«ألما وغالية»: الكويت تخسر 1.2 مليار دولار

ننفرد بنشر تفاصيل وتوصيات من تقرير لجنة التحقيق المشكلة بقرار من مجلس الوزراء للنظر في محاور الاستجواب المقدم لوزير النفط والماء والكهرباء بخيت الرشيدي، الذي كشف تفاصيل جديدة عن دخول الشركة الكويتية للاستكشافات البترولية الخارجية (كوفبيك) في مشروع حقلي «الما وغالية» في بحر الشمال.
جاء بالتقرير أن مجلس إدارة «كوفبيك»، اصدر قراره رقم (17 / 2012)، بالموافقة على الدخول في مشروع إعادة تطوير حقلي «ألما وغالية» الواقعين في بحر الشمال بالمملكة المتحدة، وذلك عن طريق شراء حصة قدرها 35 في المئة من امتياز الإنتاج الذي تملكه شركة انكويست Enquest مقابل مبلغ 485 مليون دولار. ومن ثم صدرت قرارات متتالية من مجلس إدارة الشركة، ومجلس إدارة المؤسسة، بزيادة التكلفة الرأسمالية لنطاق العمل حتى بلغت 804 ملايين دولار، إضافة إلى تكاليف تشغيلية متنوعة بمئات الملايين.
وبينت اللجنة انه انفق جانب كبير من هذه التكلفة على منصة التفريغ والتخزين العائمة، وتأخر جدول تعديل السفينة وتجهيزها، ما نتج عنه تأخر الإنتاج لمدة سنتين، وتزامن ذلك مع انخفاض أسعار النفط بأكثر من 60 في المئة، ما كان له اثر سلبي كبير على اقتصاديات المشروع.
الآليات والإجراءات
الآلية المتبعة مقارنة بالإجراءات المعتمدة:
قالت اللجنة إن شركة كوفبيك تعتمد في قراراتها الاستثمارية على اتخاذ الإجراءات التالية:
– تشكيل فريق مشروع متخصص مشكل من أشخاص من ذوي الخبرة من قطاعات الشركة المختلفة، يعملون على إجراء الدراسات اللازمة للجوانب الفنية والتجارية والقانونية والمالية، ويتم تقييم مخاطر المشروع، إضافة إلى انه يتم الاستعانة بالمكاتب والشركات الاستشارية الخارجية خلال مرحلة التقييم.
– كما تشكل الشركة لجانا داخلية متخصصة ومستقلة تتبع الرئيس التنفيذي لتقييم المشاريع الجديدة peer review committee. وبعد الانتهاء من المراحل السابقة، تتم مراجعة اقتصاديات المشروع والمخاطر المرتبطة به، وتحديد قيمة العطاء المناسب له، وتحديد ما إذا كان سيتم المضي فيه قدما من عدمه، وتحديد القيمة من خلال لجنة Leadership Committee.
وانه بعد استكمال الدراسات اللازمة يتم عرض المشروع على الجهات المختصة وهي:
– إذا كانت قيمة المشروع اقل من 500 مليون دولار، يجب عرضه على مجلس إدارة الشركة لأخذ الموافقة النهائية عليه.
– إذا كانت قيمة المشروع أكثر من 500 مليون دولار يجب عرضه على مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية.
وأفادت اللجنة انه تم عرض المشروع على لجنة peer review committee التي كانت لها تحفظات كثيرة،حيث أشارت إلى الحساسية الشديدة لعدة متغيرات اقتصادية مثل التكلفة الرأسمالية، والتكاليف التشغيلية، وتقلبات سعر النفط. وعليه أصدرت لجنة النظراء توصية واضحة بعدم المضي قدما بالمشروع. ورغم ذلك أوصى فريق المشروع بالمضي قدما بالمشروع، على أن يتم وضع حلول لتحفظات لجنة النظراء. لافته إلى أن فريق المشروع دعم موقفه هذا، بان أشار إلى الكثير من ايجابيات هذه الشراكة مثل: الدخول في منطقة المملكة المتحدة وبحر الشمال، والمشاركة مع شركة انكويست، والقدرة على زيادة الإنتاج، إضافة إلى الحصول على خبرة في إنتاج النفط من خلال المنصات البحرية.
ولفت التقرير، إلى إن الملاحظات السلبية التي أوردتها تقارير كل من لجنة النظراء، والمستشار الخارجي للمشروع Senergy، قد تحققت فعلا في مشروع ألما وغالية، مثل خسائر المشروع لأكثر من مليار دولار أميركي، وانخفاض حصة الشركة من الإنتاج من 8 آلاف برميل باليوم، إلى 1307 براميل يوميا.
ورصدت اللجنة إن مجلس إدارة «كوفبيك» قد بادر بإصدار قراره بالموافقة غير المشروطة على الدخول بالمشروع ،وذلك قبل وصول تقرير المستشار
الخارجي للمشروع Senergy، والذي كان يتضمن الكثير من الملاحظات السلبية، منها ما يتعلق باحتمالية انخفاض سعر برميل النفط في المستقبل القريب، واخرى تعلقت بكون التكاليف الرأسمالية للمشروع وعملياته ستزداد مع البدء في المشروع، إضافة إلى ان هناك ملاحظات حول ان الاحتياطيات النفطية غير مؤكدة.
وذكر التقرير ان ما تقدم من إصدار مجلس إدارة «كوفبيك» بالموافقة على المضي بالمشروع قبل وصول تقرير المستشار الخارجيSenergy، هو أمر قد حدث رغم ان التقرير المعد من قبل فريق المشروع والمقدم إلى مجلس إدارة «كوفبيك»، كان قد اشترط للمضي في المشروع، أن تأتي توصية المستشار الخارجي للمشروع خالية من الملاحظات السلبية.
استعجال غير مبرر
ورصدت اللجنة استعجالا غير مبرر لاعتماد مشروع آلما وغالية، وقد تمثل ذلك في عدة إجراءات تم المضي فيها بسرعة، كان منها:
– عرض المشروع على مجلس إدارة الشركة قبل شهر من وصول تقرير المستشار الخارجي للمشروع Senergy.
– تخفيض قيمة المشروع إلى أقل من 500 مليون دولار، وذلك بعد تضمين تكاليف إعادة تأهيل موقع الإنتاج Decommissioning ضمن التكلفة الرأسمالية للمشروع، مما أدى لعدم عرض المشروع على مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية، وعليه تغيب الدور الرقابي المهم لمؤسسة البترول. ولفتت اللجنة إلى انه لا ينعقد الاختصاص لمجلس إدارة المؤسسة، إلا إذا كانت قيمة المشروع أكثر من 500 مليون دولار. وأشارت اللجنة إلى انه قد تم لاحقا تضمين هذه التكلفة ضمن التكلفة الرأسمالية للمشاريع.
– لم يتم استخدام نموذج مستقل من قبل «كوفبيك» للتأكد من اقتصاديات المشروع، وفقا لمتطلبات تجنب المخاطر وللتغلب على المشاريع ذات مخاطر عالية مثل مشروع ألما وغالية، واقتصرت الشركة على استخدام النموذج المالي لشركة «انكويست».
وذكرت اللجنة ان مستشار المشروع Senergy أشار إلى ان عقد تأجير السفينة هو عقد غير عادي، حيث إن الشريك شركة «انكويست» هو المالك للسفينة، ما يدل على عدم توافق الأهداف بين الشركتين. موضحة بالوقت نفسه، ان شركة «انكويست» كانت قد قامت بشراء سفينة (FPSO) من شركة بلو وتر (Blue Water)، وإعادة تسميتها إلى سفينة إنتاج «انكويست»Enquest Producer.
ولفتت اللجنة، إلى ان مستشار المشروع Senergy، أبدى مخاوفه من الامتداد الزمني لجدول المشروع، كما أشار إلى التعديلات المطلوبة على السفينة وزيادة التكلفة الرأسمالية لها.
خسائر المشروع
وكشف تقرير اللجنة الوزارية ان الخسائر الإجمالية لمشروع «ألما وغالية» حتى شهر مايو 2018 بلغت 1.209 مليار دولار، وكانت الخسائر الرأسمالية منها حوالي 788 مليون دولار أميركي موزعه كالآتي:
1 – 629 مليون دولار أميركي لمخصص انخفاض القيمة.
2 – 109 ملايين دولار أميركي قيمة إهلاك ونفاذ، ومخصص إعادة تأهيل مواقع الإنتاج والحفر.
3 – 38 مليون دولار مخصص ضرائب.
4 – حوالي 12 مليون دولار خسائر نقدية.
وبينت اللجنة أن المبلغ الوحيد، الذي تمكنت «كوفبيك» من تحصيله من وراء مشروع ألما وغالية، هو 100 مليون دولار، وذلك نتيجة لمبيعات النفط المستخرج من هذين الحقلين.
أوجه التقصير
1 – الاستعجال والمضي قدماً بالمشروع من دون الأخذ بتوصيات لجنة النظراء Peer Review Committee، وتقرير المستشار الخارجي وتجاوزها. علما بأن المخاطر المشار إليها من قبل تلك الجهات كانت جدية للغاية، وكفيلة بالتنبيه الواضح والمسبق إلى فشل المشروع، وهذا ما تحقق لاحقاً.
2 – عرض المشروع على مجلس إدارة «كوفبيك»، حيث تمت الموافقة عليه قبل وصول تقرير مستشار المشروع Senergy.
3 – قرار تأجير السفينة FPSO لم يدرس بعناية، مما نتج عنه زيادة ضخمة في تكلفة تأهيل وتعديل السفينة ومن ثم زيادة تكلفة المشروع.
4 – رغم ضخامة الخسائر وتتابع الدفعات المفاجئة والمتقاربة والضخمة، فإنه لم يتم التحقق في أسباب فشل المشروع من قبل مجلس إدارة «كوفبيك»، أو مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية.
5 – التسبب في خسائر مالية متراكمة على الشركة تقدر بـ1209 ملايين دولار أميركي حتى أغسطس 2018، مع العلم بان الشركة تعتزم إنهاء العمل في المشروع في الفترة المقبلة.
المسؤولون عن التقصير
– رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب سابقاً لشركة كوفبيك، الذي عرض المشروع على مجلس الإدارة، على الرغم من عدم وصول التقرير النهائي لمستشار المشروع، وبالتجاوز على لجنة النظراءPEER Review Committee، التي أثبتت نتائج المشروع صحة تحفظاتها، مما يعكس سوء إدارة وسوء اتخاذ للقرار.
– مجلس إدارة شركة كوفبيك بتشكيلته إبان اتخاذ القرار المؤرخ في مايو 2012، ذلك لاعتماده قرار الدخول في المشروع الاستثماري ألما وغالية من دون إبداء أي تحفظ وملاحظات، وإقرار المشروع من دون استكمال بعض الملاحظات، التي ذكرت في طلب موافقة مجلس الإدارة، الذي قدم لهذا المجلس من فريق المشروعRequest For Board Approval –RBA،
التوصيات
– تشكيل لجنة تحقيق مع الإدارة التنفيذية السابقة، بشأن سوء الإدارة وسوء اتخاذ القرار، والبحث في مسؤوليتهم عن الخسائر الكبيرة الناتجة عن قرار الدخول في استثمار حقلي «الما وغالية» وتطبيق اللوائح ذات الصلة.
خلاصة
■ قيمة المشروع الأساسية 485 مليون دولار ثم وصلت إلى 804 ملايين دولار بالإضافة إلى مئات الملايين للتكاليف التشغيلية
■ رغم توصية لجنة النظراء والتحفظات الكثيرة على التكلفة الرأسمالية والتشغيلية فإن فريق المشروع مضى قدماً فيه
■ الملاحظات السلبية التي أوردتها تقارير لجنة النظراء والمستشار الخارجي تحققت فعلاً
■ انخفاض حصة الشركة من الإنتاج من 8 آلاف برميل إلى 1307 براميل يومياً
■ مجلس الإدارة أصدر قراره بالموافقة غير المشروطة قبل وصول تقرير المستشار الخارجي الذي يتضمن ملاحظات سلبية
■ عرض المشروع على مجلس الإدارة قبل شهر من وصول تقرير المستشار الخارجي للمشروع
■ لم يتم استخدام نموذج مستقل من قبل «كوفبيك» للتأكد من اقتصادات المشروع
■ تخفيض قيمة المشروع بأقل من 500 مليون دولار لعدم عرضه على مجلس إدارة المؤسسة
■ رغم ضخامة الخسائر وتتابع الدفعات المفاجئة والضخمة فإن مجلس الإدارة لم يحقق في أسباب فشل المشروع