيات بكل من الولايات المتّحدة وروسيا، فإن تركيز أنقرة ينصب حاليا على محاولة تحييد كل منهما، نظراً للتكاليف التي ستترب على المبادرة التركية في حال معارضة أي منهما لعمل عسكري يطال هذه الميليشيات بالتحديد.

الاتصالات مع الأميركيين
ويشير مصدر رفيع المستوى إلى انّ «اتصالات جرت الشهر الماضي بين مسؤولين أميركيين ومسؤولين أتراك حول الملف الكردي تحديداً، وقد أمل المسؤولون الأميركيون من نظرائهم الأتراك في هذه الاجتماعات أن لا يقوموا بعمل عسكري من شانّه أن يعرقل التقدّم في المعركة القائمة ضد داعش في الرقة»، وفي سؤال له حول طبيعة التعاون مع الولايات المتّحدة في هذا الملف، قال المسؤول: «لقد طلب الأميركيون أن يتم التنسيق بشكل وثيق معهم حتى يستطيعوا المساعدة في محاربة حزب العمال الكردستاني لا سيما العناصر القيادية منه».
ما ذكره المصدر أعلاه، أكّده مسؤول في الخارجية التركية قال لنا «الجانب الأميركي أكّد لنا الالتزام الذي قطعه سابقا الرئيس الأميركي ووزير دفاعه بشأن التنسيق مع تركيا لضرب حزب العمال الكردستاني»، مضيفا «المسؤولون الأميركيون طلبوا منا منحهم المزيد من الوقت، وإن أمكن تأجيل أي عمل عسكري تركي ضد الميليشيات الكردية إلى نهاية العام الجاري».
ربما تكون هذه الاتصالات قد لعبت دوراً أساسياً في نقل تركيز تركيا من شمال شرق سوريا حيث التمركز الأميركي إلى شمال غربها، حيث التمركز الروسي. من المعروف بأنّ عفرين تحوّلت بعد سيطرة الميليشيات الكردية عليها في عام 2013 إلى شريان حياة للنظام السوري ومواقعه الشيعية المتقدمة في حلب (نبّل والزهراء)، قبل أن تستكمل الميليشيات الكرديّة السيطرة على كامل المنطقة في عام 2015 على حساب الجيش الحر و«داعش».
صحيح أنّ تركيا كانت قد أوضحت للولايات المتّحدة ولروسيا مؤخراً بأنّها سترد في حال استشعرت وجود أي تهديد من حزب العمال الكردستاني أو فرعه السوري، إلا أنّ ذلك لوحده ليس كافيا لتفسير التطورات الأخيرة في «عفرين» ومحيطها.

الموقف الروسي
خلال الأشهر القليلة الماضية، دخلت القوات الروسية منطقة عفرين ومحيطها، ونُشرت معلومات آنذاك تتحدث عن إمكانية إنشاء قاعدة عسكرية روسية فيها، لكنّ تقارير إعلامية أفادت خلال الأيام القليلة الماضية بأن بعضاً من القوات الروسية التي كانت قد تمركزت في معسكرات في المنطقة، انسحبت منها باتجاه مناطق سيطرة نظام الأسد، وهو ما فسّره البعض على أنّه تمهيد لاتفاق روسي ــــ تركي آتٍ، يتيح استعادة إحدى عشرة قرية عربية، سيطرت عليها ميليشيات «وحدات حماية الشعب» الكردية العام الماضي.
وفي هذا السياق، هناك من يرى انّه قد لا يكون بإمكان روسيا عملياً منع مثل هذه العملية العسكرية التركية على الأرض، إن هي حصلت، لكنّ آخرين يرون أنّه بإمكان موسكو ان تعرقلها على الأقل إذا كان هناك اعتراض حقيقي عليها. لكن يبدو أنّ موسكو مهتمّة أكثر الآن في تثبيت وقف إطلاق النار وعملية الأستانة، وليس في دعم الميليشيات الكردية في عفرين، وهي تحتاج الى تركيا من أجل تحقيق ذلك، وهذا ما يفسّر ربما الصمت الروسي حتى الآن.
أضف إلى هذا الأمر أنّ هناك مؤشرات على اتساع الخلاف بين واشنطن وموسكو في ما يتعلق بالنظام السوري مؤخراً؛ ولذلك فمن مصلحة موسكو أن تبعد تركيا على الأقل عن الجانب الأميركي إن لم تستطع كسبها. ومن المعروف أنّ ملف «بي واي دي» هو احد ملفات الخلاف بين واشنطن وأنقرة؛ لذلك فإن تراجع موسكو عن دعم الـ «بي واي دي» الذي كان يستقوي بوجودها على الأرض ربما يكون ثمناً جيداً لتحقيق هذا الهدف.
هذه المعطيات تعني أنّ المساحة المتاحة لأنقرة في هذا الموضوع أصبحت أكبر، وهو ما يفسّر تصاعد الخطاب السياسي بموازاة الحشد العسكري. هناك مصلحة تركية في ان يتم تطهير هذه المنطقة من تواجد الميليشيات الكردية لعدة أسباب؛ من بينها: تأمين المناطق المحررة سابقا عبر عملية درع الفرات، وتوسيع الرقعة التي تفصل بين مناطق سيطرة وتوسّع الميليشيات الكردية في أقصى شمال شرق سوريا، وأقصى شمال غربها، وبالتالي قضم المزيد من المساحات التي تمددت فيها الميليشيات الكردية على الشريط الشمالي.
بهذه الطريقة، ستعمل أنقرة على إعادة القرى العربية لسكّانها الأصليين، حيث يسمح ذلك للجانب التركي، كذلك بتخفيف جزء من أعباء اللاجئين التي لا يزال يتحملها، ويستطيع أن يؤمّن أيضاً عمقه على الجهة التركية من الحدود، من خلال العناصر العربية في هذه المناطق.

هل ينسحب الأكراد؟
أمّا بالنسبة إلى ردّة فعل الميليشيات الكردية، فهناك خلاف كبير حول طريقة التعامل مع سيناريو التدخل العسكري المحتمل في عفرين ومحيطها. صحيح أنّ ميليشيات «بي واي جي» الكردية التابعة لـ «بي واي دي» كانت قد هدّدت بانّها ستهاجم تركيا في حال قررت الأخيرة إطلاق عملية عسكرية في عفرين وجوارها، وهو الامر الذي أيّده «مجلس الرقّة المدني» المرتبط بهذه الميليشيات، الاّ أنّ هناك من يرى ضرورة تجنّب المعركة من خلال إخراج هذه الميليشيات من المدينة وجوارها، لانّ موازين القوى لا تساعد على المواجهة، كما انّ التدمير الذي قد يطول المنطقة بسبب هذه الميليشيات قد يفوق أي مكاسب من الممكن تحقيقها، ناهيك عن موقف روسيا الذي لا يبدو داعماً لــ «بي واي دي» كما كان عليه الامر في المرحلة السابقة ما قبل اطلاق عملية الرقة.
ولذلك هناك من يحاول احتواء الامر عبر مبادرة اطلقها ناشطون ومثقفون أكراد لإنقاذ مدينة عفرين من تداعيات المعركة المحتملة بحيث تؤكّد على ضرورة انسحاب ميليشيا YPG من القرى العربية التي احتلتها شمال حلب وتسليمها لأهلها.
في نهاية المطاف، فان الحسابات التركية قد تشير الى وجود فرصة سانحة لاستغلال الموقف وتحقيق تقدّم جديد ضد الميليشيات الكردية، وباعتقادي إن كانت هي قد توصّلت الى مثل هذا الأمر، فهذا يعني أنّ إطلاق الحملة العسكرية الجديدة ليس مجرّد مناورة سياسية ولكن لا شك أنّها تتوقف على مدى استجابة الميليشيات الكردية للمطالب التركية، وهذا بدوره يعني ان إطلاق العملية قد يكون مجرد وقت لا غير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى