يواجه بعض البنوك الكويتية تعقيدات واضحة في الالتزام بالتعليمات الخاصة بنظام معدلات السيولة، ما دفع المصارف للطلب من بنك الكويت المركزي إبداء مرونة في تطبيق القواعد المنظمة في هذا الخصوص.
وفي التفاصيل، علم أن مسؤولي الخزينة في البنوك الكويتية عقدوا أخيراً اجتماعاً مع مسؤولين في «المركزي» طلبوا خلاله، بعض التسهيلات الخاصة التي تسمح لهم بتجاوز الحدود الخاصة بفجوات السيولة المحددة رقابياً، في ظل نسب سيولتها المؤهلة للانخفاض.
وربطت البنوك طلبها في هذا الشأن، بالمتغيرات المالية التي طرأت عليها في الفترة الأخيرة، وأبرزها، انخفاض معروض الدولار، بضغط من تراجع الودائع الأجنبية، وتعاملات فيما بين البنوك «الانتربنك»، علاوة على سحوبات بعض الجهات الحكومية من ودائعها في الفترة الأخيرة، التي شكلت ضغوطات إضافية على نسب السيولة، كما أن توجه المستثمرين أكثر نحو الاحتفاظ بالكاش، أضعف خطط البنوك في الاقتراض طويلة الأجل، بأدوات مثل الصكوك أو السندات الدولية التي بات الاستثمار فيها عزيزاً إلى حد كبير.
وبالطبع توجد أسباب إضافية تحد من قدرة البنوك على رفاهية إدارة سيولتها وفقاً للحدود القصوى، من بينها إعادة تبويب التمويلات السيادية التي بات تصنيفها مرتبطاً بتصنيف البلد المقترض ائتمانياً، علماً بأن البنوك الكويتية كانت في السابق غير مضطرة لاحتساب أي معدل مخاطر مقابل التمويلات السيادية وتحديداً الخليجية، حيث كانت تصنف في معدلات السيولة بنسبة «زيرو» مخاطر.
في المقابل يبدي «المركزي» تفهماً واسعاً لهذه المتغيرات، حيث وافق شفاهة على تقديم المرونة المناسبة في هذا الخصوص، على أن تقدم البنوك التي تتجاوز الحدود الخاصة بالفجوات المذكورة في التعليمات موافاته بمبررات عدم قدرتها على الالتزام بحدود تلك الفجوات، إضافة إلى تزويد «المركزي» ببرنامج زمني يوضح الإجراءات التي ستتخذها لمعالجة أوضاعها بشكل تدريجي للوصول إلى النسب المقررة، بما يضمن رقابياً عدم انفلات البنوك في إدارة سيولتها.
وللتوضيح، وبعيداً عن التعقيدات، لا تواجه البنوك الكويتية أي تحديات في أحجام السيولة لديها فلا يعد سراً أنها تتمتع بفوائض عالية جداً من السيولة ذات الكفاءة التي ساعدتها في بناء مصدات قوية، سواء لجهة فوائضها أو لهيكل رؤوس أموالها القوي.
لكن هناك فارق بين أحجام السيولة المتاحة مصرفياً والتحديات التي ينشئها الالتزام بإدارة السيولة المقررة، وفقاً لسلم الاستحقاقات، فالقطاع المصرفي يواجه ضغوطاً وتحديات تنظيمية مع تطبيق المزيد من المعايير الصارمة وفقاً لمتطلبات «بازل 3» الدولية وضغوط المعيار الدولي للتقارير المالية «IFRS9» (المعيار المحاسبي رقم 9)، الأمر الذي ألقى بظلاله على بعض البنوك، التي تأثرت بالتسويات المتعلقة بهذه المعايير ما أنشأ عقبات محاسبية دفعت بعض البنوك لتخطي التعليمات المنظمة.
والغرض من استخدام نسب السيولة التأكد من قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها في الأجل القصير عندما يحين موعدها. حيث تشير السيولة إلى اليسر المالي الذي تتمتع به البنوك بشكل عام.
ويلزم «المركزي» البنوك باتباع نسب محددة في إدارة سيولتها وفقاً للمعايير المحاسبية المتبعة، لكن معضلة البنوك المحلية أن تطبيق هذه النسب يكون بهوامشها القصوى، والمستهدف بعض المرونة بتطبيق الحدود الأدنى ضمن نطاق هذه المعايير.
ولأن «المركزي» الكويتي محافظٌ بطبعه يميل الناظم الرقابي لإلزام البنوك المحلية بتطبيق الحدود القصوى من المعايير المحاسبية المطبقة في تنظيم معدلات السيولة.
وإذا كان من باب الموضوعية أثبت هذا التشدد الرقابي فعاليته في مواجهة الأزمات التي مرت على الأسواق محلياً وخليجياً، منذ 2008، إلا أن شيئاً ما تغير على متطلبات السيولة، شكل ضغوطاً كبيرة على قدرة بعض البنوك في المواءمة بين التزاماتها طويلة الأجل «الودائع» مقابل أعمار استحقاقاتها «القروض».
وهنا يبرز التعقيد المحاسبي في الالتزام بهوامش الحدود القصوى لتنظيم سيولتها، ما أدى إلى انكشاف بعض البنوك على قروضها طويلة الأجل فاضطرت للطلب من الرقيب إبداء مرونة عقلانية في تطبيق متطلباته للسيولة، على أن يسمح لها بتخفيض هوامش هذه النسب إلى الحدود الأدنى دون خروجها من معدلات الدائرة المحاسبية المقررة.