«مشادات حادة» بين قطر و«الرباعي العربي»
انتقلت الأزمة بين الدول الأربع وقطر من التلاسن الإعلامي، الى مواجهة علنية، حيث شهدت الجلسة الافتتاحية لاجتماع المجلس الوزاري العربي في دورته العادية الـ148 على مستوى وزراء الخارجية في القاهرة أمس، مشادات بين ممثلي قطر والدول الأربع، أعاد فيها كل طرف مواقفه مصحوبة بحدة واضحة في الحديث وردود غاضبة، تعكس أن أجواء الأزمة ما زالت مشتعلة، وظهرت بشكل لافت في أول اجتماع يضم الأطراف الدول الخمس وجها لوجه منذ تفجّر المشكلة في يونيو الماضي.
المشادات تصاعدت بعدما طلب سلطان بن سعد المريخي وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري الكلمة للرد على كلمتي وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش ومندوب السعودية الدائم بالجامعة العربية احمد القطان، ورد فيها بشدة على الكلمتين وعقب انتهاء كلمته حاول رئيس الجلسة وزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف رفعها، وهو ما احتجت عليه الدول الأربع بشدة، وطالبت بإعطائها الحق في الرد على كلمة قطر، وقالوا إنها لم تكن مدرجة على جدول الأعمال، وتمسّكوا بمطالبهم وهو ما وافق عليه رئيس الجلسة.
عنصر بناء لا هدم
وكان قرقاش دعا قطر الى أن تكون عنصر بناء، وليس هدم الدول العربية، موضحا أن «ممارسة السيادة كما تتحدث قطر» لا تعني تقويض استقرار باقي الدول، ويتم استخدام المتطرفين لضرب استقرار المنطقة، مؤكدا أن السياسات القطرية خلال العقدين الماضيين عانى منها كثير من الدول العربية، وأن الأزمة مع قطر حقيقة، وليست إعلامية؛ لأن الدوحة ـــــ إحدى دول مجلس التعاون الخليجي ـــــ تسعى لتثبيت موقف على حساب الاستقرار بالنظام العربي.
في حين قال أحمد بن عبدالعزيز قطان إن الإجراءات التي اتخذتها المملكة ومصر والإمارات والبحرين ضد الدوحة إجراءات سيادية، جاءت في ضوء السيادة الخاطئة التي تمارسها الحكومة القطرية على مدى سنوات، في ما يتعلّق بدعم الإرهاب وتمويله، واستضافة المتورّطين فيه على أراضيها، ونشر الكراهية والتحريض، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الخليجية.
وفي ما يخص تقارب قطر مع إيران، قال: هذا قرار سيادي، ولكن الارتماء في أحضان الإيرانيين وغيرهم لن يأت من ورائه إلا الخراب والدمار، والنتيجة ستكون سلبية، والجميع يعلمون حقيقة ما تقوم به إيران من أدوار سلبية تجاه الدول العربية.
اتهامات بلا دليل
وطلب المندوب القطري التعقيب، وسمح له رئيس الجلسة، وقال سلطان بن سعد المريخي إن بلاده تدعم الوساطة الكويتية، وترفض أي محاولات تمس سيادتها، وان اغلب الاتهامات هي اتهامات إعلامية، ولم تقدّم أي دولة دليل عليها، وان الموضوع لم يعد قضية الإرهاب وإنما محاولة من هذه الدول تغيّر النظام في قطر، وان اتهام قطر بالتقارب مع إيران غير صحيح لان إيران أثبتت أنها دولة شريفة، «وتقاربنا معها بسبب ما رأيناه من الدول الأشقاء، ونحن تضامنا مع السعودية وإذا كنتم متخيلين أنكم تضروننا في شيء، فالضرر على الخليج العربي كله».
وبعدها، طلب المندوب السعودي التعليق، لكن رئيس الجلسة قرر رفع الجلسة الافتتاحية، وقال إن الموضع يناقش في الجلسة المغلقة، وهو ما أثار حفيظة الدول الأربع، وأعلنت تمسكها بأن يكون الرد على الهواء مباشرة مثلما سمح رئيس الجلسة بأن يكون الرد القطري على الهواء.
مهاترات غير مقبولة
ورغم مطالبة وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجفري بأن تتمسّك الدول بالهدوء لحساسية القضية ومناقشة كل الآراء في الجلسة المغلقة، فإن الدول الأربع رفضت، وأخذ وزير الخارجية سامح شكري الكلمة، وقال إن كل حديث المندوب القطري مهاترات غير مقبولة، وإن مصر عانت من دعم قطر الإرهاب، وإن الدوحة مستمرة في دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في دول المنطقة، وإن شعب مصر له حضارة 7 آلاف سنة ولا يقبل هذه المهاترات من مندوب قطر، مؤكدا أن مصر عندما تتحدث عن دعم قطر الإرهاب فإنها تتحدث من واقع ما لديها من مستندات ووثائق.
هنيئاً لكم إيران
وأخذ القطان الكلمة، وقال «يقول (مندوب قطر) إيران دولة شريفة! والله هذه أضحوكة! إيران التي تتآمر على دول الخليج.. التي لها شبكات جاسوسية في البحرين والكويت أصبحت دولة شريفة.. التي تحرق سفارة السعودية.. هذا هو المنهج القطري الذي دأبت عليه».
وأضاف «هنيئا لكم بإيران، وإن شاء الله عما قريب سوف تندمون على ذلك».
وأشار قطان إلى موقف الرئيس الأميركي من إيران ومن قطر: قائلا: «كم من مرة قال ترامب إنه يجب على قطر أن توقف دعم الإرهاب»، في إشارة إلى تفهم واشنطن الدور الذي تلعبه الدوحة.
كما أكد السفير قطان أن اتصال أمير قطر السابق مع معمر القذافي يؤكد تآمر الدوحة على الدول العربية.
في حين رد مندوب البحرين الدائم لدى جامعة الدول العربية قائلا إن قناة الجزيرة نقلت أكثر من مرة أخباراً زائفة عن البحرين، مشددا على أن بلاده تمتلك تسجيلات لوقائع واضحة «تقوم خلالها قطر بدعم الإرهاب» في بلاده، وان المطالب الـ13 تدعو قطر الى وقف دعمها الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وبلاده عانت وما زالت تعاني من هذا التدخل.
سجال الرد
وسمح رئيس الجلسة مرة ثانية لمندوب قطر بالتعليق واعترض المندوب السعودي، وقال اننا سندخل في سجال الرد والرد عليه، وفق رئيس الجلسة، انا معكم للصبح. وقال المندوب القطري إن بلاده تدعم مبادرة الكويت لحل الأزمة وترفض الاتهامات التي قيلت ضدها، وان قوائم الإرهاب تضعها الأمم المتحدة ولا تضعها الدول لمعارضيها.
وعقب كلمته، قال رئيس الجلسة: إن كل الوفود أخذت كلمتها، ثم رفع الجلسة العلنية وحولها لجلسة مغلقة.
تضاؤل آمال التسوية
وبعد مرور مئة يوم على إعلان الدول الأربع قطع العلاقات مع قطر، لا يرى خبراء آفاق حل للأزمة التي يرجحون استمرارها حتى عام 2018، وربما بعده.
ويقول الخبير في الشرق الأوسط في جامعة دورهام البريطانية كريستوفر ديفيدسون لوكالة فرانس برس «لو استمر المسار الحالي (للأزمة)، أوقع أن تستمر الأزمة حتى العام المقبل». ويرجح المحلل السياسي كريستيان اولريشسين المتخصص بالخليج في معهد بايكر للسياسات العامة في جامعة رايس الاميركية ألا تنتهي الأزمة في وقت قريب.
ويقول إن «الاحساس بالمرارة والخيانة عند كل الاطراف كبير جدا، ولا أحد يريد أن يكون الطرف الذي يتنازل أولا».
ويشير إلى أن «الخلاف الدبلوماسي في 2014 (حين سحبت البحرين والسعودية والامارات سفراءها من الدوحة) استمر لثمانية أشهر، والأزمة الحالية تتجاوز في عمقها خلاف 2014؛ لذا من المرجح أن تستمر فترة أكبر».
ويوضح اولريشسين أن الأزمة تدمر وتسيء الى سمعة دول الخليج في الخارج. ويضيف «يبدو بشكل واضح أن قادة الخليج لا يفهمون كيف تقوض الأزمة سمعتهم كشركاء أمنيين موثوق بهم في الغرب».
لكن الأزمة أظهرت أيضا عجز الغرب عن حل النزاع، وقبل عدة أيام، عرض الرئيس الاميركي دونالد ترامب القيام بدور «الوسيط» في الأزمة التي اعتبرها «أمراً سيتم حله بسرعة جدّا»، قبل أن ينشب خلاف جديد بين الرياض والدوحة بعدها بأيام قليلة.