المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

ملك: تقويم السنة نعرفه من هجرة الطيور وعودتها

الحنين إلى الأيام الخوالي يبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت في عصر ما قبل النفط أو في مرحلة الاستقلال وما بعدها. في هذا اللقاء رحلة مع الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقب عنه، مع الذين عايشوه، نسجل لهم صفحات من عبق التاريخ ففيه رسالة وعبرة للأجيال.

حدثنا محسن ملك، هاوي وخبير الطيور في الكويت منذ ستين سنة، وهو يقتني ويربي أعداداً كبيرة من الطيور المهاجرة، البحرية منها والبرية، في كل فصول السنة، ويعرف مسارات الهجرة بأجواء الكويت وأماكن تعايشها وتكاثرها، وفترات زيارتها وهجراتها، وهو يملك أكثر من 800 طير في منزله.
قال: في فصل الصيف الحار يعيش بيننا طائر «الزرزور» نعتبره أحدنا، يمكث في أسقف المنازل، ويتكيف مع جميع الظروف المناخية، ويعيش فوق الأشجار والنباتات، وتمكن مشاهدته على مدار العام في مجموعات، وغالباً ما تجده تحت مرازيم الماء وبين أقفاص الحمام، يأكل ويشرب ولا نصطاده، وتفريخه يبدأ من أوائل شهر ابريل إلى نهاية يونيو حتى يفقس البيض ما بين 3 – 4 بيضات، ولا يباعد حتى أول شهر نوفمبر يهاجر ويرجع ثانية، وتستمر دورة حياته هكذا، وكنا نشاهده ايضاً في مزارع الفنطاس والمنقف وأبو حليفة، أي الأماكن القريبة من المدينة وينتقل بواسطة عربات الخضار القادمة من المزارع، ولكنه يعشق البيوت كمكان آمن، الذكر له احمرار في الرأس والانثى لونها بيج لا جمال فيها، والذكر هو الأجمل، ويعتبر صديقنا ومألوفاً بيننا ونحرم صيده أو ذبحه.
وتحدث أبو ناصر عن طائر يظهر في أوائل الربيع يعيش في الدواوين والمساجد، يجيد الطيران، بمهارة لا نفرق بين ذكر «الرقيعي» وأنثاه، ونشاهده عند الغروب، ولا نصطاده او نقتله، وصوت (الرقيعي) جميل جداً نسميه «زقزقة»، ولونه اسود ضعيف وريش بطنه أبيض، ونقول في لغزنا حوله: «بطنه شحم وظهره فحم، ذيله مقص وين ما قعد رقص»، وهو طائر خطاف ونسميه «السنونو»، يتغذى على الحشرات الطائرة يلتقطها أثناء طيرانه، طائر لا يستقر يطير بين بيوتنا وغالباً يكون على المباني العالية، ويبحث عن الطين لبناء عشه، له أرجل قصيرة، ونشاهده أيضاً على «التيل» (أعمدة التلفون).
ليرتاح، والذكر لونه أسود في الصدر بلون الحنة، والرقيعي من الطيور التي تغادر وتعود وفية لأرضنا، ونحن صغار نعتبره مناراً لبيئتنا، وتحمينا من الحشرات والديدان، وآباؤنا يرشدوننا على المحافظة عليه، ووجود هذه الطيور في أي مكان يعني أن هذا المكان صالح للحياة، علينا أن نهتم ولا نتعرّض لها، وهلاكها تدمير للبيئة، وكذلك طائر «الجنة» من الطيور البحرية، ونسميها «النورس» تعيش في جزرنا، وتخطف الأسماك وأعشاش «الجنة» قريبة من الماء على السواحل الصخرية، نشاهدها طوال العام وأماكن تجمع مياه الأمطار «الخباري»، وتساعدنا «الجنة» على القضاء على الديدان والحشرات والأطعمة التي تخلفها.

الأم الحنونة
وأضاف: طائر «القطا» مقيم ويتكاثر ويعبر، يعيش جماعات، خاصة أثناء الطيران، تشكل سرباً على شكل V، والأنثى تعتبر مجاهدة وحنونة لصغارها، تبحث عن الماء بمساعدة الذكر، تضع بطنها في الماء حتى يمتلئ الريش، وبعضها تتقوس لتخزين الماء، وترجع الأنثى فتقوم الفراخ بوضع المنقار داخل الريش تشرب من هذا الماء المخزن، و«القطا» طائر نادر في الحنان والمحبة للصغار، ونحن نراقب طائر «القطا» ونسميه «الساقي» يذهب ويرجع إلى مكانه من نصف شهر مارس حتى شهر مايو.

مبشرون
وقال: طيور القمري والخضيري والهدهد تبشرنا بدلوك السهيل، أي إن هناك رياحاً باردة مصحوبة بالرطوبة، وأحياناً تكون جافة تسمى السموم خلال أسبوعين من وصول «القمري»، ونسميه «حمام بر»، والهدهد أيضاً من الطيور التي تبشرنا بالسهيل، وله قصة طويلة منذ عهد سيدنا سليمان (عليه السلام) جاء يشكو الحبة في صدره، نشاهده في المناطق الزراعية والصحراوية، وبمنقاره يفصل التراب عن الدود، ويتغذى عليه وعلى الحشرات والثعابين الصغيرة، ويعتبر مقيماً ويتكاثر ثم يعبر، و«الخضيري» أيضاً يبشّر بقدوم الخريف، وهو من الطيور الجميلة، يغلب عليه اللون الأخضر، وبعضنا يسميه «الوروار»، طيور مستأنسة في الكويت، خاصة في المحميات، تشاهد أكثر الهواة لا يخلو من هذه الطيور، خاصة «القمري» (حمام بر) خجول يختبئ لكي لا يراه أحد، والذكر أحلى من الأنثى، له رونق خاص وجذاب لأنثاه، والهدهد إذا فقد أنثاه لا يقترب من أنثى أخرى، يبقى بقية حياته «يون.. يون»، و«يوارص» من الحزن؛ أي يتلوّى من الألم، لكل طير حكاية وصفة وخبر، نحن عرفنا من خلال ملاحظاتنا.
وأضاف: وطائر سمن سلو (السمان) يأتينا من العراق، يبشرنا ويرشدنا إلى أماكن الديدان، مثل: غبي سفيفة، وغبي عتل والحماري هذه الغبابي نتخذها طعما في الفخاخ، ولون السمان لون الباذنجان، له منقار طويل، يعيش بين المزارع والدجاج اللاحم، وأحيانا ننقل المحمية إلى مكان آخر، لكي يعيش «السمن»، ونغيّر مكانه؛ للبحث عن غذائه أكثر، ويرشدنا إلى الغبابي، هو والهدهد يعرفان مكان الديدان، إحساس عجيب في دماغهما وأرجلهما، طيور كلها رفق ولين لا تعرف العنف أو الغلظة، منذ ستين سنة هي رفقائي ورفقها الهواة والمحبين لهذا جاورناها.

مصائب.. فوائد
وقال: المصائب التي تصيب المنطقة بسبب الحروب وعدم استقرار البيئة كانت سبباً في أن غادر كثير من الطيور التي كانت تعيش هناك، وبدأت تستقر في الكويت على أساس أرض مستقرة آمنة، ولا إزعاج لها، المصائب التي ما زالت يتعرض لها كثير من الدول في العالم، والجو المناسب في الكويت من المزارع والحدائق والمزروعات في البيوت جعلتها ترتاد، ويستقر الزائر منها والمهاجر، ووجدت المسطحات الطينية والسواحل الممتدة من الشمال إلى الجنوب على الخليج العربي، والجزر وبرك الماء الطبيعية، خاصة في الشمال.
وقال محسن: نزح إلينا طير «يا كريم»، نسميه «فاختة» مغرّد جميل، ومن أجمل الطيور وأغلاها ثمنا، وجاء اسم «يا كريم» من صوته؛ كأنه يقول: «يا كريم.. يا كريم»، جاءنا من العراق، بسبب المعارك هناك، ويعيش في مزارع العبدلي القريبة من الحدود العراقية، وكذلك البلبل العراقي؛ نزح من العراق، نسميه «أبيض الخدين»، نشط وكثير الحركة رأسه أسود مع بقع بيضاء على الخدين، صاحب الصوت العذب المغني الذي نسمعه دائما في بيوتنا ومحمياتنا وفي الحدائق وجد البلبل أبيض الخدين الديدان والحبوب والنخيل والحبوب والأغصان الآمنة جعل أعشاشه فوقها، وحتى مربي البلبل يفتخر أن لديه بلابل تغرد تخرج وترجع الى أقفاصها، وكذلك طائر المينا له نداء شجن يطلقه بدأ يعيش على أرض الكويت المستقرة الآمنة وجد الهدوء بين البيوت والمزارع، ووجد الغذاء والماء، خصوصا الأسمدة التي تخرج منها الديدان، يمكن مشاهدته على السواحل الهادئة.
قال: طيور وجدت المصائب جاءتنا، وجدت الغذاء وكسرات الخبز حتى في البيوت، ومنا يضع الحبوب والماء في إناء فخاري، وبقايا الأكل، طيور من فرحتها ترفرف في بيوتنا، وهذا دليل كرم أهالينا، وأنا أشاهد أغلب البيوت تضع كل حاجات العيش لها، وحتى بلكونات الشقق فيها الكحف فخار يشبه الكحفية الطاقية فيها الشراب والغذاء، أصبحت هذه الطيور مواظبة على الحضور في بيوتنا ومزارعنا وشوارعنا، وأصبحت مطيعة شجاعة لا تخاف ولا تهاب ولا تنزعج مألوفة بيننا، والخوف لا يتحقق إلا بانتظار مكروه، والمكروه في ذاته كالنار، وهذا غير موجود في مجتمعنا منذ القدم، فلذلك تجد بعض البيوت لديها حوش خاص للطيور والدواجن والمواشي فيه عريش لحماية الحيوانات وكان يسمى «ذاك الحوش».

محمية خاصة
وتحدث أبو ناصر عن محميته ومحميات آخرين من الهواة مازال الكويتي مع الطيور إرث الآباء والأجداد، وأنا صغير أخذت الهواية من والدي، ربيت طائر فلامنغو وطيور الزينة والبرية، ووفرت بيئة تناسبهم من الصخور والنباتات، وحتى الطيور التي تحضر في الليل تضع نصفها في الرمل ورأسها في الخارج لتنام، وفي الصباح تتحرك وتزيل الرمل وتمارس حياتها، والمربي الكويتي تركيزه على «الوقواق» والراعي الأحمر والأصفر والأبيض، وفي مطلع الخمسينات جاءنا من إيران والعراق «يا كريم» تهجن عندنا، سميناه «المكنزع»، وفي محميتي مئات الطيور أوفر كل أنواع الغذاء والدواء، خاصة الديدان المستوردة من الصين وتايوان، ومصروف الطيور حوالي خمسين ديناراً في الشهر عدا العلاج والطبيب البيطري.. أقول: أجمل ما في الدنيا أنك تربي الطيور في منزلك، الطير لا يشتكي ولا يزعل ولا يحن ولا يون، يأتيك ويتقرّب وينظر إليك، وعندما تقدم له الغذاء والشراب يلتف حولك يقدر كرمك وإحسانك وعطفك له.
وأضاف: أفضل علاج أقدمه للطيور، أقوم بطحن الثوم والبصل مع قليل من الماء، علاج لكل الأمراض، من نصائح الأولين، بعد هذا العلاج تجد التكاثر والطيران في محميتك، لا تقتلوا الطيور وتحرموها نعمة الحياة، فصغارها بانتظارها، الطيور رمز للحرية والسلام والمراسلة، والجمال.

خاطف العيون
وتحدث عن طائر يخطف الأسماك، ويتعلق بشباك الصيد، رجلاه تشبهان البط، وجسمه دهني لا يتأثر بالماء، طائر خطر، وينكد عيون الأطفال (يخطف العيون) كأنه يلتقط الحبوب، طائر اللوهة بحري أسود اللون، حجمه بحجم الدجاجة، دائماً نشاهده على أعواد الحظور (جمع حظرة تنصب من أعواد القصب لصيد الأسماك بالقرب من الساحل) منقار طائر اللوهة دائماً أسفل، وعيناه أعلى، يلتقط كل يوم من 4 ــــ 7 كيلو غرامات من السمك، طائر زفر، رائحته غير مقبولة، وأي رائحة تبقى في الوعاء تسمى زفر، يكون لحماً أو دجاجة أو سمكاً، و«اللوهة» له القدرة على الغوص لملاحقة الأسماك، والمثل عندنا في الكويت «لا تنبه اللوه» (جمع اللوهة) «لوه»، وجسمه فيه قمل كثير (صبيان)، ومن لا ينظف شعره يعش القمل معه.
وأكد: أنا شاهدت هذا الطائر بعد أن عجز عن الطيران، نزل من جسمه عشرات القمل، وهو من فصيلة البط، والوجه مثل وجه طائر الجنة، وتغادرنا اللوهة إلى عمان واليمن والزنجبار تبقى وتعود.

صنعاوي
شاهدت بعض الحمام يتجول بيننا من دون خوف ورهبة حدثنا أبو ناصر عنه قائلاً: نسمي هذا النوع بالوغواغ أو الوقواق يمني من صنعاء، والبعض يسميه «صنعاوي» ،يقيم معنا في الكويت منه الأسود والأحمر والأبيض، صوته جميل مألوف شعبي، والرعيل الأول من الكويتيين يعشقونه لأنه اجتماعي وكثير الحركة في الديوانية، أتمنى ألا يختفي وينقرض الوقواق الصنعاوي من بيوتنا، وأتمنى أن تبقى الجميلات بيننا وتتعايش وتتكاثر.

تبديل.. تنظيف
الطير في بعض المواسم يقوم بإزالة ريشه بنفسه، وينبت ريش آخر خاصة عند الطيور التي تعيش في البيوت، وأول ما ينزع ريشه يظهر آخر مباشرة، وهذا الجديد نسميه «مشوك» مثل الإنسان الذي يزيل  الشعر من جسمه، وبعض الطيور أثناء نزع الريش لا تغرد ولا تسمع لها حركة، وظيفتها وضع المنقار في الماء وتبدأ بالتنظيف وتبديل الريش بكل هدوء وسكون.

أقوال عن الطيور
•  أكثر من مئة نوع من الطيور تمر بأرض الكويت في طريق هجرتها.
• لغز تراثي لا يزال شائعاً: يذكر الله ولا يصوم رمضان، يؤذن ولا يصلي «الديك».
• قدوم الطيور من سبتمبر إلى أكتوبر، وهجرة الإياب من يناير إلى أواخر مايو.
• طير طار في الأبحار، لاريش له ولا منقار (الرسالة).
• طارت الطيور بأرزاقها «انتهى الأمر، كل أخذ نصيبه».
• طير يلحق طير، الأول يدور السلامة والثاني يدور الخير، (الصقر عندما يطارد الحباري).
• طير على سعفه (المقصود كثير الأسفار).
• الطير بالطير يُصاد (إن الطيور على أشكالها تقع).
• العصفور الذي يزقزق لا يعرف إذا كان أحد سيسمعه.
• عصافير بسدرة (مثل كالنساء يتكلمن جميعاً).
• طير ياللي (يضرب المثل عن الاستخفاف بالشيء).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى