المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

مشاهد تهز القلوب وتجسد لحظات من يوم القيامة

 

محمد تهامي

كانت البداية هادئة كما تبدو الحياة قبل أن تنقلب الموازين، صباحٌ مشرق، وسماء صافية في إحدى الولايات الجنوبية، حيث يخطو الناس خطواتهم اليومية معتقدين أن كل شيء تحت السيطرة، لكن فجأة، أصدر الله أمره، فأطاعت الطبيعة بغير تردد، وتحولت تلك الأرض إلى مسرح لحدث جلل يُذكّر البشرية بيوم يُنفخ فيه في الصور.

في لحظة، تغيرت ملامح المشهد. الرياح التي كانت نسمات دافئة تحولت إلى زئير مدوٍ، كأنها تستصرخ الأرض ومن عليها، البحر الذي كان هادئًا انقلب هائجًا، يبتلع الشواطئ بلا رحمة. إنه أمر الله الذي لا يُرد، حين قال للخليقة: “كوني”، فكانت. إعصار هيلين الذي اجتاح فلوريدا وجورجيا وأخواتها من الولايات الجنوبية لم يكن مجرد حدث طبيعي عابر، بل كان آية من آيات الله تُذكرنا بضعفنا وهشاشتنا. قال تعالى: “وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا”. وكأن تلك الأعاصير نداء إلهي لإيقاظ القلوب الغافلة، وفرصة لنا للتوبة والعودة إلى الله قبل أن يحل يوم لا ينفع فيه الندم.

في أحد الملاجئ المؤقتة، حيث اجتمع الناجون بعد أن فقدوا كل شيء، كان المشهد يُبكي الحجر، أمٌ تضم أطفالها، تبكي بحرقة وقد اختنق صوتها بالدموع: “يا رب، لم يبق لي سوى رحمتك، فأنت أرحم الراحمين.” بجانبها، شيخ كبير جاثٍ على ركبتيه يرفع يديه للسماء، ودموعه تسابق دعاءه: “يا رب، لطفك بنا، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك.” في هذه اللحظات، تذكرتُ قول الشعراوي: “حين ترى آية من آيات الله، فافزع إلى ربك. لأنك إن غفلت، فقد تأتيك آيات أشد حتى تفيق.” ما أشبه هذه المشاهد بيوم القيامة، حين يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه، لقد كان كل شخص في تلك الكارثة يبحث عن ملاذ، لكن الملاذ الوحيد كان الله.

في كنتاكي، حيث استقرت الأعاصير بعنفوانها، خرج فريق من رجال الإنقاذ يبحثون بين الأنقاض، عثر أحدهم على طفلة لا تتجاوز الخامسة من عمرها تحت ركام منزلها. كانت عيناها مغرورقتين بالدموع، لكنها عندما رأت الضوء لأول مرة بعد ساعات من الظلام، تمتمت بصوت مرتعش: “هل الله غاضب منا؟” كان سؤالها كالسهم الذي اخترق قلوب الحاضرين، وأعاد للأذهان قوله تعالى: “ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين”. إن ما حدث ليس مجرد كارثة طبيعية كما يظن البعض، بل هو تجلٍّ لإرادة الله التي لا يُعجزها شيء في السماوات والأرض. وكما قال أبو حامد الغزالي: “الحوادث الكونية ليست عبثًا، بل رسائل من الله للبشر، يدعوهم للتوبة، ويذكرهم بأن الحياة ليست سوى دار اختبار.”

بعد انقضاء الإعصار، ومع شروق شمس يوم جديد، كانت الأرض تمتلئ بمشاهد تعكس قدرة الله وعدله. بيوت مدمرة، أرواح انتقلت إلى بارئها، ووجوه تبحث عن بصيص أمل وسط هذا الدمار. ومع ذلك، كانت هناك لمحات من رحمة الله تتجلى في التكاتف الإنساني، حيث هرع المتطوعون من كل مكان يحملون الغذاء والماء والأدوية، مُظهرين أن البشر، رغم ضعفهم، قادرون على زرع بذور الخير حتى في أحلك الظروف.

هذه الأحداث ليست مجرد مآسٍ تُكتب في تاريخ البشرية، بل هي دعوات للعودة إلى الله، للتأمل في قدرتنا المحدودة أمام جلاله وعظمته، فإن الكوارث لا تأتي لتدميرنا، بل لتذكرنا بأننا جزء من هذا الكون الذي يسير بأمر الله، وأن خلاصنا الوحيد هو في اللجوء إليه، حين ترى الرياح تعصف بلا هوادة، والمياه تجتاح الأرض وكأنها تطالب بما ليس لها، تذكر قوله تعالى: “قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابًا من فوقكم أو من تحت أرجلكم”. حينها، تدرك أن كل ما تملك لا قيمة له إلا إذا وضعناه في خدمة خالقنا.

إن الأعاصير التي اجتاحت أمريكا في هذا العام وغيره، ليست سوى تذكرة صغيرة بلحظات من يوم القيامة. لحظات تُجبرنا على التواضع أمام عظمة الخالق، وتُعلمنا أن القوة الحقيقية ليست في السيطرة على الطبيعة، بل في القرب من الله والرضا بقضائه، فلنتذكر دائمًا أن الأمان لا يكون في الأبراج الشاهقة أو التكنولوجيا المتطورة، بل في قولنا: “يا رب، ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء.” وكما قال القائل: “لا تعجبك قوتك، فالله هو الأقوى. ولا تغرنك دنياك، فالله هو الباقي.” فإذا هاجت الرياح، وارتعدت الأرض من تحت قدمينا فلا نلتفت يمينًا أو شمالًا، بل نرفع أعيننا إلى السماء ونقول: يا الله، أنت السلام ومنك السلام، فاجعل حياتنا في عافيتك وسلامك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى