المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

مقالات

براطم شريم ..!!

أحمد سليمان النجار مدرب معتمد ومستشار أسري وتربوي معتمد ومعد ومقدم برامج ‏3h_live@

قام (روي إف . بوميستر ) أستاذ علم النفس بجامعة ولاية فلوريدا قبل عدة سنوات بتجربة رائعة , فقد طلب من طلابه أن يصوموا قبل ذهابهم إلى المختبر , ثم مكثوا في حجرة لوحدهم وفي الغرفة قطع من الفجل وكعك بالشوكولاتة وحلوى , وكان مسموحاً لبعض الطلبة بأن يتناولوا مايشاؤون , بينما البعض الآخر كان مسموحاً لهم بتناول الفجل فقط , وبعد ذلك كان على المشاركين العمل على حل بعض الأحجيات الهندسية غير القابلة للحل , ظل الطلبة المسموح لهم بتناول الكعك والحلوى يعملون على حل الأحجيات لمدة عشرين دقيقة بالضبط , وهي المدة نفسها التي استغرقتها مجموعة أخرى ( ضابطة ) من الطلاب كانوا جائعين أيضاَ لكن لم يٌعرض عليهم أي طعام من أي نوع , أما متناولو الفجل الذين جاهدوا الإغراء بشدة , فقد استسلموا بعد حوالي ثمان دقائق , وهذا فارق ضخم طبقاً لمقاييس التجارب المعملية ..!!

ولكن ماعلاقة ( روي ) ببراطم شريم ؟!!

هناك مثل شعبي معروف في بعض المناطق يقول :
( قال انفخ ياشريم , قال : مامن براطم )

وشريم تصغير أشرم على عادة العرب في التصغير , والأشرم هو من لديه قطع في شفته , والبرطم هو الشفة في بعض اللهجات , ولمن لم يعرف البراطم بعد , فعليه أن ينتظر حتى رمضان المُقبل حيث ستعرض الشاشات مسلسلات عربية تزدحمُ فيها البراطم أشكالاً وأحجاماً ..!!
ويقال هذا المثل لمن لديه رغبة ولديه إرادة ولكن ليس لديه إمكانات للعمل , ومن أهم الإمكانات – في نظري – هي مايحلو لي أن أسميه ( طاقة الإرادة ) وهذا هو الرابط بين تجربة ( روي ) وبراطم شريم ..

فأنا مؤمن أن توافر الإرادة شرط – ليس للعمل فحسب – بل وحتى لصنع المعجزات – بإذن الله – ولو تتبعنا هذه اللفظة في القرآن الكريم وفي السنة النبوية لوجدنا مواضعها حساسة وفاعلة وللغاية .., بل وحتى أن نية الإرادة فقط تُحدِث – بإذن الله – أثاراً عظيمة وعجيبة للغاية , فلننظر لقوله تعالى : ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) , فشرط توافر نية إرادة الإصلاح تُعين على الإصلاح بإذن الله ..

وكذلك أنا مؤمن أن للإرادة طاقة محدودة , فكما في تجربة ( روي ) فإن فريق الفجل قد استنزف طاقة إرادته في مقاومته لأكل الحلوى والكعك والاكتفاء بالفجل , فأثر ذلك سلباً على إرادتهم في قضاء وقت أطول في التحدي الذي تعرضوا له ..!!

ولعله من أجل حفظ تلك الطاقة نهانا الشرع عن استشراف الفتن أو تعريض أنفسنا لاختبارات أمام المعاصي ..

وكنت – ولاأزال – أردد أن علينا أن نختار – وبعناية بالغة – معارك الإرادة التي نخوضها , ولانستنزف طاقة إرادتنا على مواقف تافهة وأشخاص فارغة وانتصارات زائفة وصراعات غبية ..

وقبل الختام لازماً أن أقول أنني مؤمن أيضاً أن الطاقة كما تُستنفذ فهي – ولله الحمد – يُعاد شحنها ثانية , ولعل وجودنا مع أشخاص إيجابيين وفي بيئة إيجابية داعمة مما يعين على حفظ الطاقة وإعادة شحنها , وكذلك أخذ استراحات يومية أو دورية يعين على ذلك , ألا تلحظون معي – ومن يعمل في مجال الاستشارات الأسرية بالذات – أن معظم المشاكل والخلافات والشجارات والعنف وكذلك تعاطي المخدرات وشرب الخمر والإقدام على السلوكات الخاطئة يحدث عادة في ساعات الليل , عندما يبدأ مؤشر طاقة إرادة ضبط النفس والسيطرة على الأعصاب والتحكم في الغرائز والشهوات في الانخفاض , وأن معظم القرارات الإيجابية والسلوكات الحسنة تحدث في الصباح الباكر , يقول ﷺ: ( اللهم بارك لأُمتي في بكورها ) , هذا ليس شرطاً ولكنها ملاحظة عابرة والله أعلم ..

ولذلك أرى أنه لزاماً علينا أن نحفظ طاقة إرادتنا بالطريقة التي تناسب كل واحد منا على اختلاف المواقف والظروف والنفسيات والقدرات , ولانستنزفها فنفقدها , وعندما نقف أمام أمرٍ ما , نرغب فيه , وتتوافر لدينا إرادة عمله , ولكننا نستعير عذر شريم بأنه ( مامن براطم ) …

مدرب معتمد ومستشار أسري وتربوي معتمد ومعد ومقدم برامج
‏3h_live@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى