المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

مطبعة الخرافي تنير طريق المكفوفين

لا يختلف المكفوفون عن غيرهم من فئات المجتمع، من حيث الجد والاجتهاد والذكاء والعلم والمعرفة، بل إن بعضهم يتفوق في ذلك على غيره، ونجحوا في تحدي إعاقتهم البصرية من خلال المساهمة في العطاء والإنتاج والمشاركة في البناء الحضاري والتنموي في المجتمع الذي يعيش فيه، هذا ما جسده القائمون على مطبعة عبدالمحسن الخرافي في الجمعية الكويتية للمكفوفين والعاملين بها ممن أثبتوا أن كف البصر ليس عائقاً أمام التنمية والقيادة والكفاح وتحقيق الريادة ونشر الثقافة والمعرفة.
وبالإرادة والعزيمة، هزم المكفوفون الظلام والجهل لإنارة عقول أقرانهم وبصيرتهم بالعلم والمعرفة والثقافة، بل أثبتوا قدرتهم على إدارة المطبعة والإشراف عليها.
وفي مشهد لافت أشبه بخلية نحل، اندمج العاملون المكفوفون وأغلبهم من النساء في العمل مع نظرائهم المبصرون بكل نشاط وعزيمة جنبا إلى جنب في مكان واحد تسوده المحبة والألفة، فبينما كان المبصرون يقومون بمهمة الطباعة والتغليف، كان المكفوفون يتابعون عملية التدقيق اللغوي والمراجعة والتنسيق والتقسيم ومواءمة الصور والرسومات البيانية.
القبس زارت مطبعة المرحوم محمد عبدالمحسن الخرافي، التابعة لجمعية المكفوفين الكويتية، وهي أول دار نشر عربية للمكفوفين وأحدث مطبعة على مستوى الوطن العربي لطباعة الكتب بطريقة برايل، حيث سجلت العديد من الإنجازات، أهمها طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل وترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنكليزية بطريقة برايل، كما تمت طباعة كتاب علم العروض لأول مرة بطريقة برايل وتطوير المصطلحات العروضية، إضافة إلى طباعة المناهج الدراسية والمذكرات للطلبة المكفوفين بلغة برايل في الجامعات والكليات التابعة للهيئة العامة والتعليم التطبيقي، وإصدار أمهات الكتب والمصادر الثقافية ورزنامة سنوية للمبصرين والمكفوفين.

أهمية القراءة
وقال مدير المطبعة فايز العازمي إن مطبعة المرحوم محمد عبدالمحسن الخرافي تأسست عام 1995، بدعم وتمويل سخي من ورثة المرحوم محمد عبدالمحسن الخرافي، وتكريما له سميت المطبعة باسمه، وذلك تلبية لرغبة مجموعة من أعضاء الجمعية الذين أدركوا أهمية القراءة وحاجة الكفيف للكتاب لتكون أكبر مطبعة للمكفوفين في الشرق الأوسط، تجاوزت مطبوعاتها ألف كتاب، مضيفا «وقد توليت إدارة المطبعة منذ عام 2006 ولم اكتف بطباعة كتب متفرقة كما بدأت المطبعة، بل سعيت لاستقطاب مشاريع منها مجلة العربي والعربي الصغير، وجريدة كويت اليوم، وسلسلة إبداعات عالمية ومجلة الوعي الإسلامي وبراعم الإيمان».
وأضاف بالقول «تمتد خدمات المطبعة داخل وخارج الكويت حيث طبع المصحف بطريقة برايل، ووزع بالمجان على المكفوفين داخل الكويت وخارجها. ومن خلال المطبعة تمت طباعة كتب في مختلف العلوم على رأسها بعد القرآن الكريم كتب في الدين واللغة والتاريخ وغيرها، مشيرا إلى أن من أهم ما طبع الدستور الكويتي.
وأضاف أن المطبعة تولي الطلبة أهمية حيث تقوم بطباعة كل ما يخدم مقرراتهم الدراسية من كتب ومذكرات، وتستغرق طباعة الكتب ما بين أسبوع إلى أسبوعين، وتختلف أسعار الكتب تبعا لاختلاف عدد الأوراق لكل كتاب، مشددا على أهمية المطبعة للكفيف نظرا لتنوع ما تقدمه من مواد ثقافية.

صعوبات
ولفت إلى أن المطبعة تعاني صعوبات من أهمها قلة الدعم المادي وعدم توفر الصيانة، وتأخر كل من جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب في سداد تكلفة الكتب المطبوعة لهما، مبينا أن من سبل المطبعة التسويقية المشاركة في معرض الكويت الدولي للكتاب سنويا، وطباعة قائمة الإصدارات بطريقة برايل وتوزيعها على المكفوفين.
وأردف بالقول: وتراود المطبعة طموحات كثيرة أهمها طباعة الموسوعة الفقهية والسعي لتحويل مطبوعات الدولة الرسمية الى طريقة برايل، ونرجو من دور النشر داخل الكويت التعاون مع المطبعة لتحويل إصداراتها إلى طريقة برايل بحيث نكون وإياها سببا في فتح نوافذ الثقافة للكفيف، ونتيح له الفرصة لقراءة كل ما يستجد من إصدارات حديثة أسوة بغيره من الأسوياء، ملمحا إلى أن طموح المطبعة يمتد خارج نطاق الكتاب الورقية ليشمل الكتاب الإلكتروني، فبتوجيهات سامية من القيادة، يجري العمل على إنشاء المكتبة الإلكترونية التي نتوقع أن ترى النور قريبا.
وخلال جولتنا بين أقسام المطبعة التقينا مع المسؤول عن التدقيق داخل المطبعة أيمن الشومي، وهو كفيف التحق بالمطبعة عام ١٩٩٥ منذ انطلاقها كمدقق وتدرج في عدة مناصب إلى أن أصبح مسؤولا عن قسم التدقيق.

نظام الصفيح
وذكر أن فكرة مشروع المطبعة انطلقت قبل الغزو العراقي ١٩٨٩٩، حيث كان يوجد مطبعة قديمة تعمل بنظام الصفيح وتطورت بدعم من معهد الكويت للأبحاث العلمية بعد التحرير عام ١٩٩٢، بعد أن قام مجموعة من المهندسين الكويتين من معهد الكويت للأبحاث العلمية ببرمجة طريقة برايل عبر الحاسوب عن طريق برنامج «كيسر»، وتم تطبيق البرنامج في مطبعة النور التابعة لوزارة التربية، ومن ثم تم تطبيقه في الجمعية عام ١٩٩٤ وتم افتتاح المطبعة فعليا في ١٥ اكتوبر ١٩٩٥.
وزاد بالقول: ويعد الهدف الأساسي من إنشائها هو طباعة القرآن الكريم، وبالفعل تم تشكيل لجنة من ذوي الخبرة من المكفوفين تحت إشراف وزارة الأوقاف لطباعة القرآن، وفي عام ٢٠٠٥ تمت طباعة أول إصدار من القران بطريقة برايل.
وتحدث الشومي عن عمله مدققاً في المطبعة قبل التطور التكنولوجي وبعده، موضحا أن التدقيق في البداية كان يتم يدوياً ومع التطور التكنولوجي أصبح آليا، من خلال استخدام برامج خاصة للتدقيق عبر الحاسب الآلى.

تطور الطباعة
وتابع بالقول: في البداية كانت طبيعة عملي تعتمد على القراءة الورقية التقليدية، بخلاف الوضع الحالي، حيث أصبحت عمليتا القراءة والتدقيق تحدثان إلكترونيا عبر الحاسب الآلي باستخدام الأقراص المدمجة أو الفلاش الميموري، مشيرا إلى أن القرآن الكريم المطبوع بطريقة برايل للمكفوفين يتكوّن من ستة مجلدات.
وزاد بالقول: ما تتميز به طباعة القرآن الكريم بطريقة برايل في الكويت، أنها تتم الاستفادة من كل المميزات التي تميزت بها المصاحف التي طبعت خارج الكويت، من حيث الالتزام بقواعد طباعة برايل وجميع أحكام التلاوة المعتمدة في المصاحف، لافتا إلى أن المطبوعات تذهب إلى كل الدول العربية، والى كل قارئ باللغة العربية حتى في المهجر، حيث تم توزيع نسخ مجانية من المصاحف المطبوعة بطريقة برايل على كل الدول العربية والإسلامية، وكذلك عدد من الدول الأوربية بتبرعات من أصحاب الأيادي البيضاء في الكويت.
وأشار إلى أن المطبعة تنقسم إلى قسمين؛ قسم خاص بطباعة كتب متنوعة المجالات، إضافة إلى طباعة القرآن الكريم بنظام الصفيح، في حين يختص القسم الآخر بتغليف وطباعة القرآن المطبوع بنظام الصفيح إلى ورق برايل، كما أن المطبعة تحتوي على ورشة مجهّزة تختص بتغليف المصاحف والكتب التي تتم طباعتها بطريقة برايل وتجليد وترميم الكتب القديمة، مضيفا «ويتميّز العاملون البالغ عددهم ٢٥ موظفا وفنيا من الجنسين، وأغلبهم من النساء، بالثقافة والخبرة والتعليم العالي، إضافة الى إجادة استخدام المهارات الخاصة بطريقة برايل.

أجهزة وطابعات
وعن الأجهزة والطابعات المستخدمة في المطبعة، لفت الشومي إلى أنها من أحدث التقنيات العالمية في طباعة برايل، حيث تشتمل المطبعة على خمس طابعات من انتاج شركة بريلو العالمية، وتصل سرعة الطابعة الواحدة إلى ٤٠٠ حرف في الدقيقة، اضافة إلى الأجهزة الخاصة بطباعة القرآن الكريم والتي تستخدم نظام الصفيح، وهو الأكثر دقة في طباعة المصاحف.
ولم يحرم المكفوفين من حقهم في متابعة الأحداث حول العالم، وكما للمبصرين كتبهم ومجلاتهم، فإن الحال كذاك مع المكفوفين، حيث طبعت المطبعة المئات من الكتب في المجالات الثقافية والدينية والعلمية والتاريخية التي تهم مختلف الشرائح، بعضها يتكون من عدة أجزاء من أشهرها زبدة التفسير، اللؤلؤ والمرجان في ما اتفق عليه الشيخان البخاري ومسلم في الحديث، اضافة إلى مجموعة من القصص والروايات العالمية وكتب اللغة بفروعها المختلفة، وكتب التاريخ والثقافة وكتاب أطلس الكويت وكتاب تاريخ الكويت ودستور الكويت، وكذلك قانون الأحوال الشخصية الكويتي وقانون الجنسية الكويتي إلى جانب طباعة قانون المعاقين، ولَم تغفل المطبعة عن طباعة الكتب الخاصة بالمرأة والطفل، كما حرصت على طباعة كتب باللغة الإنكليزية، ولعل أشهرها ترجمة معاني القرآن كاملة باللغة الإنكليزية.
تسويق الكتب

تحدث أيمن الشومي عن آلية تسويق إصدارات المطبعة، قال الشومي إنها تتم عن طريق المعارض والوفود الزائرة للجمعية وكذلك الجمعيات المعنية بالمكفوفين داخل الكويت وخارجها، كما تحرص الجمعية على المشاركة سنويا في معرض الكتاب الدولي الذي ينظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت وكذلك المعرض الإسلامي.

صعوبات وأعباء

عرج الشومي إلى الصعوبات التي تواجه المطبعة، مشيرا إلى أن طباعة كتب المكفوفين مكلفة وباهظة الثمن مقارنة بالكتب العادية، نظرا لنوعية الطباعة والأوراق المستخدمة، إضافة إلى عدم توفير الورق ذي الجودة المناسبة للطباعة في الأسواق المحلية، ما يضطرنا إلى استيراده من الخارج وهو مكلف، فضلا عن ندرة الفنيين المتخصصين في صيانة الأجهزة وطباعتها بطريقة برايل، لافتا إلى أن معهد الكويت للأبحاث العلمية يعتبر الجهة الوحيدة التي يتوافر لديها الدعم الفني والمتخصص في طابعات برايل، حيث يقوم بصيانة الأجهزة مجانا متى دعت الحاجة.

تعاون مع {الإعلام}

استعرض الشومي أوجه التعاون بين المطبعة والجهات رالمعنية، لافتا إلى التعاون مع وزارة الإعلام ممثلة في مجلة العربي والعربي الصغير وبيت العربي والعربي العلمي، وهناك تعاون مع المجلس الوطني للثقافة والآداب لطباعة سلسلة إبداعات عالمية كل شهرين، وكذلك التعاون مع الجريدة الرسمية الكويت اليوم ومجلة الكويت.
وأردف بالقول: وتعاونت المطبعة مؤخرا مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في طباعة مجلة الوعي الإسلامي وبراعم الإيمان، وهناك تعاون مع المجلس الوطني في طباعة سلسلة منارات ثقافية تتناول سير حياة وإنجازات مجموعة من الأدباء والشعراء الكويتين، لافتا إلى تعاون المطبعة مع الأمانة العامة للأوقاف، حيث تمت طباعة مجموعة من الكتب الإسلامية والعلمية للأطفال والكبار، إلى جانب إصدار مجلة الشروق، وهي مجلة اجتماعية كويتية ثقافية للمكفوفين تأسست عام ١٩٨٢بدعم من وزارة الإعلام.
جهود المتبرعين

توجه فايز العازمي بالشكر إلى كل من سعى إلى إنشاء هذه المطبعة وكل الجهات الداعمة للمشاريع التي قُدمت حتى الآن، وكل المتبرعين الذين ساهموا في توزيع كتاب الله على المسلمين في أنحاء العالم كافة.

نشر الثقافة.. وتيسير المناهج

شدد الشومي على أهمية المطبعة في نشر الثقافة وتوفير كتب برايل للمكفوفين لكل قارىء عربي وأجنبي وتيسير المناهج الدراسية للطلبة الجامعيين وفتح آفاق الثقافة أمام المكفوفين باطلاعهم على مجلات عريقة في الثقافية العربية، فضلا عن دمج ذوي التحديات البصرية في الجامعات والكليات من خلال طباعة الكُتب بطريقة برايل مع نظرائهم المبصرين.

صحف بطريقة برايل
تمنى الشومي وجود تعاون بين المطبعة والصحف اليومية الكويتية لطباعة الصحف اليومية بطريقة برايل ولو لعدد محدود من النسخ لتيسير تواصل ذوي الإعاقة البصرية مع الأحداث الجارية، محليا وإقليميا وعالميا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى