المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتةغرائب و منوعات

متنزه يوسيميتي جمعت فيه الطبيعة أجمل ما عندها (2)

تسرّبت إلى مشاعري البهجة عندها تجاوزنا المدخل، وتوجهت في طريق يمر على أنهار وشلالات وأنفاق إلى منطقة واوأونا Wawona، وهي الأقرب إلى شجرة السيكويا الضخمة، وفقت بأن وجدت فندقاً مميزاً فيها، تم بناؤه في القرن التاسع عشر، إلا أنه ليس الأقدم، فأول فندق سياحي في يوسيميتي بُني عام 1860، أي بعد انضمام كاليفورنيا إلى الولايات المتحدة بعشر سنوات.
موظفة الاستقبال كانت لطيفة وحريصة بتحذيرنا ألا نترك طعاماً في السيارة؛ لأن ذلك يجذب الدببة السوداء، والتي قد تسبّب أضراراً للسيارة. إلا أن تحذيرها كان له فعل آخر عليّ. فجعلتني محافظا على مسافة قصيرة نسبيا في المشي حول الفندق. فقد فقدت رغبتي في الاكتشاف بالمشي وحيدا في الغابة القريبة من الفندق. فلست في حال تمكنني من مصارعة دب أو الهروب منه. والوعي البيئي لدى بعض الأميركان جعلهم يتعاطفون أكثر مع الدببة أكثر عند مهاجمتها البشر. وكان واضحا من اللافتات المنتشرة في يوسيميتي للتنبيه من السرعة. فهي لا تنبهك بأن القيادة السريعة خطرة على حياتك، وإنما وضعت بصيغة «السرعة تقتل الدببة». وكأنها تعلن ضمنيا أن حياة الدببة أهم من حياتكم يا زوّار المتنزه! لكن في اليوم التالي طمأنني أحد العاملين بالفندق الى أن الدببة السوداء لا تهاجم البشر إلا إذا اعتدى الإنسان على أطفالها، وأكمل حديثه: لكن حولنا أسود جبلية!

أضخم شجرة في العالم
لم أوفق في أن أتمكن من زيارة أكبر شجرة في العالم. فمع أنه بتنا ليلة في هذا الفندق الذي يبعد عنها أقل من أربعة أميال، إلا أن زيارة هذه الشجرة ممنوعة منذ عدة أشهر، لأنها تحت إصلاح وملاحظة دقيقة من قبل الخبراء. وعرفت أن أشجار السيكويا الضخمة موجودة في ثلاث مناطق أو ثلاثة بساتين groves، وهي: ماريبوسا Mariposa وتوالمي Tuolumne ومرسيد Merced. وفي كل منها أضخم شجرة في العالم، وثاني أضخم وثالث أضخم شجرة على التوالي. فكان علي أن أكتفي بمشاهدة ثاني وثالث أضخم شجرة في العالم. وأخبرت زوجتي مازحا أنه لو كنت في أيام الشباب، فلربما تسللت عبر الغابة لرؤية السيكويا الكبرى. هذا، وتمكنت في اليوم الثالث على وصولنا إلى يوسيميتي من زيارة بستان توالمي وبستان مرسيد. السيكويا الأضخم في توالمي كانت ميتة منذ سنوات عدة، وربما بسبب حريق أو مرض. وقد تم فتح فجوة داخلها، عرضها حوالي أربعة أمتار، ليتمكن الزوار من المشي خلالها. ويتطلب الوصول إليها المشي في منحدر جبلي لنصف ساعة، لكن الرجوع صعودا إلى موقف السيارة يتطلب حوالي ساعة. أما بستان مرسيد أو Merced Grove فيقع على بعد 8 كلم.

الرغبة في التعارف
وهناك ميزة في السير في المنحدرات والمرتفعات الجبلية المحددة بخرائط مفتوحة للزوار، وهي لقاء آخرين من جنسيات مختلفة يتميزون بنفوس رحبة ومنفتحة ورغبة في التعارف. والكل يرغب في الحديث لتجاوز جهد الصعود أو تناسيها. وفي تسلقي عائداً من بستان مرسيد أو من ثالث أضخم شجرة، التقيت ثلاثة شباب فرنسيين من أصل جزائري، كانوا في عمر أولادي وفي سنواتهم الأخيرة في كلية الطب. وخلال حوالي 45 دقيقة من المشي معاً غطينا الكثير حول وضع المسلمين في أوروبا وفي فرنسا بالذات. واتفقنا على أن التطرف يأتي من شباب كثير منهم مدمنو مخدرات، وانهم يتعرفون على الإسلام في السجن. هذا ومن خلال السير انحداراً الى اشجار السيكويا الضخمة ثم العودة صعوداً الى موقف السيارات نشاهد أثر الحرائق على هذه الأشجار. ومع أن الحرائق تسبب اضراراً فإن لها منافع كذلك. فالحرائق تقوم بعملية تعرية تزيد من خصوبة التربة. كما أنها تقضي على أشجار منافسة للسيكويا للوصول الى الشمس. وأخيراً فإنها توفر الدفء الذي تحتاج إليه بذور أشجار السيكويا لكي تنبت. وهذا ما يطلق عليه التوازن البيئي. فلكل ظاهرة طبيعية فوائد مهما بلغت اضرارها.

اكتشاف الجمال
5 – قررنا أن نسكن اليومين الأخيرين في مدينة سونورا شمال يوسيميتي. ومن المناسب أن أوضح هنا أن تكلفة الإقامة في المتنزه أو في المدن المحيطة به تتراوح بين العشرين دولاراً والألف دولار لليلة الواحدة. وهي بين الإقامة في خيمة أو في أغلى فندق في ذروة الطلب على الحجوزات. لكن لمن يخطط لرحلته بشكل جيد، يمكن أن تقل إقامته عن المئتي دولار لليلة الواحدة وفي فندق مريح. ولا بد من التوضيح أن درجة المتعة التي يحصل عليها الزائر لا ترتبط بكم يصرف وماذا يأكل، بل بقدرته على بذل الجهد في التجول في منحدرات ومرتفعات هذا المكان والسير حول بحيراته والسباحة تحت شلالاته. فمن لديه الطاقة ولديه هذه الهوايات فهو الذي يتمتع أكثر. فزيارة يوسيميتي عبارة عن مسابقة لاكتشاف الجمال. ويذكر دانييل دوين الذي نشر أكثر من كتاب عن يوسيميتي في مقاله في «نيويورك تايمز» والذي نشر في 2017/9/3، يوم مغادرتي من سان دييغو إلى المتنزه، أنه في أول الثمانينات كان يذهب مع والده إلى يوسيميتي ويقيم أسابيع في خيمة، لكن والده كان يحرص على أن يأخذ معهما ملابس نظيفة لكي يتمكنا أحيانا من تناول شراب أو وجبة في افضل فندق داخل المتنزه.

مقال وإبادة
ولم يضف إلى مقال دانييل الطويل حول يوسيميتي معلومات فقط، بل أثر في عاطفيا، وحدد لي أهدافا جديدة لزيارتها غير أشجار السيكويا الضخمة. فمقاله يوضح حرب الإبادة التي شنها الجيش الأميركي والميليشيات التي مولتها وشكلتها ولاية كاليفورنيا لإبادة السكان الأصليين لهذا المتنزه. وقد أثارتني عاطفيا قصة القائد الهندي تينايا، الذي قتلت الميليشيات ابنه عام 1851، بعد أسره، وسحبت جثته ليراها أبوه تينايا الذي كان قد أسر قبله. واقتبس من مقال دوين:
«أمسكت الميليشيات تينايا وسحبته على الأرض ليرى جثة ولده الأصغر، فانفجر تينايا من الغضب، الذي وجده قائد الميليشيات مشهدا مسليا، فأخذ يسخر منه، بعدها خاطب تنايا ساخرا: لا تغضب سنطلق على البحيرة اسمك.. لكن تينايا ومع حزنه وغضبه العظيم على ولده تمالك نفسه قائلا: لهذه البحيرة اسم. اسمها «باي وي أك». لكن لم ينصت إليه القائد. ومنذ ذلك التاريخ أصبح اسم البحيرة بحيرة تينايا. ويطالب دوين في مقاله بإعادة تسميتها باسمها القديم.

بين لبنان والكويت
اليوم الرابع والأخير، وبعد إقامة مريحة في فندق مريح في مدينة سونورا، توجهنا إلى المتنزه من طريق يأخذنا نحو جنوب الشرق ملتف حول بحيرة مونو ثم إلى المدخل الشرقي ليوسيميتي. لكن قبل الوصول إلى هذا علينا أن نمر من خلال ممرين جبليين هما: ممر سونورا وممر تيوجا، اللذان يزيد ارتفاع كل منهما على 2700 متر. ولا شك أن خبرتي في القيادة في جبال لبنان أهلتني للقيادة في هذه المناطق. فالجو والمناظر الطبيعية تذكرني بجبال لبنان، لكن الفارق واضح في نوعية الطرق التي تُصان بشكل جيد، كذلك كان هناك فارق في سلوك السائقين. وأقدر أن المسافة التي قطعناها ذلك اليوم تعادل المسافة من رأس الناقورة في جنوب لبنان إلى طرابلس في شماله. وفي لبنان قد يستغرق الوقت من أربع ساعات إلى عشر ساعات. لكنه استغرق أربع ساعات بما في ذلك التوقف ساعة واحدة لتناول الغداء في مدينة لي فايننغ.
وقبل الوصول إلى هذه المدينة توقفنا في مكان في ممر سونورا على ارتفاع يزيد على 2700 متر، عند ينابيع تتفجر منها المياه، والتي ما زال مجرى المياه فيها يخترق منطقة مغطاة بالثلوج. فتوقفنا قليلا وشربنا من هذه المياه الباردة. وقد لفت نظري أنه في المناطق التي انحسر عنها الثلج كانت مغطاة بأعشاب وزهور تشبه النوير الذي ينمو في بر الكويت. وكانت المفاجأة أنني رأيت نباتا يشبه العرفج، الذي ينتشر في بعض المناطق من بر الكويت، ولاحظت أنه على هذه الارتفاعات اختفت الغابات أو الأشجار الكبيرة والتي لا تتحمل هذه البرودة، وكأن الأرض الصخرية لا ترحب فيها. وعلينا ألا نستغرب من نمو نباتات شبيهة بالنباتات الصحراوية في مثل هذه الارتفاعات، فهي تشترك مع النباتات الصحراوية في أن عليها أن تنمو وتزهر وتترك بذورا خلال فترة تقل عن ثلاثة أشهر. هذا، وصورت «العرفج» وأرسلت الصور إلى بعض الأصدقاء الأكثر مني معرفة بالنباتات الصحراوية، كما أحضرت معي إلى الكويت سويقا مع زهرة من هذا النبات لعرضه على متخصصين لمعرفة درجة قرابته إلى «عرفجنا».

بحيرة محاطة بغابات
دخلنا إلى يوسيميتي من مدخله الشرقي، بعد أن تجاوزنا ممر تيوغا، وخلال أقل من نصف ساعة توقفنا عند بحيرة تينايا، التي لا ألوم الكاتب دانييل دوين على التعلق بها عاطفيا وبمغزاها التاريخي لدرجة أنه أوصى أن ينثر رماده في هذه البحيرة بعد أن يأتيه الأجل. كما تخيلت عذابات القائد الهندي تينايا الذي أطلق اسمه على البحيرة، بعد أن رأى ميليشيات البيض تسحب جثة ولده الأصغر.
للبحيرة هيبة وجمال فريد، قد يرجعان إلى أن الواقف على ضفافها يستطيع أن يرى محيطها البيضاوي كاملا محاطا بغابات الصنوبر. هذا الجمال كان غائبا عن بحيرة مونو التي سرنا بالسيارة بجوارها لمدة طويلة قبل دخولنا الى المتنزه من مدخله الشرقي والتي تبلغ مساحتها أضعاف بحيرة تنايا.

أهم ما قرأته
تمكنا من الخروج من مكان إقامتنا في سونورا مبكرا، لأننا كنا في منطقة شمال المتنزه، أي في نقطة أبعد عن مدينة سان دييغو التي أصبحت تبعد حوالي تسع ساعات. وكان همي هو التساؤل عن الوقت الذي سأستغرقه للمرور من لوس أنجلوس – أكبر مدينة في اميركا. ووضعت لي هدفا جديدا، وهو هل سأتمكن من مشاهدة الغروب في لاغونا بيتش؟
وفي الطريق كان هناك وقت طويل للتفكير في ما شاهدناه، وفي ما قرأته عن تاريخ المنطقة وكاليفورنيا بشكل عام. وأدركت أخطائي الجغرافية. فكنت أعتقد أن سان فرانسيسكو تقع في شمال كاليفورنيا، مع أنها في الحقيقة تقع في جنوب الثلث الأخير من كاليفورنيا.
والحقيقة أن هذه المدينة تبعد حوالي 600 كلم عن حدودها الشمالية مع ولاية أوريغون، وتبعد حوالي 830 كلم عن حدودها الجنوبية مع المكسيك. لذا فإن سواحلها تبلغ حوالي 1500 كلم. لكن أهم ما قرأته كان حول التحولات الديموغرافية والاقتصادية التي طرأت على هذه الولاية منذ أن اكتشف الذهب فيها عام 1948 ثم تحولها إلى ولاية اميركية عام 1850. وذلك بعد سنتين من نهاية حربها مع المكسيك التي استمرت سنتين نتج عنها استحواذ الولايات المتحدة على تكساس وجنوب كاليفورنيا. وهي تحولات تذكرنا بالتحولات الديموغرافية التي حصلت في منطقة الخليج والسعودية خلال العقود الستة الماضية. فقد قفز عدد سكان كاليفورنيا من الأوروبيين خلال الفترة 1946 – 1860 من 14 ألفاً إلى 300 ألف. وكان أكثر من %80 منهم من الرجال.

مشهد الغروب
عقدنا العزم على أن نتوقف لمشاهدة الغروب في في لاغونا بيتش جنوب لوس أنجلوس. فهذا المنظر لا يتوافر في يوسيميتي، ولا أقصد بذلك التقليل من جماليات هذا المكان الذي يقدسه جون موير الذي بدأنا مقالنا هذا باقتباسات عنه تبين اهمية الجمال في حياة الإنسان، الذي يرى أنه مكمل للخبز، وكنا قلقين أن يمنعنا ازدحام المرور في لوس انجلوس من ذلك، خصوصاً أنه كان يوم عمل وليس عطلة.
وبعد اكثر من ثلاث ساعات استغرقناها لاختراق لوس أنجلوس من شمالها الى جنوبها، حققنا ما ابتغيناه وإن لم نتمكن من الوصول الى لاغونا بيتش قبل الغروب. فتوقفنا عند مقهى مطل على البحر في نيوبرت بيتش التي تبعد دقائق عن لاغونا بيتش فشاهدنا منظر الغروب. فصورته وشربنا القهوة في المكان نفسه.

شيء من التاريخ
فلم يأتِ إلى كاليفورنيا إلا عدد قليل من النساء قبل عام 1850، وفق ما يذكر كارلو دي فيراري في مقال نشره في مجلة تصدر في مدينة سونورا تحت اسم Friends and Neighbors، وكان موضوعه عن تاريخ الخدمة الطبية في كاليفورنيا، والذي تضمن معلومات مذهلة ومضحكة. فيذكر أنه عندما اكتشف الذهب في كاليفورنيا في عام 1948 لم يكن في كاليفورنيا إلا عشرة أطباء. وبعد سنتين من اكتشاف الذهب، أي في عام 1850، قدم إليها 1500 ادعوا أنهم أطباء، وكان من بينهم أقل من 200 ممن كانوا أطباء حقيقيين. أما الباقي فكانوا محتالين يخدعون العاملين في البحث عن الذهب، مقدمين لهم «خدمة طبية» بعضها ضار وأخرى محايدة. أشهرها كان الاعتقاد أن المريض يشفى من شرب كميات كبيرة من الماء. فكان هذا النوع من «الأطباء» يأخذ المريض الى مجرى نهر صغير Creek ويغرقون جزءا من جسمه مجبرين اياه على شرب كميات هائلة من المياه.
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن ولاية كاليفورنيا من أكثر الولايات المعادية للرئيس ترامب، وكان انتصار هيلاري كلينتون عليه واضحا في هذه الولاية. ويعتبر حاكمها جيري براون، الذي كان صديقا للمغنية المعادية لحرب فيتنام في السبعينات من القرن الماضي ليندا رونستات، من أكثر المعادين للرئيس ترامب. ولا يتوانى في وصفه بأسوأ الصفات. ففي لقاء نشرت عنه مجلة تايم في عددها 2017/9/18 مع مجموعة من النقابيين خاطبهم قائلاً: «نحن هنا لنقود ويجب ألا نسمح لهذا المهرج في واشنطن أن يشق وحدتنا».

د. حامد الحمود
[email protected]
hamedalajlan@

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى