5 انتفاضات شعبوية في تاريخ أمريكا
شكلت انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016 واحدة من أكبر الانتفاضات الشعبوية في تاريخ الولايات المتحدة، فقد تمردت شريحة واسعة من جمهور الناخبين ضد النخبة وقيمها الأساسية، كالعولمة وتخفيف القيود على الحدود والتجارة الحرة والمغامرات العسكرية والتطرف القومي والعلاقة الحميمية بين الحكومة الكبيرة والتمويل الكبير.
ولكن ليس معروفاً الآن ما إذا كان الرئيس دونالد ترامب الذي خاض الانتخابات على أساس مناهضة هذه القيم، سيواصل الالتزام بمواقفه أم لا، لكن هناك الكثير من الأدلة على انه سيتخلى عن معظم هذه المواقف.
ولعل من المفيد إلقاء نظرة على أهم الانتفاضات الشعبوية في تاريخ الولايات المتحدة على أساس المقارنة التحليلية بينها، وفي ما يلي قائمة بأبرز خمس موجات شعبوية هبت على البلاد:
1 – أندرو جاكسون: لا نستطيع فهم شعبوية جاكسون من دون ان نفهم كيف مهد توماس جيفرسون الأجواء لظهور مثل هذه الشخصية، فقد كان حزب الفدراليين هو المهيمن، وكان يدافع عن الحكومة القوية، وكان أبرز «الفدراليين» هو الكساندر هاملتون الذي كان يدعو إلى ان يتولى الرؤساء مناصبهم مدى الحياة.
صفقة فاسدة
بدأت حركة جاكسون الشعبوية عام 1824 حين أُجريت الانتخابات الرئاسية في مجلس النواب لغياب الأغلبية في الكلية الانتخابية، وقف حينها هنري كلاي، رئيس المجلس ليلقي بثقله إلى جانب جون كوينسي آدم الذي عرض عليه تولي منصب وزير الخارجية، فشن جاكسون على مدى أربع سنوات حملة ضد هذه «الصفقة الفاسدة» كما وصفها، واتهم النخبة بسرقة الرئاسة، وعلى الشعب أن يستعيدها. حركة جاكسون أحدثت تحولاً كبيراً في سياسات الرئاسة، فقد كان انتخاب الرئيس حتى ظهور هذه الحركة بيد المشرعين والنخبة الذين كانوا يختارون «الناخبين» الذين ينتخبون الرؤساء. وكانت تفرض قيود على حركة الناخبين تهدف إلى ابعاد المواطنين العاديين عن عملية الانتخاب، ولكن استجابة للشعبوية التي ظهرت في المناطق الغربية من البلاد، بدأت الولايات تختار «الناخبين» بالتصويت الشعبي، وكانت النتيجة، ظهور «المجمع الكلي»، الذي أصبح يشكل قوة سياسية، وقد أحسن جاكسون استغلال هذه القوة.
قوة سياسية فاعلة
وتوجت ثورة جاكسون بطرد كلاي وادام من الحكومة، وتمكن من تعزيز الفكر الشعبوي في واشنطن، وحين اصبح رئيساً، اتخذ قراراً بخفض الضرائب والتعرفات ووقف التمويل الفدرالي لمشروع الطرق القومي وعمل على بيع أراضي الغرب بأسعار رخيصة وجعل من طبقة موظفي الدولة الرسميين قوة سياسية فاعلة.
لقد كان جاكسون أعظم سياسي شعبوي في الولايات المتحدة، وبلور فلسفة للحكم وأنشأ تحالفاً هيمن على السياسات الأميركية بجيل كامل إلى أن اندلعت الثورة الصناعية، وقد تزامنت الحركة الشعبوية لجاكسون مع التحول المهم في السلطة السياسية، بمعنى ظهور طبقة الموظفين كقوة سياسية، وأدى حدوث تحولات اخرى في انماط التصويت الى بروز موجات أخرى من الشعبوية في الولايات المتحدة.
برايان نبراسكا
2 – وليام جننغز برايان: كانت الظروف بالغة السوء في عقد 1890 لكل من الولايات المتحدة للرئيس الديموقراطي غروفر كليفلاند الذي شهد عهده واحدة من أسوأ ازمات الركود الاقتصادي في تاريخ البلاد، هذه الضائقة الاقتصادية ادت الى اندلاع أشد موجات الشعبوية في تاريخ البلاد والتي بدأت مع انتخابات الرئاسة عام 1896 تحت لافتة بريان نبراسكا الذي كان في السادسة والثلاثين من عمره آنذاك، ويحتل مقعداً في مجلس النواب.
كان برايان يعتقد أنه إذا تمكن من الوصول إلى منصة المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي فسوف يتمكن من إقناع مندوبي الحزب بتأييد ترشيحه لانتخابات الرئاسة، وبالفعل تمكن من ذلك، وفاز بترشيح الحزب، لكنه خسر أمام مرشح الجمهوري وليام ماكنيلي.
تطورات عاصفة
عام 1968: شهد هذا العام تطورات عاصفة، حيث الاحتجاجات العنيفة في الجامعات والتظاهرات العنصرية الدموية في مدن الشمال الشرقي والغرب الأوسط، والتي اسفرت عن مقتل المئات، فضلاً عن حرب فيتنام الخاسرة التي كانت الحكومة الأميركية عاجزة عن ايقافها، وتوسيع الحقوق المدنية وإنهاء العزل العنصري، كانت البلاد تمرّ بأسوأ حالة من عدم الاستقرار منذ الكساد العظيم.
1992: من الصعب فهم امتعاض جمهور الناخبين في هذا العام لدرجة إطاحة الرئيس جورج بوش، وريث الرئيس رونالد ريغان، والذي يعتبر (أي بوش) واحداً من أكثر الرؤساء نجاحاً، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والعسكري، وخاصة تحرير الكويت من الاحتلال الصدامي.
الصوت الأعلى
لكن بوش تخلى عن كثير من أركان صيغة ريغان للحكم، الأمر الذي أثار استياء عدد كبير من الجمهوريين، فقد نكث بوش بوعده عدم رفع الضرائب، كما أن الشغب الذي نتج عن مقتل المواطن الأسود رودني كنغ وأدى إلى مقتل 55 شخصاً في لوس انجليس، أثار الكثيرين ضد بوش على المستوى القومي.
لقد ظهرت أولى المؤشرات على أن هذا العام سيكون الصوت الأعلى فيه للشعبوية، في الانتخابات الأولية بولاية نيوهامشاير حين حصد المعلق التلفزيوني الشعبوي بات بيوكانن 38 في المئة من الأصوات، و30 في المئة في كولورادو و36 في المئة في جورجيا و32 في المئة في فلوريدا و27 في المئة من الأصوات في لويزيانا وأكلاهوما وماساشوستس، وفي النهاية حصل بيوكانن على 23 في المئة من الأصوات في الانتخابات الأولية على المستوى القومي.
انتخابات شعبوية
وفي أي انتخابات شعبوية، يفضل الناخبون المرشح الجديد على الرئيس، ولم تكن انتخابات 1992 استثناء عن هذه القاعدة، وحقق بيل كلينتون الانتصار على بوش.
ترامب: في كل الموجات الشعبوية التي هبّت على الولايات المتحدة، لم يحدث أن تمكن أحد يركب هذه الموجة من الفوز سوى في حالتين، هما جاكسون عام 1828 وترامب عام 2016، وقد يفشل ترامب كرئيس، لكن الشعبوية لن تتراجع أو تفشل معه، وسوف تظل معشعشة في النظام السياسي الأميركي إلى أن يتم العثور على علاج لظاهرة التحريض ضد الآخر، وتحميله المسؤولية عن أي ازمات أو مشكلات تحدث في البلاد.
وسوف يظل من الصعب التنبؤ بمسار السياسة الأميركية حتى يتسنى الوصول إلى إجماع جديد على هوية البلاد ومسارها نحو المستقبل.
أميركان كونسيرفاتيف