
كان يبحر في لجج البحر، لكن الأمواج العاتية لم تعيده إلى الوطن؛ بل جرفته إلى جزيرة معزولة لاحياة فيها أصبح وحيداً يشعر بالحنين، محاط ببضع شجيرات وجدول الماء الواشك على النضوب، ظل في كل يوم يسامر نجوم السماء وينظر في الأفق عله يجد أحداً لنجدته لكن؛ دون جدوى أصبح وأمسى وهو على حالٍ واحد، إلى أن انقضت بضعة أيام، كان يخاف فيها النوم وكان تخوفه أن يمر أحد في عرض البحر دون أن يراه، وكان النوم يتسلل إليه ومايلبث الا سويعات ويصحو فزعاً، يقف على أطراف الشاطئ ويأخذ نفساً عميقاً ويصيح بملء رئتيه نحو كل مدى أنقذوا هذا البائس الوحيد!
راحت خانة الذكريات تأخذه نحو الماضي يمر عليه كل شيء. تذكر أشياءً لم تعد موجودة مدفونة في باطن عقله.
ومن شدة وحدته، تذكر سنواته الأولى.. تذكر كيف بدأ المشي، بل أبعد من ذلك؛ تذكر وجه القابلة التي ساعدته على الولادة!
وفي كل صباح يصيح نحو كل مدى أنقذوا هذا البائس الوحيد! وأخذ يفقد الأمل في النجاة شيئاً فشيئاً حتى انطوى على نفسه داخل كهفٍ صغير وكون مجتمعاً خياليا وسمار؛ راح يتعرف على أصحاب والمضحك أنه في بعض الأحيان يتخاصم معهم ويتصالح…
انقضت بضعة أشهر نسيَ فيها الكلام لكن شيئاً واحد جعله يشعر بأنه على قيد الحياة شعلة التفكير التي تساعده على الخيال وخانة الذكريات التي يعود إليها كل ماتذكر واقعه الوحيد وراح يفكر.. تُرى كيف يكون الإنسان بدون تفكير؟ الصحيح كيف يكون بدون ذاكرة؟.. هل يظل إنساناً؟ هل سيعاني اذا فقد هذه الذاكرة؟ ثم إنه؛ كيف يعرف أنه يعاني إذا لم يتذكر شيئاً؟! كيف يعرف أنه موجود؟!..
وسرَح بالتفكير إلى أن انزلقت رجله وارتطم رأسه بحافة صخرة وأصبح لايتذكر شيئاً.. لكنه لازال يفكر وهذا ماجعله يشعر بأنه؛ على قيد الحياة.