المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

هل ينجح تيلرسون في البقاء بمنصبه؟

لطالما أربك الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزير خارجيته ريكس تيلرسون. فهذا الرجل القادم من عالم البترول يفتقر الى خبرة أو تجربة في مجال الدبلوماسية التي تتراكم فيها المشكلات والمواجهات.
اكتُشف تيلرسون بين 18 و22 سبتمبر، خلال يوميات الجمعية العامة السنوية للأمم المتحدة، حيث تتوالى الاجتماعات الوزارية واللقاءات الثنائية. لقد كان أسبوعا مزدحما بالنسبة إلى وزير الخارجية الأميركي الذي تلاحقه إشاعات منذ الصيف في واشنطن، تنذر بمغادرة المسؤول السابق لعملاق النفط «إكسون موبيل» منصبه مبكرا.

هذا الرحيل، وإن حدث فعلا بعد أن صادق مجلس الشيوخ على قرار اختياره من قبل الرئيس ترامب، سيكون الأول من نوعه بعد ألكسندر هيغ عام 1982 الذي دخل في صراع مفتوح مع إدارة ريغان لمدة عام ونصف العام.
وأنهى جميع وزراء الخارجية الأميركيين، الذين سبقوا تيلرسون، فترة رئاسية واحدة على الأقل في مناصبهم، وكانوا يملكون صفات لا يملكها وزير الخارجية الحالي، كالمكانة السياسية، مثلما هو الأمر بالنسبة إلى المرشحة السابقة للرئاسة هيلاري كلينتون (2009 – 2013) وأيضا جون كيري (2013 – 2017) والعلاقة القديمة مع الرئيس، مثلما هي الحال مع جيمس بيكر (1989 – 1993) وكوندوليزا رايس (2005 – 2009) اللذين عملا على التوالي خلال عهدَي بوش الاب والابن، وايضا التجربة في مجال السياسة الخارجية، مثلما كان الأمر مع وارن كريستوفر (1993 – 1997) ومادلين أولبرايت (1997 – 2001) خلال فترة حكم بيل كلينتون.
لا تشبه المسيرة المهنية لتيلرسون مسيرة أي من وزراء خارجية الولايات المتحدة السابقين، فلا هو ملتزم حزبياً لدرجة واضحة، ولا هو من العارفين بخبايا الادارة الفدرالية، ولا بكواليس الكونغرس، أما اسمه فقد برز أخيراً خلال عملية تشكيل مكتب الرئيس، بينما كان آخرون في الصف الاول، مثل رودي جولياني، رئيس بلدية نيويورك السابق، الذي التحق بترامب منذ أن بدأت الحملة الانتخابية في 2015، وميت رومني، الذي انتقد بقوة ترامب، ولكن الجمهوريين كانوا يقفون الى جانبه، وديفيد بيترايوس، الجنرال المعروف والمدير العام السابق لوكالة الاستخبارات، وأيضا بوب كروكر، الجمهوري الذي يتحدر من ولاية تينيسي ويرأس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ.
لكن من اقترح اسم تيلرسون على الرئيس المنتخب هو في الحقيقة شخصيات لها وزنها في السياسة الخارجية لدى المحافظين، بينها كوندوليزا رايس، والمستشار السابق للامن القومي ستيفان هادلي، والمستشار السابق للدفاع بوب غيتس.

معزول في إدارته
وسبق زيارة تيلرسون لمقر الأمم المتحدة جدل كبير في الصيف، حول حجم الوفد الاميركي الذي كان يرغب وزير الخارجية في خفضه، في اطار رغبته في الإصلاح، وبسبب تجربته في إدارة شركة متعددة الجنسيات، لجأ الوزير إلى خدمات مكاتب استشارات متخصص، طلبا للنصح.
ولا ينفي دبلوماسيون أميركيون عديدون، فضّلوا عدم ذكر أسمائهم، وجود انحراف حقيقي في عدد المناصب خلال السنوات الأخيرة، وتحدث أحدهم عن تعيينات كثيرة لديموقراطيين خلال فترتي عمل هيلاري كلينتون وجون كيري، قائلا: «أضفنا مستوى آخر من البيروقراطية بإنشاء مبعوثين خاصين وسفراء حول مواضيع معينة». ويضيف: «يمكن أن نفهم هذا التوجه وأن تيلرسون أُجبر على تنفيذ رؤية ترامب، خاصة استنكاره لعبة البيروقراطية واهتمامه وانشغاله بالفعالية».
لم يخف المرشح الجمهوري للرئاسة خلال حملته الانتخابية عدم اكتراثه بوظيفة الدبلوماسي، مستنكرا تفشي ما يسمى في علم الاجتماع «سلوك الامتثال» بين موظفي وزارة الخارجية.
وانتقد كثيرون خيار تيلرسون الذي ركّز على تنفيذ مهمة غير مناسبة لمنصب وزير الخارجية ومهمات هامشية تقع في الواقع على عاتق مساعديه. وشككت هذه الانتقادات أيضا في أن يتمكن الوزير من فرض تغييرات كبيرة جدا بالنظر الى وزن هذه المؤسسة التي تقوم على تقسيمات جغرافية تصعب مواجهتها.
ويقول ستيوارت باتريك، المتخصّص في الحكم في مؤسسة فورين رولايشنز للأبحاث: «اعتبر ريكس تيلرسون وزارة الخارجية مؤسسة تواجه مصاعب ويجب أن تقوم على رجليها، ما يتطلب مرحلة إعادة هيكلة، لكن الدبلوماسية ليست أي بزنس، وتتطلب الاستمرارية والتذكير دائما بمواقف الدولة. وعوضا عن ذلك وصلنا الى شكل من أشكال نزع السلاح الأحادي الجانب من الجانب الاميركي».
ووجهة النظر هذه يتبناها أيضا الدبلوماسيون الأجانب الذين وجدوا صعوبات في التواصل مع كبار المسؤولين في الخارجية الأميركية، بسبب تأخر التعيينات في المناصب الإستراتيجية.
اصطدم تيلرسون الذي كان معزولا نسبيا – وفق محيطه – داخل إدارته، بالكونغرس الذي لم يقتنع كثيرا برغبته في تخفيض ميزانية وزارة الخارجية مثلما طلب منه الرئيس ترامب. كما تجنب وقتا طويلا الصحافة، بدلا من أن يحاول استغلالها لإسماع صوته. وباختصار، حاول تيلرسون غير العارف بالسياسة الخارجية أن يُكيّف تجربته كرجل أعمال في ممارسة الدبلوماسية.
ويقول الدبلوماسي السابق ريتشارد سوكولسكي، الذي يعمل اليوم في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي: «ارتكب ريكس تيلرسون أخطاء عدة، رغم أنه كان بمقدوره أن يتجنبها، كما ارتكب أخطاء مبتدئ، لكنه كان ضعيفا حقا، لأن رئيسه لم يمنحه الوسائل والأدوات ليكون صوت السياسة الخارجية الاميركية داخل الهيئات الحكومية الأميركية، وفي الخارج».

نواياه جيدة
أول عقبة واجهها تيلرسون تتعلق بتشكيلة طاقمه في الوزارة. وكان وزير الخارجية حُرم في يناير من مساعد مكلف القضايا الإدارية بعد استقالة مسؤوله باتريك كنيدي الذي عيّنه جورج بوش، واحتفظ به في المنصب ذاته الرئيس السابق باراك أوباما، غير أن مجلس الشيوخ لم يصادق بعد على قرار تعيين إيريك اويلاند، رغم أنه عُيّن في يونيو الماضي. كما قضى وزير الخارجية أسابيع طويلة من دون ذراعه اليمنى، فالرئيس ترامب رفض تعيين الدبلوماسي الذي اقترحه وزير الخارجية وهو إيليوت ابرامز، الذي ذهب ضحية مواقفه المناهضة للمرشح الجمهوري خلال الحملة الانتخابية، ولم يتم تثبيت جون سوليفان في منصبه كنائب لوزير الخارجية من قبل مجلس الشيوخ إلا في مايو، بعد أن تم تعيينه في ابريل.
ويقول ستيوارت باتريك: «هل كان البيت الابيض يرغب فعلا في ان تعمل وزارة الخارجية؟ يمكن ان نطرح السؤال، خاصة ونحن نعرف جيدا أن ستيفن بانون المستشار الاستراتيجي السابق الذي استبعده الرئيس ترامب في اغسطس، كان يعتبر الخارجية الاميركية إقليما اجنبيا محتلا ويأهله أناس بعيدون جدا عن خدمة مصالح الاميركيين».

مفاجآت وتناقضات
فاجأت الكثير من الأحداث وزير الخارجية الأميركي، بينما كذبه الرئيس ترامب مرات عدة، مثلما حصل في يونيو، حين علم تيلرسون أن ترامب سيوجه تحذيرا لسوريا بسبب استخدامها الاسلحة الكيماوية، بينما كان الامر يتعلق بعمل عادي بالتعاون مع الدبلوماسيين الاميركيين.
ويبدو أن العلاقة لم تعد جيدة بين الرئيس ووزير خارجيته، فترامب كان منبهرا بتيلرسون بسبب مشواره في «إكسون موبيل»، لكن تيلرسون كان من بين المسؤولين النادرين الذين ابتعدوا قليلا عن الرئيس، بعد تصريحات ترامب الملتبسة حول المواجهات التي حدثت بين النازيين الجدد والمناهضين للعنصرية في شارلوتسفيل في أغسطس الماضي.

القضية الفلسطينية
ويعود جزء من مشكلات وزير الخارجية الاميركي إلى الضعف الذي ميز الادارة الجديدة خلال الاشهر الاولى، حيث كلف الرئيس زوجة ابنته غاريد كوشنر متابعة الملف الاسرائيلي – الفلسطيني، عوضا عن تيلرسون، الذي يعد هذا الملف من صلاحياته، فوجد نفسه معزولا قبالة الجنرالات إتش آر ماكماستر، مستشار الأمن القوي ووزير الدفاع جيمس ماتيس، ورئيس موظفي البيت الابيض الجديد جون كيلي، وايضا قبالة تيار قومي يجسده ستيف بانون.
وأخيرا، بدا جليا عدم انسجام دبلوماسية الرئيس ترامب مع تيلرسون، ففي الظاهر يبدو الرجلان يتقاسمان ايمانهما بالتيار الواقعي، لكن على منبر الجمعية العامة للامم المتحدة، تحدث الرئيس مجددا عن واقعية تقوم على المبادئ.
هذا الادعاء لم يقنع أستاذ العلاقات الدولية في كنيدي سكول، الذي يعد صاحب نظريات في هذا التيار الفكري، حيث يقول: «يسعى الواقعيون دائما إلى تحسين وضع السلطة النسبية للأمة، على عكس رؤية ترامب، فهذا الهدف غالبا ما نبلغه بالتعاون مع دول اخرى وليس بالسعي الى إثارة الحرب والظهور في شكل المولع بالقتال. ومن المفارقات أن ترامب يمنح أعداءه، وخاصة إيران، فرصة الظهور في صورة الدولة الأكثر عقلانية وصاحبة المنطق، ولهذا السبب فإن كل الواقعيين الذين اعرفهم يعتقدون أن ترامب كالكارثة».
«لوموند»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى