نحو نهضة مستدامة تستمد غزة قوتها من إرادة الحياة
![](https://www.shula.news/wp-content/uploads/2025/02/IMG-20250106-WA0028.jpg)
محمد تهامي خبير التطوير المؤسسي
تعد غزة واحدة من أكثر المناطق تحديًا في العالم، حيث تحملت على مر السنين أزمات متتالية ألقت بظلالها على كل جانب من جوانب الحياة فيها، لكن في قلب هذه المأساة، ينبعث الأمل، وتظهر إرادة الحياة أقوى من أي وقت مضى. في إطار هذا السياق، يأتي إعلان خطة شاملة لتمكين غزة، التي تسعى إلى إعادة بناء ما دمرته الحروب وتوفير حياة كريمة ومستدامة للسكان. هذه الخطة لا تقتصر على الإغاثة الطارئة فحسب، بل تمثل خطوة استراتيجية نحو خلق بيئة قابلة للاستمرار والنمو على المدى الطويل.
يستند مشروع تمكين غزة إلى رؤية بعيدة المدى، تستهدف تقديم حلول مبتكرة لمجموعة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي طالما واجهتها المنطقة، يشير الخبراء إلى أن النهج المتبع يتجاوز عمليات الإغاثة المؤقتة، ويهدف إلى تأسيس بني تحتية مستدامة، من خلال تطوير الاقتصاد المحلي، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وتحسين جودة الحياة لسكان غزة.
الإغاثة الإنسانية… بداية الطريق
لا يمكن تجاهل الوضع المأساوي الذي يعيشه سكان غزة، إذ تشير التقارير إلى أن أكثر من 70% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، ويعاني نحو 95% من نقص حاد في مياه الشرب. هذه الأرقام المروعة تتطلب استجابة عاجلة تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الإنسانية العميقة للأزمة. في هذا السياق، تبدأ خطة تمكين غزة بتقديم استجابة شاملة للاحتياجات الإنسانية العاجلة. أولى الخطوات تشمل توفير المساعدات الغذائية، وتوزيع المياه النظيفة، وتقديم الرعاية الطبية الطارئة، ولكن لا تقتصر هذه المرحلة على الإغاثة الإنسانية فحسب، بل تشمل أيضًا مشاريع عاجلة لتوفير المأوى المؤقت للأسر المتضررة، وإنشاء مراكز إغاثة متنقلة لتغطية المناطق النائية، هذا التوجه يعكس الفهم العميق لاحتياجات غزة الطارئة، حيث يتم تقديم الدعم بشكل متكامل يمزج بين الإغاثة السريعة والتخطيط الاستراتيجي للمستقبل.
إعادة الإعمار… خطوة نحو الاستدامة
إعادة بناء غزة ليست مهمة سهلة، لكنها ليست مستحيلة أيضًا. تأخذ الخطة في الاعتبار ضرورة استخدام مواد بناء صديقة للبيئة تساهم في تعزيز قدرة غزة على مواجهة الأزمات المستقبلية. إعادة بناء المنازل المدمرة ليست مجرد عملية ترميم، بل تشمل تصميم بيئة سكنية مقاومة للكوارث. كما أن إعادة بناء المدارس والمستشفيات تعتبر خطوة محورية في هذه العملية، حيث تمثل هذه المرافق أساسًا للتعليم والرعاية الصحية، وهي من الركائز الأساسية التي ستساهم في النهوض بغزة، من جانب آخر، يعتبر استخدام الطاقة البديلة أحد العوامل المهمة في هذه الخطة. ضمن هذه المبادرة، سيتم توفير مصادر طاقة مستدامة، مثل الألواح الشمسية، لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة. هذا النهج يفتح الباب أمام غزة لتصبح أقل اعتمادًا على الشبكة الكهربائية المتضررة، مما يعزز من قدرتها على التحمل في أوقات الأزمات.
التمكين الاقتصادي الطريق إلى الاستقلالية
“الاقتصاد المحلي هو ركيزة أي مجتمع مستدام” – هذه المقولة التي أوردها الاقتصادي آدم سميث تعكس أحد الأهداف الرئيسية في خطة تمكين غزة. فالنهوض بالاقتصاد المحلي يتطلب بناء منظومة متكاملة تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي هي العمود الفقري للاقتصادات النامية. في هذا السياق، تركز الخطة على تقديم منح صغيرة لدعم المشاريع الناشئة، إلى جانب تطوير برامج تدريبية للشباب على الحرف والمهن التي تتماشى مع احتياجات السوق المحلي، ليس ذلك فحسب، بل سيكون للزراعة والصيد البحري دور كبير في تعزيز اقتصاد غزة. هذه القطاعات، التي كانت تاريخيًا مصدر دخل رئيس للعديد من العائلات، ستحظى بدعم فني وتقني لزيادة إنتاجيتها وتحسين سبل تسويق منتجاتها. تعتبر هذه المبادرات خطوة ضرورية نحو تحقيق الاستقلالية الاقتصادية للمنطقة، بحيث لا تقتصر حياة السكان على تلقي المساعدات بل يكون لهم دور فاعل في إعادة بناء الاقتصاد.
التعليم والتدريب الاستثمار في الأجيال القادمة
“أعظم استثمار هو استثمار في الإنسان” – هكذا كان يرى المفكر السياسي الراحل مالك بن نبي ضرورة تمكين الإنسان من خلال التعليم. بناءً على هذه الفكرة، تهدف خطة تمكين غزة إلى تقديم فرص تعليمية للأطفال والشباب، عبر إعادة بناء المدارس، وتوفير برامج تعليمية رقمية لتعويض الفاقد التعليمي الذي أثر على الأجيال السابقة. فضلاً عن ذلك، سيتم تطوير برامج تدريبية للمعلمين لضمان تقديم تعليم يتماشى مع المعايير العالمية، أيضًا، سيتم إنشاء مراكز تعليمية مختصة في التكنولوجيا والبرمجيات، مما يسهم في فتح آفاق جديدة للشباب في مجالات المستقبل مثل البرمجة والذكاء الاصطناعي. هذه البرامج التعليمية لن توفر فحسب فرصًا أكاديمية، بل ستمنح الشباب المهارات اللازمة للتفاعل مع التغيرات التكنولوجية السريعة التي يشهدها العالم.
تحسين الخدمات الأساسية… نحو رفاهية دائمة
لا يمكن لأي خطة إعادة بناء أن تكتمل دون توفير خدمات أساسية ذات جودة عالية. ضمن خطة تمكين غزة، سيتم تحسين شبكات المياه والكهرباء، والعمل على تطوير محطات تحلية المياه لضمان وصولها لجميع السكان. على الرغم من أن هذه المشاريع قد تبدو بعيدة عن الأنظار في بعض الأحيان، إلا أن تأثيرها المباشر على حياة الناس لا يمكن تجاهله. تحسين الخدمات الصحية عبر توفير مستشفيات متنقلة ورعاية صحية شاملة سيكون جزءًا أساسيًا من هذه الجهود.
الشراكات الدولية… التعاون من أجل النجاح
لتحقيق هذه الرؤية، لا بد من التعاون مع شركاء دوليين. فمنظمات الأمم المتحدة، والمنظمات الإنسانية الدولية، والدول المانحة، جميعهم شريك أساسي في هذه الخطة. الشراكات ستساهم في توفير الدعم المالي والتقني اللازم لضمان أن هذه المبادرات لا تقتصر على كونها جهودًا محلية فحسب، بل تتسع لتشمل المجتمع الدولي بأسره.
الخاتمة… غزة تستحق الحياة
لا شك أن خطة تمكين غزة تمثل خطوة غير مسبوقة في سبيل إعادة بناء المنطقة بشكل مستدام. إنها خطة تتجاوز المساعدات الإنسانية العاجلة لتشكل أساسًا لبناء مجتمع مزدهر ومستقل. من خلال الإغاثة المستدامة، والتعليم، والتمكين الاقتصادي، وإعادة الإعمار، يمكن لغزة أن تصبح نموذجًا حيًا للتحدي والنجاح، حيث تستمد قوتها من إرادة الحياة التي لا تعرف الاستسلام. وفي النهاية، تصبح غزة “أقوى بإرادة الحياة”، كما يؤمن جميع الذين يسعون لتحقيق هذه الرؤية العظيمة.