الكشافة ليلة (25) عطاء لا ينضب في الحرمين الشريفين

مكة المكرمة – مبارك الدوسري
في ليلة الخامس والعشرين من رمضان، حيث يزدحم الحرمان الشريفان بمئات الآلاف من المعتمرين والمصلين، كان أفراد جمعية الكشافة العربية السعودية ينتشرون في ساحات الحرم المكي والمسجد النبوي، قلوبهم تنبض حباً وعطاءً، وأيديهم ممتدة لخدمة ضيوف الرحمن.
إرشاد التائهين.. ودموع الفرح:
بين الزحام، وقف الكشاف وليد فيحان العتيبي بجانب إحدى بوابات المسجد الحرام، يراقب المارة بعين يقظة، حتى لمح رجلاً مسناً يبدو عليه القلق والتعب، يتلفت يميناً ويساراً كمن أضاع شيئًا عزيزاً، اقترب منه عبدالله وسأله بلطف عن حاجته، فكانت إجابته بصوت مرتجف: “أضعت زوجتي، لا أعرف أين هي!”
على الفور، طلب الكشاف وليد العتيبي عبر جهازه اللاسلكي من زملائه في النقاط الأخرى المساعدة في البحث عنها، وبعد دقائق من التنسيق والتواصل، تلقى إشارة بأن سيدة تحمل نفس المواصفات قد تم العثور عليها بالقرب من أحد المصاعد، سار مع الرجل إليها، وما إن رأته حتى انفجرت بالبكاء من الفرح، قائلة: “ظننت أنني لن أجدك أبدًا!” احتضنها زوجها بحنان، وشكروا الكشافين بحروف اختلطت بالدموع والدعاء.
يد العون للمحتاجين:
في موقع آخر، كان الكشاف عمر أحمد حنتول يوزع عبوات المياه والتمر على المصلين الصائمين، حين لاحظ رجلاً يجلس على الأرض ممسكًا بقدمه بتألم شديد. اقترب منه، وسأله عما أصابه، فأخبره الرجل بصوت متعب أنه انزلق وأصيب بكدمة قوية في كاحله، لم يتردد الكشاف عمر لحظة، فقدّم له الإسعافات الأولية وربط قدمه برباط ضاغط، ثم ساعده على الجلوس في عربة متنقلة، ونقله إلى أقرب مركز صحي داخل الحرم لتلقي الرعاية اللازمة، وقبل أن يغادر، أمسك الرجل بيده قائلاً: “لقد كنت ملاكاً لي في هذه الليلة المباركة، جزاكم الله خيراً يا أبنائي!”
مواقف تعكس روح العطاء:
ليلة الخامس والعشرين لم تكن مجرد ليلة تطوعية، بل كانت قصة إنسانية عظيمة سطرها أبناء هذا الوطن بقلوبهم وأفعالهم، من إرشاد التائهين، إلى مساعدة العجزة، إلى تقديم الإسعافات الأولية، حيث أظهرت جمعية الكشافة العربية السعودية صورة مشرفة للعمل التطوعي، ورسخت قيم الانتماء الوطني، وروح العطاء التي لا تعرف حدودًا.
لقد كانت هذه الليلة واحدة من الليالي التي تثبت أن خدمة ضيوف الرحمن شرف لا يضاهيه شرف، وأن أيادي الفتية والشباب ستظل دائمًا ممدودة لكل من يحتاج إليهم، بعطاء لا ينضب، وحب لا حدود له.