المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

أمطار الكويت.. خير.. ومساعدة للغير

مع قدوم الشتاء، يأتي إلينا المطر حاملا في طياته الخير الوفير، الذي قد يزيد أحيانا وتختلف درجاته من عام لآخر، ونتيجة لظروف تتعلق بكميات المطر، تقع بعض الأحداث المؤسفة من غرق وتتسبب في خسائر مادية وأحيانا تكون هناك خسائر في الأرواح.

ومنذ قديم الأزل مرت مواسم مطيرة على الكويت، شهدنا خلالها تلاحم الكويتيين وترابطهم على قلب رجل واحد.

ولم يقف تحرك الكويتيين عند حد المساعدة والمعاونة لبعضهم البعض، بل حاولوا الاستفادة من النكبات والكوارث، وتحويلها إلى مشاريع تنموية تعم بالفائدة على الجميع.

وفي ليلة 6 نوفمبر الجاري شهدت الكويت أمطارا شديدة وسيولا جارفة استمر بعضها لأكثر من 6 ساعات متواصلة، لتستمر موجة الأمطار على مدى ثلاثة أيام بدرجات وكميات مطرية مختلفة، اتبعها أمطار شديدة أيضا يومي 14 و15 نوفمبر الجاري، وما زلنا في بداية الموسم الشتوي ويتوقع هطول المزيد من الأمطار بدرجات متفاوتة بحسب توقعات خبراء الأرصاد الجوية.

واليوم يقوم مركز الكويت لتوثيق العمل الإنساني «فنار» بتسليط الضوء على أهم الأحداث المتعلقة بالأمطار والمواسم المطيرة التي مرت على الديرة في الماضي وفي الوقت الراهن، وكيف ساعد أهل الكويت بعضهم البعض وتلاحموا كالبنيان المرصوص، وكيف استفادوا من الأزمات وخرجوا منها بمبادرات، ومنها على سبيل الذكر الآتي:

سنة الطبعة 1868م

والطبعة تعني هنا الغرق، حيث ضرب سفن الكويت طوفان عظيم وإعصار تسبب في تدمير الكثير من سفن الكويتيين، ولم ينج منه إلا عدد قليل من البحارة والسفن، ففزع أهل الكويت لمساعدة المتضررين وجمعوا التبرعات للتجار الذين تضرروا من الطوفان حتى فاقت التبرعات حجم الخسائر بفضل تكاتف وتلاحم أهل الكويت.

الرجبية 1872م

والرجبية لفظ يتعلق بحادث سقوط أمطار غزيرة نزلت على الكويت في شهر رجب 1289هـ الموافق لشهر اكتوبر 1872م، وقد صاحبت تلك الأمطار عواصف رعدية تسببت في وقوع أضرار كبيرة تهدمت فيها البيوت، وارتطمت السفن ببعضها، ووقعت خسائر كبيرة.

وفي هذا الحدث قدم أبناء الكويت المساعدات، ولم يبخلوا على المتضررين.

سنة الهدامة الأولى 1934م

‏شهدت الكويت في 7 ديسمبر سنة 1934م غرة شهر رمضان المبارك 1353هـ أمطارا شديدة واستمرت عدة أيام حتى تهدمت الكثير من البيوت التي وصل عددها لنحو ألفي بيت، فسكن الناس في الخيام محل الصفاة.

وفي هذه الحادثة ضرب الكويتيون أروع الأمثلة في التلاحم والتكاتف، ومساعدة بعضهم البعض في ترميم البيوت ومساعدة المتضررين من خلال فتح بيوتهم لهم، وبذل أهل الكويت المقتدرون الكثير من الأموال لإعادة ترميم البيوت لمتضررة، وابتكر المرحوم علي إبراهيم الكليب صناديق مقفلة تمرر على التجار ليضعوا فيها تبرعاتهم، وقد سمي هذا المشروع «مشروع الآنة»، والآنة هي عملة تساوي حاليا 5 فلوس، كما تم تكليف المرحوم محمد صالح العجيري ليسلمها لبعض الصبية والأطفال المتطوعين الذين يدرسون في مدرسته الأهلية للمرور بها لجمع التبرعات من التجار.

سنة الهدامة الثانية 1954م

في عام 1954 شهدت الكويت أحداث سنة الهدامة الثانية، حيث هطل المطر الشديد والذي كان من نتائجه تهدم البيوت حتى وصل عدد البيوت المتضررة إلى نحو 500 بيت، وبلغ عدد المنكوبين 18 ألف فرد و11 مصابا، فقدم أبناء الكويت العون لهم، وتم نقل عدد منهم إلى المدارس للسكن فيها مؤقتا لحين ترميم بيوتهم.

وقد شهدت هذه الأحداث تشكيل لجنة تطوعية ترأسها سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح – حفظه الله ورعاه وقتها بمعاونة عدد من أبناء الكويت الذين تطوعوا لمساعدة المتضررين ونقلهم إلى المدارس لإيوائهم.

كيف استفاد الكويتيون من الأمطار الغزيرة؟!

أوضحنا فيما مضى أهم الأحداث المرتبطة بهطول الأمطار الشديدة في الكويت، وكيف تفاعل معها أهلها، وتلاحموا ووقفوا إلى جوار بعضهم في الشدائد والمحن، لكن كيف استفاد الكويتيون من هذه الأمطار، خاصة وأن المطر خير ونعمة.

وفيما يلي توضيح لأهم أوجه الاستفادة من المطر في كويت الماضي:

حفر البرك وتجميع مياه الأمطار

في الماضي كان الحصول على الماء العذب في بيئة صحراوية وبحرية كبيئة الكويت أشبه بالشيء البالغ الصعوبة، قبل ظهور التكنولوجيا الحديثة في الحصول على الماء من خلال تحلية مياه البحر بالتوازي مع قلة عدد الآبار وبعدها عن أماكن التجمعات البشرية، ومن هنا فكر أهل الكويت في التطوع لإنشاء الحفر والبرك لتجميع مياه الأمطار في المناطق السكنية بين الأحياء وبين البيوت والمساجد لاستخدامها في الشرب وفي نفس الوقت لحماية البيوت المجاورة للحفر من التهدم.

كما أن بعض الكويتيين تطوع لحفر هذه البرك داخل بيوتهم أو من تكفل بدفع تكاليف حفر تلك البرك على نفقتهم الخاصة، وقد قُدر عدد هذه البرك بـ 30 بركة، وسميت كل بركة باسم إحدى الأسر الكويتية أو المساجد أو المناطق السكنية، مثل حفرة العبدالرزاق، وحفرة العوازم، وحفرة الروضان، وحفرة المشاري، وحفرة الفارس، وحفرة الفلاح، وحفرة الحشاش، وحفرة الوزان وغيرها.

ومن الكويتيين من تطوع لشراء قطعة أرض لتكون مكانا لتجميع مياه الأمطار بدلا من أن تفيض على البيوت المجاورة وهو ما قام به المرحوم أحمد الفهد الفرحان الخالد الذي اشترى قطعة أرض خصصها لتكون حفرة لتجميع مياه الأمطار بدلا من أن تفيض بالمياه وتغرق البيوت المجاورة لها، فتصيبها بالضرر.

حفر البرك في المساجد لملئها بالأمطار أو الماء للوضوء

قام عدد من المحسنين الكويتيين بالتبرع ببرك في المساجد لتجميع مياه الأمطار من أجل توفير ماء للوضوء والشرب والغسل للمساجد.

وماذا الآن؟!

جهود الدولة الرسمية في أمطار عام 2018م

في ليلة 6 نوفمبر الجاري شهدنا في الكويت أمطارا شديدة وسيولا جارفة استمر بعضها لأكثر من 6 ساعات متواصلة، لتستمر موجة الأمطار على مدى ثلاثة أيام بدرجات وكميات مطرية مختلفة، اتبعها أمطار شديدة أيضا يومي 14 و15 نوفمبر الجاري.

وقد بادرت حكومة الكويت بمكافحة آثار الأمطار الشديدة التي شهدتها البلاد، وحشدت مؤسساتها جميعا لهذه المهمة بالتعاون بين وزارات الدولة وعلى رأسها الداخلية والدفاع والكهرباء والماء والأشغال العامة والصحة والإعلام والحرس الوطني والإدارة العامة للإطفاء والطوارئ الطبية، وفعّلت كل أدواتها لمساعدة المواطنين والمقيمين وتوعيتهم.

وقامت الإدارة العامة للإطفاء بعمل فيديوهات توعوية بثتها عبر شبكات وزارة الإعلام وتلفزيون وإذاعة الكويت بعدة لغات للتنبيه والتوعية بكيفية التعامل مع الأمطار والسيول.

كما قامت الحكومة بتوفير شقق سكنية للذين تضررت بيوتهم بسبب الأمطار إلى حين انتهاء موجة الأمطار وإصلاح أضرار بيوتهم.

مبادرات تطوعية

إن العون والمساعدة أو ما نسميه محليا «بالفزعة» لم يكن شيئا جديدا على أهل الكويت، فما كانوا يقدموه من مساعدة في السابق مستمر إلى اليوم، وقد شهدنا العديد من الفرق والمبادرات التطوعية في خلال الأيام القليلة الماضية، وكذلك رأينا العديد من المبادرات الفردية والجماعية من الأفراد ومؤسسات المجتمع المدني منها الآتي:

حملات توعوية للجمعيات الخيرية

قامت العديد من الجمعيات الخيرية بحملات توعوية للمواطنين والمقيمين للتحذير من موجة الأمطار الشديدة التي ضربت البلاد ونحن في مستهل شتاء 2018م، وكيفية التعامل معها والالتزام بتعليمات الدفاع المدني الرسمية، إيمانا من هذه الجمعيات بدورها المدني والمجتمعي للمحافظة على الأرواح والممتلكات، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والروابط التوعوية المباشرة من خلال أكثر من مادة إعلامية ما بين مرئي ومسموع ومكتوب.

نذكر من هذه الحملات التوعوية ما قامت به جمعيات النجاة الخيرية، والإصلاح الاجتماعي، وإحياء التراث الإسلامي، والمنابر القرآنية.

وقد قامت لجنة التعريف بالإسلام ببث فيديوهات بواقع 16 فيديو توعويا بـ 16 لغة مختلفة للمواطنين والمقيمين في الكويت على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم.

مبادرة جمعية ملتقى الكويت الخيري «معا في سبيل الكويت»

وهي مبادرة تطوعية قامت بها جمعية ملتقى الكويت الخيري بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، تهدف إلى جمع عدد من المتطوعين للتعاون والتنسيق في مكافحة الآثار المترتبة على السيول والأمطار الجارفة بالتنسيق مع عدد من الجهات ذات الصبغة الإنسانية والخيرية.

وتستهدف جمعية الملتقى من خلال هذه المبادرة جمع 100 متطوع لخدمة الكويت من خلال التسجيل الإلكتروني عبر الرابط [email protected] لتقديم المعاونة والدعم بالتعاون مع الجمعيات التعاونية في كل منطقة والجهات الرسمية، وقد بلغ عدد المتطوعين في هذه المبادرة 45 متطوعا.

مراكز ومقرات ومدارس جمعية النجاة الخيرية.. أماكن الإيواء

أعلنت جمعية النجاة الخيرية فتح مقراتها ومدارسها وكافة فروعها كمراكز إيواء للمتضررين من الأمطار، وخصصت الرابط @ALNajatOrg ورقم هاتف 1800082 مستمر على مدى 24 ساعة للتواصل.

مساعدات عاجلة للمتضررين من نماء للزكاة والتنمية المجتمعية

أعلنت نماء للزكاة والتنمية المجتمعية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي عقب هطول المطر الشديد عن تقديم مساعدات عاجلة للمتضررين من مياه الأمطار، وأعطت الأولوية للأسر الأكثر تضررا.

تسجيل طلبات المواطنين والمقيمين لمساعدة المتضررين في جمعية إحياء التراث الإسلامي

أعلنت جمعية إحياء التراث الإسلامي تسجيل طلبات المواطنين والمقيمين لمساعدة المتضررين من الأمطار عبر الرابط @turathislamy وخصصت رقم هاتف 1810181 لاستقبال المكالمات.

مبادرة جمعية السلام للأعمال الإنسانية والخيرية

بادرت جمعية السلام للأعمال الإنسانية والخيرية بتقديم المساعدات العاجلة والمعونات للمتضررين والمنكوبين بصفة عاجلة بحسب نوع وحجم الضرر وخصصت أولوية في المساعدات للأسر المتضررة بشكل كبير بدافع الواجب الوطني والاجتماعي والإنساني، وخصصت أرقام هواتف للتواصل.

مبادرة جمعية الهلال الأحمر الكويتي

لم تغب جمعية الهلال الأحمر الكويتي عن المشهد وقامت بدور فاعل في جهود شبابها المتطوعين لتقديم الدعم والمساندة والإنقاذ من خلال فريق الطوارئ والإنقاذ التابع لها الذي تواجد في العديد من الأماكن للتقديم المساعدة والإنقاذ والإسعافات وسحب السيارات الغارقة.

الفرق التطوعية

قام عدد من أبناء الكويت وبعض أبناء الجاليات المقيمة في الكويت بتشكيل فرق تطوعية مختلفة لتقديم جهود المعاونة والإسناد والإنقاذ للعالقين في السيول والأمطار التي شهدتها الكويت.

وقد قامت هذه الفرق بجهود طيبة للمعاونة وتقديم المساعدة خلف الجهود الحكومية الرسمية العاملة في مكافحة آثار الأمطار الغزيرة، وعلى رأسها وزارة الداخلية والجيش الكويتي والإدارة العامة للإطفاء والحرس الوطني، وغيرها من المؤسسات الحكومية.

فريق الإسناد والإنقاذ الكويتي التطوعي

مع بداية موجة الأمطار الغزيرة برز اسم فريق الإسناد والإنقاذ الكويتي التطوعي لتقديم المساعدة لكل مستغيث، وهو فريق متخصص في إنقاذ المركبات في البر وعلى الشواطئ والبحث عن المفقودين ومساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن والعائلات في حال تعطل السيارات بالطرق العامة على مدار 24 ساعة وخصصت أرقام هاتف 97865006 لتلقي البلاغات.

مبادرات فردية

قام عدد من المواطنين والمقيمين وأصحاب الكراجات وسطحات نقل السيارات بعمل مبادرات فردية وتطوعية لتقديم الدعم والمعاونة لكل مستغيث

جهود الجمعيات التعاونية

قامت العديد من الجمعيات التعاونية مثل جمعية العديلية وجمعية الروضة وحولي وآخرين مع زيادة هطول المطر في الموسم الشتوي الحالي بإعلان خدمات فرق الطوارئ، نظرا لتقلبات الطقس التي شهدتها البلاد، وتوفير فني صحي وكهرباء وخدمة سحب المياه مجانا على مدار 24 ساعة خلال فترة الطوارئ.

إكرام الموتى

تسببت السيول التي شهدتها الكويت بضرر لبعض القبور في مقبرتي الصليبخات وصبحان، ما عرضها للانكشاف والتعرية، ما دعا عددا من الجهات للمبادرة بالتطوع لإعادة دفن هذه القبور مرة أخرى، والدعوة إلى مشاركة هذه الجهود، ومن ضمنها حملة نماء للزكاة والتنمية المجتمعية التابعة لجمعية الإصلاح الاجتماعي التي بدأتها في 17 نوفمبر الجاري لدفن القبور المتضررة من السيول.

دولة الإنسانية حتى مع غزارة الأمطار

برغم شدة السيول والأمطار التي ضربت الكويت في شهر نوفمبر إلا أننا وجدنا الدعوات التي قامت بها الجمعيات الخيرية لإغاثة المحتاجين في شتى أنحاء الأرض، فاستمرت الجمعيات الخيرية الكويتية في تقديم مساعداتها الخارجية، وقامت جمعية السلام للأعمال الإنسانية والخيرية بتدشين حملتها «شاحنات الكويت» لتوفير المواد العينية للأشقاء في سورية واليمن والتي كانت محصلتها خلال 10 أيام من 7 إلى 17 نوفمبر الجاري جمع 105 شاحنات وتم تسميتها بشاحنات صباح الإنسانية.

صنائع المعروف تقي مصارع السوء

لم ينضب خير الكويت الذي قدمته للخارج، فكان هناك اعتراف بالجميل من شعوب العالم الذين وقفت إلى جانبهم الكويت، مصداقا لقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم «صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات، وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة»، فلم يبخلوا علينا من صالح الدعاء، فوجدنا أكف الضراعة ترتفع إلى السماء تدعو الله تعالى بأن يمن على الكويت بالأمن والسكينة، وقد نقلت العديد من الجمعيات الخيرية مشاهد حية لدعاء الفقراء والمحتاجين في افريقيا وسورية واليمن وغزة، للكويت بصلاح الحال وأن تكون الأمطار بردا وسلاما على أهلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى