كتاب لعزمي بشارة عن «الطائفة والطوائف المتخيلة»

مساء 13 سبتمر الجاري، عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في بيروت حلقة مناقشة، جمعت عدداً من الأكاديميين والباحثين حول كتاب الدكتور عزمي بشارة «الطائفة، الطائفية، الطوائف المتخيّلة»، الصادر عن المركز في مارس المنصرم، والذي تناول فيه بشارة ظاهرتي الطائفة والطائفية بمنهج متداخل التخصصات، محاولًا تطوير نظرية في الطائفة والطائفية بدراسة مقارنة لتاريخ هاتين الظاهرتين.
افتتح الحلقة الدكتور خالد زيادة، مدير فرع المركز في بيروت، مشيرًا إلى أهمية الموضوع والمفاهيم التي يتطرق إليها، فضلًا عن غناه في ما يشتمل عليه من تفكيك لمفهوم الطائفة والطائفية، وعرضه لتجارب العديد من الدول التي عرفت هذه الظاهرة.
الطائفية وليدة الحداثة
الكاتبة والباحثة دلال البزري أشارت الى أن بشارة غاص في دهاليز الطائفة والطائفية وتشعباتهما «المستفزة للعقل البشري». وحوى كتابه «وصفا معمّقا لتضاريس الطائفية».
واعتبرت البزري في مداخلتها المطولة أن الطائفية السياسية هي نتاج التثاقف بين الطائفية والحداثة. ورأت أنها «ابنة التفاعل السلبي بين الحداثة والطائفة»، نافية أن تكون الطائفية ابنة التقليد والعادات الموروثة. فالاختراق الحداثي الغربي للمنطقة العربية حاملا معه مبدأ المساواة الحقوقية، ولّد عكس ما كان يرتجى منه. فبدل المواطنة والمساواة ولّد «طائفية سياسية جديدة تقوم على التخيّل الطائفي والهويات الطائفية.. في معادلة معادية للحداثة والدولة الحديثة.. وهكذا أفسح المجال لعدد أكبر من الطوائف لبلورة كياناتها». وخلصت البزري الى أن الثنائي الطائفية/الحداثة المتناقضين اللذين يتفاعلان بشكل سلبي بحاجة إلى مزيد من البحث والمراجعة.
ظاهرة اجتماعية
من ناحيته، أشاد الدكتور ساري حنفي، الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت ورئيس الجمعية الدولية لعلم الاجتماع منذ عام 2018، بالرصانة الأكاديمية لكتاب بشارة. ورأى أنه وُفّق في تفكيك نظرية المؤامرة التي اشتهر بها اليسار العربي باعتبار «الطائفية ظاهرة غريبة صنعها الاستعمار والإمبريالية الحديثة». ذلك أنها «ظاهرة أصيلة في المجتمعات العربية قامت بتفعيلها الأنظمة العربية المتقنّعة بالقومية والعلمانية.. وكذلك تيارات أخرى نشرت خطاب الكراهية الديني والسياسي والشعبوي البعد، ضد أتباع الديانات والمذاهب الأخرى».
واعتبر حنفي أن الكتاب تعميق في دراسات مهمة بدأها مفكرون وباحثون عرب آخرون سبقوه إلى طرق هذه المسألة التي تعانيها الشعوب العربية وتعبث بمصائرها. وأخيرا اعتبر حنفي أن «الطائفة ليست مصطلحًا دينيًا أو ثيولوجيًا، بل هي مصطلح سوسيولوجي تتحدد كظاهرة.. داخل التنافس والصراع».
إثنية وقومية
أما الدكتور كريم المفتي، عالم السياسة والأستاذ الجامعي، فاعتبر أن العمل على مفهوم الطائفة، سواء أكانت حقيقة أم متخيلة، أمر شغل العالم منذ أمد بعيد جدًا. وهو موضوع تضرب جذوره في تاريخ البشرية آلاف السنين. وعاد المفتي بأصل المفهوم إلى زمن الإمبراطورية الرومانية والدول- المدن الإغريقية، حين كان المواطنون طائفة والعبيد طائفة، كما كان الرومان وغير الرومان في الإمبراطورية الرومانية طوائف، وذلك كله قبل الديانات السماوية المعروفة. وعمد إلى تفكيك المفهوم بدلالته السياسية المتعددة.
واعتبر المفتي أن «الطوائف تقول إنها تؤمن بالوطن، لكنها في الواقع تميل إلى تكريس مشاريع إثنية وقومية تذكرنا بقوميات القرن التاسع عشر في أوروبا». وتطرق في حديثه إلى ما يسمى «الديموقراطية التوافقية» في لبنان التي كرّست المحاصصة على أساس الطائفة، من منطلق الطائفية السياسية.
طوائف الحرف
من ناحيتها، أشادت الدكتورة مارلين نصر، عالمة الاجتماع والباحثة في المركز ورئيسة الجمعية اللبنانية لعلم الاجتماع، بالجهد الكبير الذي قام به بشارة وفريق العمل الذي استغرقه عامين لإنجاز هذا العمل الضخم. وركزت في مداخلتها على أهمية الموضوع، نافية في الوقت عينه أن تكون الطائفة شأنًا متخيّلا، ومؤكدة أن الطائفة وُجدت مع نشوء المدن وقبل نشوء الأديان. وساقت في استدلالها أمثلة عدة منها أن الطائفة إنما نشأت مع نشوء المهن والحرف، وتطرقت إلى كيفية دخول المفهوم المذهبي والديني إليها.