المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

ميركل.. صاحبة الإستراتيجية الرهيبة تبحث عن حلفاء

استطاعت المستشارة الألمانية بعد أن أعيد انتخابها أربع مرات أن تضيف اسمها إلى أعظم مستشاري ألمانيا من أمثال كونراد أديناور وهلموت كول، اللذين أعيد انتخابهما لأربع فترات، لكنها تبقى لغزا حقيقيا، حسب مقال بصحيفة لوفيغارو الفرنسية.
فلا يبدو أن أي شيء يمكن أن يثير حفيظة انجيلا ميركل، لا ترنح دونالد ترمب السياسي ولا مناورات فلاديمير بوتين ولا جحافل اللاجئين التي تتدفق على أوروبا ولا الرؤساء الفرنسيون الذين تعاقبوا طيلة فترة حكمها مستمسكين ببرامج لإعادة بناء أوروبا.
إنها تتعامل مع كل ذلك بنظرة تحليلية ثاقبة باردة، دون أن يفوتها أي شيء، وها هي تستقبل فوزها الجديد بمزاج هادئ رغم ما يتهدد فترة حكمها الجديدة بسبب صعود اليمين المتطرف.
وبعد 12 عاما من السلطة، تبدو ميركل لغزا محيرا، فهي تمارس مهامها من دون كلل أو ملل ومن دون تهور كذلك، إذ إنها تجسد في واقع أمرها المصالحة بين ألمانيا وتاريخها وازدهارها، ولكن أيضا بين ألمانيا وشللها وانقساماتها في الوقت الحاضر.
يقول عنها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما «ميركل تجسد العديد من صفات الزعيم الذي يعجبني كثيرا، فهي تسترشد -فيما تقوم به- بالمصالح وبالقيم».
وينظر من هم خارج أوروبا إلى ميركل بوصفها «زعيمة أوروبا، فهي التي تحدد وتيرة إيقاعها سواء للأفضل أو للأسوأ».
ويرى كل من يتعامل مع المستشارة أنها حذرة وبسيطة ودقيقة وودودة، غير أنها تفتقد الكاريزما المعروفة لدى أهل السياسة.
لكن ميركل الآن أصبحت تفرق أكثر مما تجمع، إذ يرى الكثيرون أنه لولا سياساتها تجاه الاتحاد الأوروبي وتجاه اللاجئين لما قويت شوكة اليمين المتطرف.

مفاوضات صعبة
وبعد خروجها منتصرة من انتخابات تشريعية مخيبة للامال، إنما في موقع أضعف، باشرت المستشارة الألمانية أمس مفاوضات صعبة لتشكيل غالبية جديدة في مشهد سياسي مشرذم بعد الاختراق التاريخي الذي حققه اليمين القومي.
واجتمعت قيادة محافظي الاتحاد المسيحي الديموقراطي لاستخلاص أولى العبر من انتخابات لم يحصل معسكر ميركل فيها سوى على %33 من الأصوات، في أسوأ نتيجة له منذ 1949، بحسب النتائج النهائية الصادرة امس.
ولخصت صحيفة بيلد «انتصار كابوسي».
وهذا الفوز الرابع على التوالي للمستشارة له طعم مرير لها، وأظهر أولى بوادر الاحتجاجات في صفوف حلفائها المحافظين البافاريين من «الاتحاد المسيحي الاجتماعي» الذين يدعون منذ سنتين إلى سلوك ميركل منعطفا إلى اليمين في سياستها.
وما يعزز حججهم انتقال قسم من الناخبين المحافظين (مليون ناخب بحسب استطلاعات الرأي) إلى حزب «البديل لألمانيا» اليميني الشعبوي، الذي ركز حملته على رفض قرار المستشارة عام 2015 بفتح أبواب البلاد أمام أعداد كبيرة من المهاجرين.
وقال رئيس الاتحاد المسيحي الاجتماعي هورست سيهوفر «لقد أهملنا خاصرتنا اليمينية ويتحتم علينا الآن ردم الهوة بمواقف حازمة».

انقسامات داخل {البديل لألمانيا}
وحصد «البديل لألمانيا» %12.6 من الأصوات بعد خوضه حملة شديدة النبرة استلهمها من حملتي الرئيس الأميركي دونالد ترامب وانصار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وتحقق هذا الاختراق نتيجة تشديد الحركة خطابها مع تبنيها مواقف تدعو إلى إنكار محرقة اليهود وشن هجمات شديدة على ميركل والمسلمين والأجانب، غير أن هذا المنحى الراديكالي أجج الانقسامات داخل حزب غير متجانس.
وأثارت زعيمة في الحزب كانت حتى مطلع السنة أبرز وجوهه فرويكي بيتري مفاجأة كبرى بإعلانها امس رفضها احتلال مقعد في مجلس النواب ضمن كتلة «البديل لألمانيا».
وهاجمت الكسندر غاولاند أحد زعيمي الحزب، الذي أعلن بعيد الانتخابات أن الحزب سيباشر حملة «مطاردة» لميركل، كما أنه أثار مؤخرا سجالا كبيرا بدعوته إلى الاعتزاز بأداء الجنود الألمان في الحرب العالمية الثانية.
ويشكل وصول مثل هذا الحزب إلى مجلس النواب صدمة حقيقية للعديد من الالمان، في بلد بنى هويته ما بعد الحرب العالمية الثانية على مكافحة التطرف والبحث عن تسوية والتوبة عن جرائم النازية.
ورأت صحيفة «فرانكفورتر الغيمايني تسايتونغ» المحافظة أن «التقدم المدهش لشعبويي اليمين يشكل منعطفا تاريخيا في الحياة السياسية الألمانية» القائمة على ثقافة الإجماع والنقاش المضبوط اللهجة، وهو يدخلها في حقبة أكثر سجالا وقسوة.
ورأى المجلس المركزي ليهود ألمانيا في النتيجة التي حققها الحزب القومي المتطرف الداعي إلى العودة عن توبة المانيا على جرائم الرايخ الثالث، «أكبر تحد ديموقراطي منذ 1949» وولادة جمهورية المانيا الفدرالية.

تشكيل الحكومة
لكن المشكلات بوجه ميركل لا تتوقف عند هذا الحد، إذ يتوقع أن تكون عملية تشكيل الحكومة في غاية التعقيد، لا سيما بعدما قرر الاشتراكيون الديموقراطيون إثر تحقيق أسوأ نتيجة انتخابية في تاريخهم (%20.5) الخروج من الائتلاف مع المستشارة والالتحاق بالمعارضة.
ولا يبقى أمام المحافظين سوى سبيل واحد لتحقيق الغالبية في مجلس النواب الجديد، يمر عبر إقامة تحالف غير مسبوق على المستوى الوطني يجمع المحافظين وليبراليي «الحزب الديموقراطي الحر» الذين يعودون إلى مجلس النواب بـ %10.7 من الأصوات، والخضر الذين حصلوا على %8.9 من الأصوات.
وهذا التحالف الذي يشار إليه بتسمية تحالف «جامايكا» بسبب ألوان الأحزاب الثلاثة الأسود والاصفر والأخضر، غير موجود حاليا في المانيا سوى على الصعيد المحلي في ولاية شليسفيغ-هولستاين الشمالية، ومنذ الربيع الماضي فحسب.
لكن المشكلة هي أن الليبراليين والخضر يختلفان حول الكثير من الملفات الاساسية مثل الهجرة ومستقبل الديزل والتخلي عن الفحم، كما أن لكل منهما خلافات أساسية مع المحافظين.
وقالت كاترين غورينغ إيكهارت التي شاركت في راس قائمة البيئيين في الانتخابات التشريعية «سوف نرى بهدوء، بعد التحليل والمفاوضات المحتملة، إن كان بإمكاننا التوصل إلى تعاون».
أما زعيم الليبراليين كريستيان ليندنر، فقد حدد شرطا للمشاركة في الحكومة، هو رفض خطط إصلاح منطقة اليورو التي يطرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، رافضا أن تضطر برلين إلى تسديد ثمن التجاوزات المالية التي ترتكبها بلدان أخرى.
وبالتالي، فإن المفاوضات قد تستغرق عدة أشهر، علما أن الحزب الفائز في الانتخابات منذ 1949 تمكن على الدوام من تشكيل غالبية، وقد استبعدت المستشارة قيام حكومة أقلية تستند إلى غالبيات متبدلة. (وكالات)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى