المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

«مشروع الديموقراطية».. أي أمل في النجاح؟

في أحد فصول كتاب «مشروع الديموقراطية: التاريخ، الأزمة، الحركة»، الذي ترجمه أسامة الغزولي لسلسلة عالم المعرفة، يقول المؤلف ديفيد غريبر إنه في خريف عام 2011 شعر الكثير منا أننا أمام ثورة عالمية، فيما كانت موجات الاحتجاج، التي بدأت من تونس تجتاح العالم، ثم رأينا تظاهرات في الصين وتظاهرات واحتلالات تحدث يوميا في بلاد أخرى، ومنها حركة «احتلوا وول ستريت»، التي كتب عنها هذا الكتاب، الذي يرى المترجم أن قراءته ضرورية لفهم علاقة حركات الربيع العربي بالحركة الفوضوية العالمية، المناهضة للدولة القومية، ولإدراك الفوارق في الطروحات النظرية والنتائج المترتبة عليها، عندما تتحول إلى مواجهات في شوارع نيويورك ولندن واثينا وغيرها، أو قراءة تاريخ حركة الفعل المباشر والديموقراطية التشاركية والتحول السياسي ومستقبلها، كما قال الكاتب معلنا عن كتابه على موقع «سوق الناشرين»، وهو يعد الكتاب لدار راندوم هاوس.
يناقش الكاتب إمكانية الديموقراطية في أميركا، وانفتاح الخيار الراديكالي، الذي سمحت به حركة وول ستريت، فبنظره أميركا بلد غير ديموقراطي، ويقول «لن تجد في أي جزء من إعلان الاستقلال، أو في الدستور، ما يقول شيئاً عن أميركا، باعتبارها ديموقراطية»، و«لا شيء يخيف حكّام أميركا أكثر من أن يلوح طيف الديموقراطية». غريبر يشير إلى أن تخليق ثقافة ديموقراطية سيتعين أن يكون عملية طويلة الأمد، لإنها بالنهاية عملية تحول خلقي عميق، ولكننا ندرك أن هذا قد حدث من قبل، فقد عرفت الولايات المتحدة حركات اجتماعية أحدثت تحولات أخلاقية عميقة، مثل الحركة النسوية وإلغاء العبودية، وإن استغرقت وقتا طويلا، ولكن هذه الحركات كانت خارج النظام السياسي الرسمي، ووظفت آليات العمل والعصيان المدني، لذلك من الممكن برأيه أن تكون حركة «احتلوا وول ستريت» فرصة لتجديد المشروع الديموقراطي، وإن كان مشروعا طويل الأمد.

حركة عالمية
في هذا الكتاب يرى غريبر أن مشروع «الديموقراطية المباشرة»، كما يسميه، يمكن أن ينشأ عالمياً، عبر نشأة حركات العدالة العولمية، التي نشأت بداية في المكسيك عام 1994 مع التمرد الزاباتيستي، ثم وصلت إلى الولايات المتحدة مع الأحداث الجماهيرية، التي عطّلت اجتماعات منظمة التجارة العالمية في سياتل عام 1999، وهي آخر لحظة، كما قال غريبر لدى أصدقائه الفوضويين، شعروا فيها بإمكان تخلق نوع من الحركة الثورية العالمية، حيث كانت حركة «احتلوا الشوارع» تقيم كل يوم حدثا أو حفلا أو نشاطا، بعد ما جرى في سياتل، إلى أن جاء الحادي عشر من سيتمبر فضرب كل شيء بقوة.

إجابات وتساؤلات
يطرح المؤلف بعض التساؤلات، التي قد تطرأ على ذهن القارئ أو المهتم بحركة «احتلوا وول ستريت»، وتعاطي الإعلام الأميركي معها، وكيفية تغطيته لها، والتي كانت مختلفة عن تغطيتها لكل حركة احتجاج منذ ستينات القرن الماضي، فهي قد تجاهلتها بداية، بل وسخرت منها، إلى أن قررت أن تأخذها بجدية بمرور الوقت، ويجيب عن سؤال آخر حول سبب تأييد الجمهور الأميركي للحركة بقوله: «هم شباب فعلوا بالضبط ما طُلب منهم أن يفعلوه، فدرسوا، والتحقوا بالكليات، والآن، هم لا يعاقبون على ذلك فحسب، لكنهم يُهانون، يواجهون بحياة يعيشونها باعتبارهم فاشلين، عديمي الضمير، فهل من المدهش حقاً أن يتطلعوا إلى كلمة لأباطرة التمويل، الذين سرقوا مستقبلهم؟». وقد أدرك خبراء مكافحة التمرد في الولايات المتحدة كما قال، ومنذ وقت طويل «أن المنبع المؤكد للغليان الثوري في أي بلد من البلدان، هو تزايد عدد السكان المتعطلين والمعوزين من خريجي الكليات: أي الشبان من ذوي الطاقات الفوارة، الذين لديهم فائض كبير من الوقت، ولديهم كل مبررات الغضب، والقدرة على مطالعة تاريخ الفكر الراديكالي كله».

لهجة تعليمية
مترجم الكتاب أسامة الغزولي يرى في أفكار غريبر وما كتبه طابعا تعليميا في حديثه عن حركة الحركة ومساراتها المحتملة والمشكلات التي واجهتها، أو ظهور لسمة القائد والمعلم، التي يفترض أن يتنكر لها «فوضوي» مثله، يتطلع إلى تنظيم المجتمع على أساس أفقي، وخصوصا في الجزء الذي يحمل عنوان «قائمة موجزة بأسئلة وأجوبة حول التوافق»، ولكن الكتاب يحمل طابعا خاصا يؤلف بين ثلاث نغمات متوافقة هي: النغمة الذاتية الأتوبيوغرافية تلونها المرويات، والنغمة الفلسفية التحليلية، ونغمة أكاديمية أنثروبولجية تؤدي فيها المرويات دور التوضيح، ومع ذلك يجد القارئ مسحة من اللهجة التعليمية، رغم براعة الكاتب في العزف على النغمات السابقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى