أيها أهم: نُعالج الإصابة بـ «كورونا» أم الأمراض المزمنة غير المعدية؟
د.هشام أحمد كلندر – طبيب متخصص في الإدارة الصحية
Email: [email protected] – Twitter: @Dr_hisham81
اليوم ملف جائحة «كورونا» هو الذي يشغل العالم بأسره وينصب عليه التركيز الإعلامي، حيث انعكست آثاره على جميع الأصعدة سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الصحية.
ومنذ بداية الجائحة وقطاع الرعاية الصحية في دول العالم يعمل بكامل كوادره وطاقاته لمواجهة هذا الوباء، بل وسخرت الحكومات الكثير من مواردها للتعامل مع هذا الفيروس، وقد ينعكس هذا التركيز للتعامل مع هذا الوباء على الخدمات الصحية الأخرى ومنها التعامل مع الأمراض المزمنة غير المعدية كأمراض القلب والسكر والضغط وغيرها. لجائحة كورونا دور في ذلك، إما بسبب التغيرات السلوكية التي طرأت على متلقي الخدمات الصحية (المرضى) أو بسبب تغير بعض سياسات المؤسسات الصحية من التركيز على جائحة «كورونا» والتي قد تكون على حساب باقي الخدمات الصحية.
بخصوص المرضى، يقول خبراء الصحة العامة إنه مازال الكثير من الناس خائفين من استخدام الخدمات الطبية خوفا من الإصابة بفيروس كورونا. وهذا الخوف جعل الكثيرين من المرضى يترددون في الذهاب للمراكز الصحية أو المستشفيات، وانعكس ذلك على عدم الالتزام بالمواعيد الصحية والحضور للعيادات الخارجية من أجل المتابعة الدورية ولإجراء الفحوصات المخبرية، هذا يعني تأثر هذه الشريحة الكبيرة من ناحية العناية والمتابعة، حيث لا يخلو بيت من مريض يعاني مع الأمراض المزمنة غير المعدية. أظهر استطلاع ذكر في إحدى الصحف المحلية أن 54% من سكان الكويت يتجنبون الذهاب إلى العيادة أو المستشفى لمتابعة الاحتياجات الصحية العامة أثناء فترة انتشار الجائحة، مما قد يشكل مخاطر على مرضى الحالات المزمنة. هذا من جهة المرضى، أما بخصوص القائمين على القطاع الصحي فكان التركيز الأكثر في بادئ الأمر على مواجهة هذا الوباء وخاصة مع قلة المعلومات المتوافرة عن فيروس كورونا ولكن مع مرور الوقت واتضاح الكثير من الأمور بدأت الخدمات الصحية تعود مرة أخرى لحالته الطبيعية.
ولا تزال المستشفيات تكافح لإعادة تشغيل بعض الخدمات التي توقفت وتحاول تقليص قوائم الانتظار بعد شهور من العمل بجزء من طاقتها لهذه الخدمات، ويعتبر التوسع في إعادة فتح العيادات الحكومية والخاصة والعيادات في مراكز الصحة الأولية خطوة ممتازة لتخفيف الجهد عن الطوارئ في علاج وتشخيص مضاعفات الامراض المزمنة وخاصة في حال عدم توفير مكان لتحويلهم ومتابعتهم بعد الطوارئ.
ومن المهم أيضا في ظل جائحة «كورونا» تخفيف الضغط على الخدمات الصحية بشرط ألا يكون على حساب المرضى الذين يعانون من الأمراض المزمنة غير المعدية. إذ يمكن تحقيق هذه المعادلة بتقليل الضغط على الخدمات الصحية وكذلك على حاجة المراجعين للتردد على المستشفيات ومراكز الصحة الأولية عبر توصيل الأدوية للمنازل، صرف الأدوية لمدة أطول للأمراض المزمنة، تفعيل الخدمات الصحية عن بعد والخطوط الساخنة وذلك لضمان سلامة ذوي الامراض المزمنة في منازلهم وعدم حدوث مضاعفات تؤدي لأخذ مزيد من أسرة المستشفيات. لقد حان الوقت لبناء نظام صحي ذي كفاءة عالية من خلال إدخال التكنولوجيا عبر مختلف قطاعات الرعاية الصحية، وباعتماد الحلول الذكية كالعيادة الافتراضية ومراجعة السياسات الحالية والعمل على تطويرها لبناء نظام فعال قادر على التقليل من الهدر في الطاقات والأوقات والأموال، لضمان حصول المرضى على الرعاية الصحية بشكل أفضل.
وأخيرا، نعود الى السؤال المطروح بعنوان المقال «أيهما أهم: أن نعالج الإصابة من فيروس كورونا أم الأمراض المزمنة غير المعدية؟»، والجواب: إن جميع الخدمات الصحية مهمة ولكن الأهم هو تحقيق التوازن في تقديم الخدمات الطبية والحرص على ألا يطغى ملف على الآخر.