المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتةاقتصاد

نواب يبيعون «وهْمَ» خفض كلفة استقدام العمالة

منذ سنتين تقريبا، أي منذ سنة 2015 والمواطنون يتلقون وعوداً بتخفيض تكاليف استقدام العمالة المنزلية. ومع اقتراب شهر رمضان وارتفاع أسعار الاستقدام أكثر وأكثر، أصبح موضوع تأخر الشركة الحكومية لاستقدام العمالة حديث الكثيرين. لذلك، أصبح ضروريا أن نحاول معرفة آثار بدء عمل الشركة إذا بدأت بالفعل في شهر أغسطس 2017.
في 15 يوليو 2015 صدر قانون 68 لسنة 2015 الخاص بشؤون العمالة المنزلية وضمان حقوقها بهدف معالجة انتهاكات حقوق الانسان وإرضاء الدول المصدرة للعمالة المنزلية. وفي نفس اليوم صدر قانون 69 لسنة 2015 الخاص بإنشاء شركة مساهمة مقفلة لاستقدام وتشغيل العمالة المنزليـــة.
حسب نص القانون والمذكرة الإيضاحية يركز القانون 68 لسنة 2015 على سد النقص التشريعي الناتج من عدم شمول قانون العمل بالقطاع الأهلي للعمالة المنزلية. أي يهدف للحفاظ على حقوق العمالة المنزلية. لذلك، فرض هذا القانون، وهو نافذ حاليا، على صاحب العمل أو رب المنزل الآتي: (المواد 22 و23)
تحديد الحد الاقصى لساعات العمل بحيث لا تزيد على 12 ساعة خلال اليوم الواحد وتتخللها ساعات راحة.
أحقية العامل المنزلي في الحصول على راحة أسبوعية وأخرى سنوية مدفوعة الأجر.
تخصص مكافأة نهاية خدمة للعامل المنزلي بعد إتمام مدة العقد تعادل أجر شهر واحد عن كل سنة.
لا يجوز لصاحب العمل حجز جواز سفر العامل المنزلي وحرمانه من الاحتفاظ به. إلا بناء على موافقة العامل المنزلي.
إلزام صاحب العمل بنقل جثمان العامل المنزلي حال وفاته إلى بلده مع صرف أجر الشهر الذي توفي فيه.
على الرغم من تركيز المذكرة الايضاحية لقانون 69 لسنة 2015 الخاص بإنشاء شركة الاستقدام على إساءة بعض أصحاب التراخيص نحو العمالة مما أثر سلبا على موقف الكويت في مجال حقوق الانسان. إلا أن النواب سوقوا للمواطنين أن الهدف الرئيسي من القانون هو تقليل التكلفة على المواطنين بسبب تحديد سقف أعلى للأرباح لا يزيد على %10 من تكلفة الاستقدام.لذلك يمكننا الاستنتاج أن انشاء الشركة أتى لإضفاء قبول شعبي على قوانين وضعت لتحسين موقف الكويت في مجال حقوق الانسان. خاصة أن تملك الحكومة لشركة استقدام عمالة أمر غريب وغير منتشر في المنطقة.

هل ستنخفض التكاليف؟
إذا أردنا أن نعرف تأثير الالتزام بتطبيق قوانين العمالة المنزلية الحديثة على اقتصاديات الأسرة، فلابد من حساب اجمالي تكلفة ساعة عمل العامل المنزلي قبل القوانين وفي ظروف مختلفة مع تكلفة ساعة عمل العامل المنزلي بعد الالتزام بتطبيق القوانين. لذلك تم افتراض عقد عمل مدته سنتان كما هو دارج ثم حساب اجمالي التكاليف من استقدام وراتب وتذكرة العودة ومكافأة نهاية الخدمة والراحة الأسبوعية وغيرها مما هو مفترض الالتزام به بعد تطبيق القانون.
في البداية تم افتراض أقسى ظروف العمل للعمالة المنزلية قبل الالتزام بالقانون بـ 16 ساعة عمل يومية دون راحة أسبوعية أو إجازة سنوية مدفوعة، لأنها لو لم تكن أعلى مما هو منصوص عليه في القانون لما كان هناك حاجة للنص عليها. كان إجمالي ما يدفعه رب الأسرة خلال السنتين من رواتب واستقدام وخلافه هو 4940 ديناراً بافتراض تكلفة استقدام 1500 دينار وراتب شهري 120 ديناراً. وكان اجمالي ساعات العمل هو 11648 ساعة. أي بتكلفة اجمالية 424 فلساً لساعة العمل الواحدة.
أما بعد الالتزام بتطبيق القانون، فقد تم افتراض انخفاض تكلفة الاستقدام إلى 650 ديناراً. وهي تمثل الحد الأدنى لتكلفة الاستقدام كما ورد على لسان رئيس مجلس إدارة الشركة الجديدة. ثم افتراض انخفاض الحد الأقصى لساعات العمل اليومية إلى 12 ساعة مع افتراض راحة أسبوعية يوم واحد واجازة سنوية مدفوعة مدة أسبوعين ومكافأة نهاية الخدمة تساوي راتب شهر لكل سنة خدمة كما نص عليه القانون. كان اجمالي ما يدفعه رب الأسرة أو صاحب العمل هو 4280 ديناراً خلال سنتين ولإجمالي ساعات عمل تساوي 7200 ساعة. أي بتكلفة اجمالية 601 فلس لساعة العمل الواحدة. وهي تكلفة أعلى بنسبة %42 من التكلفة السابقة لتطبيق القوانين بالرغم من تخفيض كبير في تكلفة استقدام العمالة.
لأن القانون غير واضح في تفصيل الراحة الأسبوعية والاجازة السنوية المدفوعة، ولأن هناك شكوكاً كبيرة حول صحة إمكانية تخفيض تكلفة الاستقدام ولتعدد الفرضيات، كان لابد من بيان تأثير هذه العوامل على حدة في نسبة الفرق بين تكلفة ساعة العمل قبل وبعد الالتزام بتطبيق القوانين الأخيرة. أي تم تغيير فرضية واحدة فقط مع بقاء بقية الفرضيات كما جاءت بالحالة محل الدراسة. وكانت نسبة تكلفة ساعة العمل أعلى بعد الالتزام بتطبيق القانون حسب الآتي:
1 – %6 أعلى بدل %42 عند افتراض 12 ساعة عمل يومية بدل 16 ساعة قبل القانون، أي مطابقة للحد الأعلى المنصوص عليه بالقانون.
2 – %70 أعلى بدل %42 عند افتراض بقاء تكلفة الاستقدام الأصلية من دون تغيير. أي عند فشل الشركة الجديدة في تخفيض تكلفة الاستقدام.
3 – %22 أعلى بدل %42 عند إلغاء يوم الراحة الأسبوعية كما جاء بالحالة.
4 – %34 أعلى بدل %42 عند إلغاء مكافأة نهاية الخدمة.
5 – %36 أعلى بدل %42 عند إلغاء الإجازة السنوية، وهي أسبوعان كما جاء بالحالة.
يتبين مما سبق أن الأسرة التي لا تحمل العمالة المنزلية أكثر من طاقتها أو لا تستعبد العمالة المنزلية لن تتضرر كثيراً من الالتزام بتطبيق القانون. كذلك تبين أن فشل الشركة الجديدة في تخفيض استقدام العمالة إلى حدود الـ650 ديناراً سيكون له بالغ الأثر السلبي على اقتصاديات الأسرة الكويتية في حال التزمت بتطبيق قانون العمالة المنزلية الجديد.

مقارنة
قبل سنة تقريباً، نشرت جريدة الاقتصادية دراسة تبين أن تكلفة استقدام العمالة المنزلية في السعودية هي الأعلى خليجياً، بحسب التفصيل التالي لتكلفة استقدام العمالة الفلبينية:
● السعودية 1782 ديناراً.
● الإمارات 1079 ديناراً.
● قطر 966 ديناراً.
● الكويت 900 دينار.
● البحرين 810 دنانير.
لو افترضنا صحة الأرقام السابقة، لما كان هناك داع للتهويل من قبل النواب من أن الشركة الجديدة ستخفض تكاليف الاستقدام بشكل كبير، لأن التكلفة في الكويت لم تكن مرتفعة مقارنة بدول الخليج، ولأن هناك أسباباً أساسية في ارتفاع التكلفة بحسب تحقيق جريدة الاقتصادية تعود إلى الآتي:
1 – خلال التحقيق تبين أن هناك سوقاً سوداء للعمالة المنزلية في الخليج تدار أصلاً منذ فترة.
2 – هناك ضغوط برلمانية داخل الدول المصدرة للعمالة، وكذلك ضغوط منظمات دولية، لإيقاف إرسال عمالتها وبالذات النسائية إلى خارج البلاد.
3 – توافرت أسواق بديلة لعمالة تلك الدول، وبعض هذه الأسواق قريبة في المسافة وفي الطبيعة والعادات والتقاليد من تلك الدول.
4 – أسفر هذا التغير في أسواق الاستقدام إلى إرباك الدول الأخرى المصدرة للعمالة من جراء تزايد طلبات الاستقدام منها إلى حد أكبر من السعة المحتملة، وعدم مقدرتها على مجاراة الزيادة الكبيرة في الطلب على عمالتها، أو توفير التدريب المناسب لعمالتها قبل إرسالها للدول طالبت الاستقدام.

قدرة «الدرة».. ليست أكيدة
إلى ذلك، يجعلنا كل ما سبق نتساءل حول قدرة شركة الدرة على استقدام العمالة المنزلية (الشركة الحكومية الجديدة) على تخفيض أسعار الاستقدام على الرغم من كل هذه العراقيل والتحديات. خاصة أنها شركة حكومية رأس مالها 3 ملايين دينار فقط. وعليها ضوابط وأحكام وبيروقراطية تمنع دفع العمولات للسماسرة بشكل غير سليم قانونيا. ولا تملك أن تؤثر في المنظمات الدولية وبرلمانات الدول المصدرة للعمالة. إذ ربما تنجح في استقدام عدد محدود جدا من العمالة أو استقدام عمالة من دول غير مرغوبة بأسعار منخفضة. لكن في الأغلب لن يكون هذا كافياً لسد الطلب المحلي. وكمثال حي على ذلك، مع الاعتذار في التشبيه، هل استطاعت شركة المواشي تخفيض أسعار الأغنام في الكويت رغم الموارد الكبيرة المتوفرة لديها؟

المواطنون يستطيعون تخفيض الكلفة
أصدر العديد من دول الخليج قوانين مشابهة للقانون 68 لسنة 2015 لتجنب ضغوط المنظمات الدولية. لكن لا تزال الممارسات الفعلية لأصحاب العمل أو الأسر الجالبة للعمالة المنزلية بعيدة عما جاء في مضمون هذه القوانين حسب تقارير منظمة حقوق الانسان. ولو كانت غير ذلك لما كانت هناك ضغوط مستمرة من المنظمات الدولية على دول المنطقة. وهنا يأتي دور المواطنين أو رب الأسرة وأفرادها بتقليل انتهاكات حقوق الإنسان أو السلوك الاستعبادي ضد العمالة المنزلية. على الرغم من أن تكلفة ساعة عمل العمالة المنزلية غالبا ما ترتفع عند تقليل هذه الممارسات، إلا أن تكلفة الاستقدام قد تنخفض بشكل ملحوظ تزامنا مع ذلك، وفي حال كان هذا سلوكاً جماعياً وليس فردياً. والتاريخ يعلمنا أنه حتى الدول التي قد ترضى اليوم بهذه الممارسات بشكل أو بآخر لن ترضى في المستقبل وستمنع عمالتها من القدوم إلينا.

ارتفاع التكلفة مفيد أيضا!
بسبب ارتفاع التكاليف المباشرة للالتزام بالقوانين المنظمة للتعامل مع العمالة المنزلية وأثر ذلك السلبي في اقتصاديات الأسرة، قد لا يرى الكثير منا فوائد هذا الارتفاع في المدى الطويل على اقتصاديات البلد. حيث أن التكاليف العالية على استقدام العمالة المنزلية وعلى ساعة عملهم تحديدا ستساهم في تقليل عددهم وبالتالي:
● يقل عدد الأبناء لأن تنشئتهم يصبح فيها جهد ومشقة وتكلفة أكبر. وبالتالي تقل الحاجة إلى توفير وظائف حكومية ومساكن وأي تكلفة أخرى تتعلق بزيادة عدد المواطنين.
● تقل الحاجة إلى منازل أكبر ويقل استهلاك الأسرة.
● يقل الدعم الحكومي المقدم للكهرباء والماء والوقود والتموين.. إلخ.
● يقل الإنفاق الأسري بسبب انخفاض الاستهلاك والسرقات والاتلاف وانخفاض جرائم أخرى تقوم بها العمالة المنزلية.
● تقل الأموال الكويتية المحولة إلى الخارج.

محمد رمضان
كاتب وباحث اقتصادي
rammohammad@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى