«هارفي» يهبط بأسعار النفط … ويرفع البنزين!

أدت العاصفة «هارفي» التي ضربت أهم مراكز التكرير والإنتاج الأميركي إلى تعطيل ضخم للبنية التحتية لقطاع الطاقة الأميركي، ومن المستغرب أن ذلك حتى الآن عجز عن دعم أسعار النفط. وهذا جاء على عكس تاثيرات الأعاصير السابقة، حيث نتذكر جميعاً أنه في سبتمبر 2005، ارتفعت أسعار النفط إلى 70 دولاراً عندما ضرب إعصار «ريتا» مركز تجمع غالبية وأكبر مصافي تكرير النفط الأميركية، وأثر على 3 ملايين برميل يومياً من الطاقة التكريرية، أما إعصار عام 2008 فتسبب بدوره بالتأثير على 3.6 مليون برميل يوميا من الطاقة التكريرية للمصافي، وكانت الأسعار آنذاك فوق 100 دولار. لقد كان التأثير على الأسواق في تلك السنوات شديداً، مما أدى إلى إجبار بعض المصافي على الإغلاق مرة أخرى بعد وقت قصير من إعادة تشغيلها، بل وكانت هناك بعض الإغلاقات لفترات طويلة بسبب الأضرار الهيكلية الناجمة. وهذا يثير التساؤل عن إمكانية العودة السريعة للمصافي الأميركية المغلقة الآن. وعند مقارنتها مع إعصار «هارفي» نجد أن تأثير الأخير أكثر حدة من سابقيه، حيث أثر على 4.5 مليون برميل يوميا من الطاقة التكريرية للمصافي، وموانئ تصدير وتوريد النفط ومشتقاته، ومرافق الإنتاج، وحتى وإن لم تكن هناك أضرار هيكلية كما في السابق، إلا أن إعادة التشغيل ستتم بتدرج مرحلي بطيء جداً، وبالتالي يجب تعويض تعطل إمدادات المشتقات النفطية، بعد فقدان أكثر من 13 في المئة من إجمالي الطاقة التكريرية في أميركا، والتي تعد أكبر مصدر للمشتقات النفطية في العالم، لذلك لابدّ أن ينعكس إيقاف المصافي على جميع أنحاء العالم، إذ إن أميركا أكبر مصدر للديزل وزيوت التدفئة إلى أوروبا، بالإضافة إلى تصدير المشتقات النفطية إلى أميركا الجنوبية. وبخلاف الأعاصير السابقة، فإن أسعار النفط انخفضت لأن المضاربين ركزوا على الأثر السلبي على طلب النفط من المصافي الأميركية المتضررة دون النظر إلى أساسيات السوق مع تجاهل نمو الطلب القوي من المصافي الآسيوية والأوروبية لتعويض النقص في إمدادات المشتقات النفطية، لأن تعطل أكبر المصافي الأميركية من شأنه زيادة الطاقة التكريرية للمصافي الآسيوية والأوروبية، مما سيزيد الطلب على النفط لتعويض صادرات الديزل والبنزين الأميركية. في الواقع، إن مستويات أسعار النفط الحالية لا تعكس أساسيات السوق القوية، ولا الاضطرابات الحاصلة في قطاع الطاقة الأميركية ذي التركيبة اللوجستية المعقدة لارتباط المرافق وخطوط الأنابيب ببعضها، فعلى سبيل المثال: تضرر بعض منتجي النفط الصخري رغم أن الإعصار لم يصل إلى مناطق إنتاجهم، وذلك نتيجة بعد اضطراب خطوط الأنابيب وتوقف خطين يستخدمها حوض «بيرميان بيسن» أهم واضخم إنتاج للنفط الصخري. إذاَ، لابدّ أن تنعكس اضطرابات قطاع الطاقة الأميركي على جميع أنحاء العالم لأنه سيدفع المصافي الأخرى لزيادة طاقاتها الإنتاجية لتعويض النقص من أكبر منتج للبنزين والديزل في العالم. وقد شهد سوق المشتقات النفطية بالفعل تحركات تعكس الإمدادات المعتادة للديزل، حيث بدأت بعض مصافي التكرير الأوروبية إرسال شحنات الديزل إلى أميركا الجنوبية لملء الفجوة الكبيرة التي تركتها المصافي الأميركية المغلقة. إن تراجع استهلاك النفط من المصافي الساحلية المطلة خليج المكسيك سيؤدي إلى زيادة في المخزونات ويلقي ذلك بظلاله على تأثير توقف إنتاج النفط من حقول خليج المكسيك البحرية بعد العاصفة، فهذا يتعارض تماماً مع ما شهدناه من سحب المتعدد للمزيد من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي الأميركي، مع تدفق الطلبات من المصافي الأميركية الأخرى لتعويض النقص في إمدادات المشتقات النفطية محلياً. فإذا كان هناك فائض في المخزونات بعد إيقاف عمل المصافي، فلماذا تتوالى طلبات السحب من المصافي الأميركية من الاحتياطيات الاستراتيجية؟ وكيف يتراجع الطلب على النفط وتتراجع الأسعاره، في حين ارتفعت أسعار البنزين إلى أعلى مستوياتها خلال عامين؟ تعتبر أسعار النفط الخام المحرك الرئيسي لأسعار المنتجات النفطية، والعكس صحيح، إذ إن أسعار البنزين تشمل هوامش ربح أعلى، وتستجيب بشكل كبير للتغيرات في أسعار النفط الخام. وهذه العلاقة الديناميكية بين أسعار النفط الخام وأسعار البنزين لابدّ من أن تحدد مجتمعة التطورات في أسواق النفط والبنزين، ولكن ما يحدث حالياً بانفصالهما الحالي بتحركات معاكسة يوضح التخبط الواضح في تحركات أسعار النفط، والتي لا تعكس الأساسيات القوية للأسواق في ظل تحكم وإجحاف المضاربين لتحركات أسعار العقود الآجلة، بما يصب في مصالحهم الضيقة بعيداً عن تحديد سعر عادل للنفط! * مستشار في شؤون الطاقة وتسويق النفط مدير دراسات الطاقة في منظمة «أوبك» سابقاً |