المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

موراكامي: رجال مطاردون بطيف امرأة مغادرة

بعد تسع سنوات على آخر مجموعة قصصية له «الصفصافة العمياء، المرأة النائمة»، يعود هاروكي موراكامي إلى كتابة القصة القصيرة. الكاتب الياباني الأشهر عالمياً والمرشح الدائم لجائزة نوبل قال في إحدى مقابلاته قبل سنوات: «حين أشعر بالتعب، أكتب القصص. كتابة الروايات تحدٍ، بينما كتابة القصص متعة. وإذا كانت كتابة الروايات تشبه زراعة غابة، فإن كتابة القصص القصيرة هي أشبه بزراعة حديقة».
وعندما نعلم أن آخر رواياته «مقتل القائد»، التي صدرت في فبراير الماضي، جاوزت الألفي صفحة وبيع منها مليون ونصف المليون نسخة في غضون شهر، نعي ما الذي يقصده بأن كتابة القصة «محطة للاستراحة».

◗ رجال بلا نساء
موراكامي، الذي طالما أبدى افتتانه بالأدب والثقافة الأميركيين، أصدر قبل نحو شهر مجموعته القصصية «رجال بلا نساء»، مقتبساً عنوانها من رواية الكاتب الأميركي ارنست همنغواي. القصص عبارة عن اعترافات رجال وحيدين ومهشمين فقدوا، أو هم على شفا فقدان، «نصفهم الآخر». مطاردون بطيف المرأة «المغادرة»، يستعيدون شريط حياتهم مع نساء عشقوهم، لكنهن خرجن من حياتهم كما دخلنها، بقسوة وفظاظة. وعلى على مدى سبع حكايات، يستخدم هاروكي موراكامي قدرته على مراقبة حياة الرجال الذين يجدون أنفسهم، كل بطريقته الخاصة، وحيدين.

◗ … ووحيدون
يأخذ موراكامي القارئ إلى أعماق الروح، أو ما يسميه «الطابق السفلي الثاني» الذي يحمله كلٌّ منا في داخله، حيث يكمن الركام المبعثر وتخترق الوحدة عظام الجسد. رجال تتهددهم عزلة قاسية بعد رحيل نسائهم، زوجة، عشيقة أو صديقة. ولأنهم غارقون في وحدة قاتمة، يستنجد كل منهم بمن وضعته الحياة مصادفة في طريقه: خادم في فندق، حارس في حانة، سائقة خاصة.. هم الآخرون يعيشون في عوالمهم المعزولة، لكنهم سعيدون بالمهمة التي ألقيت على عاتقهم: الإنصات لبوح الرجال الوحيدين.

◗ استعارات أدبية
شخصيات «رجال بلا نساء» يكتنفها الغموض والسحر وتلتقي في بعض ملامحها مع كاتبها ومؤلفها. يمكن وصفها بأنها «موراكامية». مثل كينو صاحب حانة لموسيقى الجاز (أول عمل امتهنه الكاتب) وغريغور سامسا الذي «يستعيره» موراكامي من كافكا. بعضها سوريالي وبعضها ملتصق بواقعه. يروي كل منهم مآل حياته بعد هجر حبيبته له: «لا يتطلب الأمر إلى كثير عناء لكي نصبح رجالاً وحيدين. يكفي أن نحب امرأة حباً حقيقياً ثم، فجأة، تختفي من حياتنا»، يقول راوي إحدى قصص هذه المجموعة.
في القصة الأولى نتعرف الى كافاكو، ممثل كوميدي توفيت زوجته بمرض السرطان، لكنه مكبل بعبء خيانتها له مع ممثل من الدرجة الثانية، «يحظى بشعبية كبيرة بين النساء في عمر معين». بسبب ضعف في بصره يفقد القدرة على القيادة فيستعين بميساكي المرأة الشابة والبكماء لتقود سيارته في ساعات الازدحام في العاصمة اليابانية. ستصبح كاتمة أسراره واعترافاته، ويخبرها عن صداقته مع عشيق زوجته معه، وكيف اضطر إلى مصافحة اليد التي داعبت جسد زوجته موهماً نفسه بالتحرر من وطأة هذه الخيانة..

◗ محطم الأساطير الشرقية
في قصة أخرى، نتعرف الى الدكتور «توكاي»، جراح التجميل المتقلب والمزاجي، يروي مغامراته العديدة مع نساء متزوجات.لكن هذا الاستقرار المنشود من خلال علاقات ممتعة وعابرة وخالية من أي التزام ينهار لحظة وقوعه بحب امرأة لا تلبث ان تذيقه طعم الفراق.
في إحدى القصص نعيش مع «هابارا» هاجس فقدان عشيقته. ليست العلاقات الجنسية، التي سيحرم منها ما يقلقه، وإنما حرمانه «المرتقب» من قصصها الغريبة التي تقصها عليه بطريقة لا تشبه طريقة أحد. هي بالنسبة اليه «شهرزاد»، لكنها بعكس الأساطير الشرقية، لا ترضخ للتهديد، بل تسلطه على شريكها.

◗ الجاز والثلج
كل «مكونات» كتابة موراكامي المألوفة حاضرة في هذه القصص القصيرة. هنا تمتزج ألحان الجاز بطقطقة الثلج في الكوؤس. القطط المتسكعة، الحانات الممتلئة بالدخان، النساء الغامضات. يلوح طيف فرنسوا تروفو، وودي ألن، وفرقة البيتلز في كل صفحة. أما شخصياته فتبقى على ملامحها الرئيسية، متخفية في عوالمها الخاصة، عابرة في ممرات جانبية، كأنها تسير دائما بمحاذاة خطواتها. الحزن الشفيف المتسرب من صفحات هذه القصص لا يخفي حس الفكاهة الذي يطبع معظم أعمال موراكامي. الرومانسية التي يستهل بها الروائي قصصه تنحو تدريجياً نحو الفانتازيا من دون أن تفقد تركيزها على الهشاشة البشرية.
في «رجال بلا نساء» يقلب صاحب «جنوب الحدود غرب الشمس» كليشيه المرأة الحزينة التي تقبع منتظرة حبيبها، الراسخ في التراث الأدبي والفني الياباني. النساء اللواتي «علقن الزمن في حاضر لانهائي، بين ماض انتهى إلى الأبد ومستقبل غامض ترفض تخيله». هنا، الرجل هو من يقبع في دوامة الحزن والانتظار، وهو من يكتشف أن «فقدان امرأة يعني أيضاً أننا خسرنا كل النساء»، ريثما يأتي من يقول له: «ابتلع دموعك وامض».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى