المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار عربية

معضلات خلافة عباس.. والشرعيات

سارع الرئيس الفلسطيني محمود عباس فور مغادرته المشفى قبل اقل من 10 ايام الى عقد اجتماع للجنة المركزية لحركة فتح التي يتزعمها، في محاولة منه للرد على فيض الاسئلة والاشاعات التي اجتاحت الرأي العام الفلسطيني وعدد من العواصم الدولية والاقليمية المعنية بالشأن الفلسطيني خلال ايام مرضه، حول خلافته ومصير النظام السياسي الفلسطيني من بعده.
مصدر الاسئلة، والمخاوف، يعود الى اسباب عدة، اولها، التباس النظام السياسي الفلسطيني نفسه، وعدم وضوح الحدود بين مكوناته، وثانيها، ولاسباب تاريخية تتصل بقيادة فتح لهذا النظام وحصر المواقع الاولى لمكوناته في يد الرئيس عباس ومن قبله الرئيس الراحل ياسر عرفات، وعدم الفصل بينها، ما ادى في واقع الامر الى نوع من احتكار الزعامة في شخص واحد على حساب دور ووظيفة المؤسسة، وثالثها، ان الرئيس عباس هو آخر الاباء المؤسسين للحركة، ومن بعده من المفروض ان تسلم الراية للجيل الثاني من قياداتها التي لم تفرز من بينها شخصية متفق عليها لخلافته، الامر الذي يثير شتى المخاوف من انفجار صراع بينها تطيح الاخضر واليابس، وقد شوهدت بعض ارهاصات مثل هذا الصراع ابان مرض الرئيس، حيث رفع انصار احد اعضاء مركزية فتح صوره كتب عليها خير خلف لخير سلف. ورابعها، ان حركة فتح، لم تعد اللاعب الوحيد في تحديد هوية هذا الخليفة. فحركة حماس المنافسة والخصم اللدود لها باتت لاعباً اساسياً في الوضع الفلسطيني، ولن تقف مكتوفة الايدي، ازاء الرئيس القادم. واخيراً، فإن عواصم القرار الدولي والاقليمي وبخاصة تل ابيب حاضرة بقوة، من خلال نفوذها وتأثيرها على أليات هذا الاختيار.

المؤسسة والفرد
الاشارات والتلميحات التي اوردها ابومازن في كلمته امام اجتماع اللجنة المركزية على اهميتها الا انها لا تشكل وحدها اجابة شافية على سؤال خلافته، حيث ركز على دور «المؤسسة»، لإدارة مقاليد االنظام السياسي ، بدلا من «ثقافة الفرد» ما يعني انه ما زال يتحاشى تحديد هوية خليفته، وسيترك هذه المهمة «للمؤسسة» لتقوم بها.
ولعل اشارته اكثر من مرة وفي اكثر من موقع في خطابه المذكور الى نجاح عقد المجلس الوطني نهاية شهر ابريل الماضي وتجديد شرعية منظمة التحرير وهيئاتها القيادية، وتأكيده ان «العمل جارٍ لعقد جلسة قريبة للمجلس المركزي»، الذي فوضه المجلس الوطني بجميع صلاحياته لاستكمال، كل مؤسسات المنظمة، وتشديده على «نحن نعمل كمؤسسة، وهي التي تقود وليس الأفراد» يؤكد ان عباس اعفا نفسه من مهمة اختيار خليفته، وقرر احالة هذه المهمة للمؤسسة، وقول عباس «ستبقى عامرة برجالها» هي اشارة اخرى الى ان جميع من يجلسون قبالته من اعضاء مركزية فتح هم بالنسبة له سواسية، ومتساوون في فرص خلافته.
بيد ان هذه الاحالة للمؤسسة، وفي ظل الانقسام الفلسطيني قد تتحول من اداة لتأمين الانتقال السلس لمرحلة ما بعد عباس، الى سبب اضافي لتعقيد مسألة خلافته. خاصة ان السياق الذي استخدم به مصطلح المؤسسة يشير الى ان المعني به هي منظمة التحرير ومجلسها المركزي، وهو ما يستدعي السؤال ماذا عن مؤسسات السلطة، ونظامها الاساسي، وما تضمنه من آليات حول ملء موقع الرئاسة في حال غياب الرئيس لأي سبب من الاسباب.
وإذا كانت مهمة اختيار خليفة له في رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مهمة اقل عسراً من رئاسة السلطة، حيث تستطيع تنفيذية المنظمة اختيار رئيسها من بين اعضائها، على الرغم من ان اجتماع المجلس الوطني السالف الذكر، تجاهل مسألة خلافة عباس، ولم يستحدث منصب نائب له، ما يفتح الباب على صراع بين ممثلي فتح في التنفيذية، والمجلس المركزي على خلافته.

رئاسة السلطة
اما بخصوص رئاسة السلطة، فإن قانونها الاساسي ينص صراحة على تولي رئيس المجلس التشريعي منصب الرئيس لمدة لا تزيد على 60 يوماً تجري خلالها انتخابات للرئيس الجديد. غير ان هذا النص على وضوحه، تحول دون تطبيقه عقبتان، اولاهما ان عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي من حركة حماس، ما يعني استحالة قبول حركة فتح بتوليه هذا المنصب حتى لمدة شهرين، وقد رأى البعض بافراج سلطات الاحتلال عنه من السجن الاسبوع الماضي اثناء مرض عباس اجراءً اسرائيلياً خبيثاً لاشعال الخلاف بين الحركتين، خاصة ان «حماس» اعلنت على لسان عدد من قادتها انها لن تتنازل عن تولي الدويك الرئاسة خلال المدة الانتقالية لأنه حق له ولها، وثانيتهما: ان المجلس التشريعي ورئيسه انقضت مدتهما القانونية منذ عام 2010، ولم يمدد له، وبالتالي فقد شرعيته.
امام هذه المعضلات، ثمة تسريبات تتحدث عن ان اجتماع المجلس المركزي للمنظمة المقرر عقده بعد عطلة عيد الفطر سيضع اليات لخلافة عباس في مناصبه المختلفة، سواء باستحداث منصب نائب رئيس لتنفيذية المنظمة، او باحالة تعيين رئيس السلطة خلال المدة الانتقالية الى المجلس المركزي بصفته هيئة اعلى، وهو الذي قرر انشاء السلطة، الى ان يتاح اجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة.
ما ورد اعلاه، ليس سوى عينة عشوائية على حجم العقبات التي تلقي بظلالها على الحالة الفلسطينية في اليوم التالي لغياب عباس، وتثير المخاوف باندلاع صراع جديد يطيح كل الشرعيات الفلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى