ماذا لو كتب كافكا «الغريب».. وتولستوي «ذهب مع الريح»؟
يضع استاذ الأدب الفرنسي بيير بايارد، المولود عام 1954، هذا السؤال التخيلي غير المألوف عنوانا لكتابه «ماذا لو غيرت الأعمال الإبداعية مؤلفيها؟» بصيغة أخرى يبدو بايارد وكأنه يمارس لعبة نقدية غريبة، حيث يبدل مؤلفي الكتب الكلاسيكية العظيمة، ماذا لو كان كافكا هو كاتب رائعة البير كامو «الغريب»، أو كان تولستوي هو المؤلف الحقيقي لرواية «ذهب مع الريح».
في كتابه الصادر عن «دار نينوي» بترجمة محمد أحمد صبح يأخذنا بايارد عبر 145 صفحة في هذه اللعبة النقدية، عدة أسباب تدعوه لعدم ترك المؤلفين حيث هم، السبب الأهم كما يشير، أننا لا نعرف المؤلفين جيدا، وتبدو فكرة السعي بأي ثمن للبقاء مخلصين لهم وهمية، والجهل هذا واضح بالنسبة للذين لا نعرف عنهم شيئا، أو للذين ليست لدينا عنهم إلا معلومات متناثرة لأنهم عاشوا في أزمنة بعيدة.
مؤلف الأوديسة.. رجل أم امرأة؟
يورد بايارد في الجزء الأول من كتابه بعض الأمثلة الشهيرة عن الاستبدال مستمدة من تاريخ الأدب، ليشير من خلالها إلى أي حد يخضع مفهوم المؤلف للارتياب، يعود إلى زمن «الأوديسة» مستعينا بالروائي البريطاني الشهير صموئيل بتلر في نهاية القرن التاسع عشر، والذي اشار إلى ان هوميروس ليس كاتبها الحقيقي وأن وراء كتابتها امرأة، ويستدل على ذلك بأن في الأوديسة تغلبا للمشاغل الأنثوية، ومعرفة أكثر اكتمالا للموضوعات المتصلة بالمرأة عموما. ويؤكد أن بتلر بإطلاق خياله من عقاله، يضع اصبعه على نقطة جوهرية، وهي أن اختراع المؤلف ليس مجرد سد لفراغ تاريخي، بل هو في الوقت ذاته عمل إبداعي يستفيد منه النص بمجموعه، ويشير بايارد الى أن مقترح بتلر يدعو إلى التفكير فيما يطلق عليه مفهوم «المؤلف الخيالي».
شكسبير الخيالي
في الإطار نفسه يتحدث بايارد عن كونت أكسفورد في القرن السابع عشر، إدوارد دي فير، ليلمح الى أنه من كتب «هاملت»، وأن اسم المؤلف وليم شكسبير مؤلف خيالي نصنعه من مسرحياته والتمثلات التي تدور حولها، فشكسبير بالفعل اسم علم بقدر ما هو كناية يوضح شرحها سريعا أنها ترجع إلى المؤلف الخيالي أو مجموعة من الصور التقريبية للمؤلف الحقيقي.
إزاحة المؤلف
في فصل جديد من الكتاب يطلق عليه بايارد «تغييرات جزئية للمؤلفين» يتحدث عن بعض التغييرات التي تم إجراؤها على الكتب، وقام ببعضها المؤلفون أنفسهم من خلال التصرف في المكونات المختلفة لهويتهم، سعيا لإعطاء أعمالهم مزيدا من الدينامية.
ماذا لو كتب رواية لويس كارول «أليس في بلاد العجائب» كاتب سوريالي او «دون كيشوت» كتبها معاصر لفاليري؟ يرى بايارد أن إزاحة لويس كارول إلى الأمام بمقدار قرن كامل يمكن أن يكون إدراجا في المنظور مفيدا من اجل تذوق صحيح لأعماله، لكنه في الوقت نفسه يفترض وجود قارئ خاص بثقافته وحساسيته الخاصة لتذوق هذه الإبداعية المتبادلة.
تحطيم مقولة المؤلف الوحيد
في فصل جديد من كتابه يطلق بايارد عليه «تغييرات تامة لمؤلفين» يكسر حاجز التحريم الذي يقضي بأن لكل عمل مبدعا وحيدا، حيث يستبدل بمؤلفي بعض الأعمال الشهيرة مؤلفين آخرين، ماذا لو كان كان كافكا هو مؤلف رواية «الغريب» وليس البير كامو؟ يرى بايارد ان ذلك سيجعل من النص أكثر إشراقا وسيفضي إلى ثراء متبادل، كما سيرفع من قيمة العمل والمؤلف معا.
يتخيل بايارد أيضا أن مؤلف رواية «ذهب مع الريح» تولستوي وليس كاتبته الأصلية مارغريت ميتشيل، حيث ينتقل تولستوي إلى جنوب الولايات المتحدة ويتم استبدال التاريخ الروسي بالتاريخ الأميركي، وحيث يبدو التاريخ كذريعة لتأمل فلسفي أكثر سعة، وهو موضوع يتخلل كل أعمال تولستوي، ولو كان تولستوي كاتب «ذهب مع الريح» لكان ابتكر عالما جديدا انطلاقا من شظايا متناثرة لعالم موجود.
ينهي بايارد كتابه بتأكيد أن لعبة استبدال المؤلفين، رغم ردود الفعل الرافضة التي قد تثيرها، تحافظ على حيوية النص فلا شيء أكثر ضررا بالعمل الإبداعي من أن ينسب بكيفية متكررة للمؤلف، من دون أمل في تغييره ليعرف قراءات جديدة، كما أن ذلك من شأنه عقد صلة جديدة بين الكتاب والنصوص