هكذا اخترق المغرب فرنسا
![](https://www.shula.news/wp-content/uploads/2017/12/4-136-780x405-6.jpg)
لم يتوقف المغرب عن توسيع شبكات تأثيره في فرنسا من أجل الدفاع عن مصالحه الاقتصادية والاستراتيجية، ورغم انتخاب ايمانويل ماكرون رئيسا للجمهورية الفرنسية، لم يتغير هذا النهج، لكن المملكة المغربية أصبحت اليوم تعتمد في تحركاتها داخل فرنسا على وجوه جديدة ودبلوماسية موازية تختلف تماما عن الدبلوماسية التقليدية.
يتسابق المسؤولون الفرنسيون على اختلاف مراكزهم على زيارة الرباط، وحجتهم أن المملكة الشريفية أفضل حليف لفرنسا في القارة السمراء، فهي قطب اقتصادي بامتياز، وتعبّد الطريق نحو الديمقراطية كما أحدثت قطيعة مع الاسلام المتطرف، وهي في نظر المسؤولين الفرنسيين أرض تجمع بين الاصالة والمعاصرة، لكن وراء كل هذا تختفي أشياء اخرى، يبدو أن المغرب يلعب فيها دور أسد الاطلس.
منذ بداية تسعينات القرن الماضي وسّع المغرب شبكات تأثيره في فرنسا، وكان الحسن الثاني أول من بادر الى ارساء هذا النوع من الدبلوماسية القائم على علاقات الثقة، التي غالبا ما تكون شخصية كتلك العلاقات التي نسجها مع الرئيس الفرنسي الاسبق جاك شيراك.
وأما نجله محمد السادس فقد انتقل بسرعة من وريث خجول إلى حاكم ذكي وشخصية سياسية كبرى في القارة الافريقية، والنتيجة هو أن العلاقات المغربية الفرنسية لم تتغير بتغير الرؤساء من شيراك الى ساركوزي اللذين كانا متعودين على التردد على القصور الملكية، فيما عرف البلاط المغربي ايضا كيف ينسج علاقات مع فرنسوا هولاند المعروف بقربه اكثر من الجزائر، ولم يغير انتخاب ايمانويل ماكرون هذا الوضع أيضاً.
أصدقاء كثر
ويعتمد المغرب في فرنسا، على العديد من أصدقائه في عالم الاعمال والفن والثقافة والسياسة ايضا، من إليزابيث غيغو الى دومينيك دو فيليبان مرورا بجاك لانغ وبرنار هنري ليفي ودومينيك ستراوس كان وجمال دبوز وبريس هورتفو ورشيد بن زين ونجاة فالو بلقاسم او جاد المالح، إنهم عشرات من مزدوجي الجنسية، الذين ولدوا في المغرب لكنهم حصلوا على الجنسية الفرنسية وبعضهم أعضاء في مجموعات الصداقة البرلمانية وتتم دعوتهم بانتظام لدعم المصالح المغربية وفي المقابل تحظى المصالح الفرنسية في المغرب بكل الحماية.
ولم يشذ النظام الفرنسي الجديد عن سابقيه وإن كانت المجلة الغربية تال كال قد ألمحت الى تغييرات في عددها الصادر بتاريخ 17 نوفمبر بمناسبة زيارة رئيس الوزراء الفرنسي ادوار فيليب الى الدار البيضاء ويقول احد الذين دعموا ماكرون منذ اللحظة الاولى «كلما انتخب رئيس جديد في فرنسا، لاحظنا بروز فاعلين جدد، لكن يجب ألا نبالغ في تقدير هذه القنوات لأن القنوات المؤسساتية تبقى هي المفضلة لكن لأن الرسميين ليسوا شخصيات عامة، يتم اللجوء الى هؤلاء».
ومن بين الاسماء الصاعدة في عهد ماكرون، نجد ليلى سليماني الفائزة بجائزة كونكور الأدبية لعام 2016 عن تحقيقها اللافت للانتباه عن الجنس في المغرب، التي عينت مؤخرًا ممثلة للرئيس الفرنسي من اجل الفرنكفونية ورافقته خلال أول زيارة له للملكة إلى جانب بطل العالم في الجودو الفرنسي تيدي ريني.
خط مباشر مع الملك
قالت الكاتبة ليلى سليماني المعروفة بعلاقتها الوثيقة مع الملك لمجلة ماريان: «كتبت وفق نصائح أصدقائي فؤاد العروي والطاهر بن جلون. لقد استطعت دومًا أن أكتب ما اريد عن السجون والحرية الجنسية أو الوعي».
ووفق الملف الذي نشرت اسبوعية «تال كال» المغربية فان غالبية الفاعلين السابقين في هذه الدبلوماسية الموازية غادروا المشهد وأن ماكرون الذي لا يحب ثقافة «الشبكات» و«التواطؤ» يفضل نسج علاقة مباشرة مع الملك وهو من دون شك الرسالة التي يرغب محيط الرئيس الفرنسي في نقلها، لكن المغاربة لا يعتقدون ذلك، وتقول نائلة التازي مؤسسة مهرجان الصويرة لموسيقى غناوة والموسيقية العالمية «لا أعتقد اننا سنمحو جيلاً بهذه الطريقة، هناك تطور والاشياء تأخذ وقتها في المغرب».
فترة التوتر
توترت العلاقات بين المغرب وفرنسا، بعد أن زار افراد شرطة، سفارة المغرب في نويي سو سان في 21 فبراير 2014 من أجل استدعاء رئيس جهاز مكافحة التجسس المغربي عبداللطيف حموشي بسبب شكوى تعذيب رفعها ضده بطل الملاكمة زكريا مومني، وأدت هذه الحادثة الى تجميد التعاون القضائي والشرطي بين البلدين. من جانبها، لم تكن فرنسا قادرة على تحمل قطيعة أطول مع بلد مهم مثل المغرب، بالنظر الى حاجتها الى معلومات استخباراتية لدعم حربها ضد الارهاب.
كانت الفترة بين شتاء 2014 وصيف 2015 فترة سوداء بالنسبة لفرنسا، ذلك ان المغاربة مارسوا شكلا من اشكال المساومة وفق البعض من أجل اعادة العلاقات إلى مجاريها. كانت الشروط مبالغا فيها لأنهم كانوا يرغبون في وضع حد لمبدأ الولاية القضائية الدولية للقاضي، بطريقة تسمح في بعض القضايا للقاضي المغربي بالنظر في الشكاوى التي يرفعها مغاربة في فرنسا ويقول أحد المسؤولين الذين شاركوا في المفاوضات مع الجانب المغربي «لقد قضينا شهورا ونحن نحاول ان نشرح لهم بأن الامر مستحيل».
وللخروج من هذه الأزمة، أوفد فرانسوا هولاند وزيرة العدل السابقة والنائبة إليزابيت غيغو (التي ولدت في المغرب وقضت طفولتها وفترة المراهقة فيه)لبحث الموضوع مع الملك محمد السادس، برفقة السفير الفرنسي لدى المغرب وتقول غيغو في هذا الشان «لقد تحدثنا طويلا والملك استمع لنا، كان يجب علينا ان نتقدم وما كان بمقدورنا أن نبقى في حالة الانسداد ذاتها».
في شهر يونيو 2015 صادق البرلمان الفرنسي على بروتوكول اضافي لاتفاقية المساعدة القضائية في المجال الجنائي، رغم بعض الغموض الذي لف عددا من المواد التي اقلقت جمعيات ولم يعارض هذا البروتوكول سوى النواب الايجولوجيون والشيوعيون وجمهوري واحد هو السيناتور إيريك دوليجي.
يعرف ايريك دوليجي ملف حقوق الانسان في المغرب جيدا، فابنه وهو مقاول ومالك دار ضيافة في مدينة تارودانت، سلبت منه املاكه وصودر جواز سفره واضطر للاختباء طيلة 21 شهرا بسبب رفض شرطي دفع خدمات استفاد منها، ويقول دوليجي «هناك العشرات من هذه القصص التي وقعت لابني علاوة على الحبس العشوائي وسلب الاملاك بتواطؤ افراد شرطة او محامين او قضاة فاسدين، ولكننا نضحي بها من اجل العلاقات الدبلوماسية»، ويضيف «لقد لاحظت لأي درجة هناك علاقات وثيقة بين جميع الفاعلين في الطبقة السياسية والمغرب، حيث تضم مجموعة الصداقة العديد من النواب، هناك مصالح كبيرة وقديمة».
¶ مجلة ماريان ¶
أرقام
– يعيش في المغرب 70 الف فرنسي، يحمل غالبيتهم الجنسيتين الفرنسية الى جانب المغربية.
– تعمل في المغرب 38 شركة فرنسية مدرجة في البورصة.
– يعيش مليون ونصف المليون مغربي في فرنسا، من بينهم 670 الف شخص يتمتعون بالجنسية المزدوجة.