المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

ماكرون.. هل يكون منقذ أوروبا؟

فازت الممرضة فلورانس ليرسي ورجل الإطفاء جين ماري فيفيت بعضوية البرلمان الفرنسي على قائمة حركة «الجمهورية إلى الأمام» التي أوصلت إيمونويل ماكرون إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية في أول انتخابات يشارك بها على الإطلاق، فأهلاً بهذه الثورة!
لقد انتفض الشعب الفرنسي ضد الطبقة السياسية التي خذلته، فقد أظهرت الجولة الانتخابية الأولى من انتخابات الجمعية الوطنية أن حركة «الجمهورية إلى الأمام» التي لم تمض على تأسيسها أربعة عشر شهراً فقط حصدت ما مجموعه 350 مقعداً من أصل 577 مقعداً.
فقد الاشتراكيون 900 في المئة من قوتهم البرلمانية، بما في ذلك هزيمة زعيمهم من الجولة الأولى، ولكن الجمهوريين حققوا نتيجة أفضل، بعد أن كانوا الأوفر حظاً للفوز حتى أسابيع قليلة مضت، وحين بدا أن انتصار حركة «الجمهورية إلى الأمام» حتمياً.

ثورة ماكرون
لقد قدم ماكرون إجابة جديدة للاستياء الشعبي الذي اجتاح الديموقراطيات العربية. فقد تعهد بانتهاج سياسات جديدة لردم الهوة بين اليمين واليسار كما يهدف إلى استعادة الديناميكية والثقة بالنفس للفرنسيين وللاتحاد الأوروبي بمساعدة ألمانيا. ويراقب ماكرون من الخارج ساسة يعلو ضجيج الغضب الشعبي في بلادهم على أصواتهم. وحتى تنجح ثورة ماكرون، فإنه بحاجة إلى أفكار جيدة والقدرة على تطبيقها، فهل لديه مثل هذه الأفكار والقدرات؟
ماكرون هو الرجل المناسب في الوقت المناسب. فقد تعب الفرنسيون من الطبقة السياسية القديمة، وأتوا برئيس من خارجها. وعلى الرغم من أنه ينحدر من «المؤسسة»، فإنه خريج إحدى جامعات النخبة وهو مصرفي سابق ووزير الاقتصاد في حكومة سلفه فرنسوا هولاند، ولم يسبق لماكرون أن انخرط في أي حزب سياسي.
ولكنه أنشأ حركة «الجمهورية إلى الأمام»، لتشكل قطيعة مع الماضي، ونصف ناخبيها هم من المستجدين على السياسة، ونصفهم من النساء، وخاضت الانتخابات تحت شعار مكافحة الفساد، ويبلغ متوسط عمر أعضاء الحركة 43 عاماً، بينما كان متوسط أعمار أعضاء الجمعية الوطنية السابقة ما بين 60 و70 عاماً.

ليبرالي اقتصادي
وفي حين أن معظم الشعبويين يتجهون يميناً أو يساراً، فإن ثورة ماكرون اتجهت نحو الوسط، وخطف الوهج السياسي من دون تعصب. فقد أخذ من اليمين الرغبة بتحرير الأسواق والشركات لخلق فرص العمل والثروة. وأخذ من اليسار الإيمان بدور الحكومة في الصوغ والتوجيه والحماية. وفي المعركة بين الانفتاح والانغلاق فمن الواضح أن ماكرون ينحاز إلى الانفتاح بقوة في مجالي التجارة والهجرة، وبالمفاهيم الفرنسية هو ليبرالي اقتصادي.
والأهم من ذلك أنه رجل متفائل، فقد عانت فرنسا على مدى عقود من الاعتقاد الكئيب بأن السياسة هي مجرد صراع بلا حلول، وهذا أدى إلى تخريب أي إصلاح، فلماذا تتخلى عما بيدك اليوم من أجل ما هو أسوأ في الغد؟ فالديموقراطية في بعض مناطق أوروبا تبدو عادة كعملية مملة يُطلب فيها من الناخبين المصادقة على الوعود الفارغة للسياسيين مقابل بعض زيادة الإعانات الاجتماعية وتقديم خدمات عامة بائسة.

أنصار العولمة
ومع ذلك، أقنع ماكرون الناخبين الفرنسيين بأن التقدم ممكن، وشن حملة ضد عمليات التهكم الشعبوية بأن الأسواق الحرة ما هي إلا تنازلات مقدمة إلى البنوك وأنصار العولمة، من خلال إنعاش الروح الوطنية، سواء من خلال طريقة مصافحته للرئيس ترامب أو من خلال إعادة الهيبة لمؤسسة الرئاسة. ورداً على التحذيرات من موجات المهاجرين والمنافسة الأجنبية، فقد شدد على أنهما ستنشطان فرنسا، ولن تضعفاها. ورداً على المشككين بالاتحاد الأوروبي، يصر ماكرون على أن الاتحاد الأوروبي يضاعف قوة فرنسا.
ولكن الأفكار الجيدة وحدها لا تكفي، بل يجب على ماكرون أيضاً أن يخرق عادة دأبت عليها فرنسا منذ ثلاثين عاماً، وهي إعاقة اليسار المتطرف للإصلاح، ويكمن نجاحه في ذلك، في تحقيق تقدم سريع وواضح في مجالين: التوظيف والعلاقة مع روسيا.

تبعات باهظة
نسبة البطالة في فرنسا تصل إلى ضعفي مثيلتها في ألمانيا، بل انها تصل إلى 200 في المئة عند الشباب دون سن الخامسة والعشرين، والشركات تحجم عن خلق وظائف دائمة بسبب ارتفاع قيمة الخدمات الاجتماعية التي تضطر إلى تقديمها للموظفين، ولأن تبعات التخلص من هؤلاء الموظفين – إذا زادوا عن الحاجة – ستكون باهظة وصعبة.
ماكرون يرغب في تقليص الضرائب على الموظفين وجعل بيئة العمل أكثر مرونة، فالنجاح في سوق العمل، من شأنه مساعدته في كسب ود ألمانيا التي فقدت ثقتها بقدرة فرنسا على التعافي.
كما يساعده ضبط الاتفاق العام وبيروقراطية الجيش. ويجب على ألمانيا، المتحفظة دائماً، ان تُحسن الظن بماكرون وقدراته.
هو أفضل – وربما آخر – فرصة لخلق القوة الدافعة لمنطقة اليورو من أجل دعم هيكلية العمل الموحدة.
وربما يجعل فوز حركة «الجمهورية إلى الأمام» الكاسح في الانتخابات الفرنسية، هذا البرنامج أكثر قابلية للنجاح، لقد كان ماكرون محظوظاً، فقد ألحق ضررا بالغ بمنافسه الرئيسي من اليمين فرنسوا فيلون، لاتهامه بالفساد.

مخاوف
ومن شأن الاقتصاد القوي في الاتحاد الأوروبي، أن يخلق فرص عمل، وهيمنة ماكرون على الجمعية الوطنية سيعزز حظوظ نجاح البرامج التي يطرحها الرئيس الجديد.
ولكن مؤسسة الحكم بدأت تثير المخاوف بشأن امتلاك ماكرون لقوة كبيرة في الإليزيه والجمعية الوطنية، وعلى عكس ذلك، فان حصوله على أقل من 50 في المئة من الأصوات يعني ان الشعب الفرنسي لم يمنحه تفويضاً كاملاً. ومن جهتها، تحذر الاتحادات العمالية اليسارية المتشددة من أنها سوف تقاوم إصلاحات السوق التي يطرحها، حتى النهاية.

آمال معلّقة
ويجب على الرئيس مواجهة هذه الاتحادات والتصدي لها، فهو يمتلك القوة بفضل السلطات الممنوحة للرئيس في فرنسا، لكن المشكلة في السنوات الماضية، كانت تتمثل في ضعف الأليزيه، وليس هيمنته. صحيح أن نسبة المشاركين في الاقتراع كانت ضعيفة ولكنها آخذة في التراجع منذ سنوات، وليست أقل من النسب المسجلة في أميركا وكندا. فالاتحادات تتحدث عن نسبة 8 في المئة فقط، من العمال الأعضاء فيها. وهذا لا يمنح تفويضا.
ماكرون لديه توقعات عالية. ومع أن لدى حركة «الجمهورية الى الأمام» سياسيين متمرسين يمكنهم ضبط الأمور، إلا أن المرحلة المقبلة قد تخللها الفضوى والارتجالية. وقد تشهد البلاد حالات إضراب ومسيرات احتجاج. ولأن الاصلاحات تؤلم، فإن الجمهور الفرنسي سيكون بحاجة الى حملة إعلامية لإقناعه بالفوائد بعيدة المدى التي سوف تعود عليه.
هذه المخاطر واضحة، ولكن الأمر المميّز أكثر هو الثورة التي قادها ماكرون بالفعل، فالآمال، بالنسبة لفرنسا وأوروبا وتيارات الوسط في كل مكان من هذا العالم، معلّقة عليه.

ايكونوميست

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى