المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

لهذه الأسباب.. تفوّق «اليوم الأسود»

لم يكن النجاح الكبير لمسلسل «اليوم الأسود» غريبا، فهو عمل توافرت وتضافرت فيه العناصر المطلوبة وثقة ورغبة صناعه في نجاحه جماهيريا وفنيا، فرغم تأجيله لعام والظروف التي مر بها أثناء التصوير فإن ذلك لم يجعله يفقد بريقه لدى المتفرج، كما لم يتخل عنه نجومه وظلوا أوفياء لأدوارهم التي تأجلت لموسم كامل، وهذه مسألة من النادر حدوثها في المجال الفني، لكن المحك أو الاختبار الحقيقي كان لحظة عرضه التي أكدت أنه لن يمر مرور الكرام وهذا ما كان، فمنذ اللحظات الأولى لبداية عرضه تحول اسم المسلسل إلى Trend على مواقع التواصل الاجتماعي، وتصدر عناوين الصحف المحلية ونقاشات النقاد على اختلاف آرائهم، وهي سمة من سمات كل عمل يتصدر الموسم عادة..

وظل البعض يتساءل أثناء عرض المسلسل وصولاً الى الحلقة الواحدة والثلاثين..

لماذا نجح «اليوم الأسود» وأثار كل هذا النقاش والاهتمام؟ لعل أول أسباب ذلك كان احترام القصة والسيناريو والحوار لعقلية المشاهدين باختلاف أعمارهم، وهنا ينسب الفضل للكاتب فهد العليوة، وربما علينا أن نشيد «بذكاء» العليوة الذي تناول خطا دراميا لم يكشف عنه الكثير وهو قصة «عبدالله» الشخصية التي سرقت المال العام وفرت هاربة، والذكاء هنا هو طرح المؤلف القضية وكأن قلمه يمر على استحياء من أمامه دون أن يغوص أو يفسر، بل كانت إشارات بعيدة عن الشخصانية، ولم ينس أن يذكرنا في آخر حلقات العمل «بأن البحث مازال مستمرا عن عبدالله»، وبذلك يكون طرح القضية الحساسة والشائكة في العالم العربي من دون أن يتعرض لمقص الرقيب.

التحديات اليومية

وجاء «اليوم الأسود» ليؤكد مجددا استطاعته ومقدرته على نقل هموم جيله وما يشعرون به والتحديات اليومية التي يتعايشون معها، وبدا ذلك واضحا في أكثر من محطة بالمسلسل، على سبيل المثال وليس الحصر، عندما استطاعت شجون أن تحتال على أسرتها وان تضع صورة «حبيبها» عيسى ذياب في غرفتها من دون أن تثير شكوك أهلها، كما جاء طرح العليوة عميقا وصادقا لأقصى مدى في أكثر من مرة، وظهر ذلك جليا من خلال العديد من المشاهد في المسلسل، ومن بينها المشهد الذي أثار تفاعلا وتعاطفا كبيرا بدا ملموسا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والذي جمع بين الفنانة شجون والفنان عيسى ذياب عندما قرر الأخير الانفصال عنها بعد سنوات من ارتباطهما، وبدأ يوضح لها الأسباب، والتي جاءت لتشخص حالة الفصام التي يعيشها اليوم بعض الشباب الخليجيين خصوصا والعرب عموما عندما يقفون أمام مفترق الطرق ويقررون الارتباط والاختيار بين الزواج بمن يحبون أو بالفتاة التي يتم اختيارها لهم، فالعليوة قدم من خلال هذا المشهد وغيره من مشاهد العمل حوارا جريئا على مجتمع ذي طبيعـــة محافظة لــم يعتد علــى أن يواجه نفسه بهذا الصــدق والشفافية، فوضعه الكاتب بكل بساطة أمام حقيقة يعيشها البعض من دون أي تجنٍ أو ابتذال.

احتوت الحلقة الأولى من المسلسل على كثير من أسرار النهاية، لكن دون ان ينتبه لها الاغلبية، فكانت أقرب الى مراهنة بل مغامرة حقيقية وقرار ليس من السهل اتخاذه، وعلى مدار الحلقات تكشّفت العقد الدرامية الى ان عدنا لنفس المشاهد مجددا، ولكن بصورة مبررة، ولا نغفل هنا صوت الإعلامي علي نجم صاحب نبرة الصوت المعبرة والصادقة، والذي لم يكن وجوده في الحلقة الاولى كراوٍ نوعا من «الفذلكة» أو إقحاما في العمل، وفسر اختياره من خلال طريقة توظيفه الدرامية من خلال الحلقة الأخيرة من المسلسل وأعطى وجوده الحلقتين زخما.

أما الرؤية الإخراجية للمخرج القدير أحمد يعقوب المقلة، الذي احتضن هذا الجمع الشبابي سواء بالتعاون معهم أو بمناقشة قضاياهم التي تناولها المسلسل، فتؤكد مجددا أن المخرج الحقيقي مهما طالت تجربته تبقى مواكبته للعصر والجيل الجديد هي الضمان الوحيد لثقته بنفسه وبالرسالة الفنية التي يقدمها، وفي «اليوم الأسود» جاءت صورته بعيدة عن الفلسفة او استعراض العضلات الإخراجية، ليجد المشاهد نفسه في كثير من الأحيان وهو جالس امام شاشة التلفزيون وكأنه يطل من خلال نافذة على تفاصيل الحياة اليومية لمجموعة من الناس التي يعيش وسطها، فالألوان الهادئة المريحة للعين وحركة الكاميرا بين الممثلين اثناء المشاهد، وقطعات الحوار، بل حتى المشاهد التي اعتمدت على الحوار بنظرات العيون وحدها.

ثنائيات جديدة

وكان اجتماع هؤلاء الفنانين معا يعتبر المرة الأولى للكثيرين منهم التي يقدمون فيها عملا دراميا معا وجاءت ذات فائدة على الفنانين الذين اختبروا ثنائيات جديدة ونجاحا غير مكرر كما هو الحال بين النجم حسن البلام والنجمة إلهام الفضالة، فالأول راهن على قدراته كممثل حقيقي وليس مجرد نجم كوميديا قادرا على رسم البسمة على وجه الجمهور، فاستطاع بكل بساطة ان يبكي المتفرجين ويجعلهم في حيرة من امرهم، فهل يتعاطفون مع وضعه الإنساني كأب حرم من بناته ام يعتبرون أن هذه نتيجة وجزاء طبيعي لما اقترفه في حق زوجته وأسرته؟ وترجع هذه الحيرة التي عاشها الكثير من المشاهدين حتى نهاية العمل في جانب كبير منها للأداء المبهر، وتمكن الكبير حسن البلام من مفاتيح شخصيته باقتدار.

اما النجمة إلهام الفضالة بدور (أميرة) التي اعتدنا على تسللها الى أحاسيس الجمهور بكل بساطة وعفوية، فهي «فنانة السهل الممتنع» التي انتقلت بكل سلاسة بين مشاعر التيه والتعالي الى الانكسار، وليس بمظهرها الخارجي فقط، بل حتى بحركة عينها التي شكلتها وركبتها، كما رتبت وغيرت طريقة ملابسها وتصفيفة شعرها، فالفضالة وحتى البلام كلاهما اتفقا على امر واحد سواء صرحا به لبعضهما او حتى احتفظا به لنفسيهما، وهو انهما مصران على النجاح ورافضان لأن يبقيا «نجوما معلبة» تدور في ذات الفلك ملايين المرات.

وبالحديث عن «النجوم الرافضـة للتعليب» يجب ألا نغفل هنا عما قدمه كل من الفنان محمود بوشهري الذي ظل خطه الدرامي «ملغما» بالأحداث والمواقف بل والعقد الدرامية من اول لقطة له حتى نهاية دوره بعيدا عن استعراضه لخفة دمه او تكراره لبعض «القطات» كما اعتاد في أعماله السابقة، اما النجم عبدالله بوشهري الذي سطع في أعمال سابقة كبطل رئيسي فقادر على ان يحمل مسؤولية عمل على اكتافه، وقدم أداء جيدا، وكان غالبا ما تفصله «شعرة» بين تعاطف الجمهور معه وكرهه لدوره نظرا للحيرة العاطفية التي عاشها بين حبيبته شجون وزوجته وأم ابنته ريم ارحمه، والتي انتهت بموت الأخير بأجواء مؤثرة وحزينة، وظل معظم المتفرجين منتظرين كيف سينتهي به المطاف مع حبيبته.

وبالنسبة للفنانة شجون وقدرتها على التلون الصادق في أدائها صوتيا وشكليا، فهذا ليس غريبا عليها، لتعود من خلال مسلسل «اليوم الأسود» الى «شجون التي نعرفها» ببطولة حقيقية بعد عدد من الأعمــــال التي قدمتهـــــا في السنوات السابقـــــة وكانـــت بعيــدة فيها عن دائرة النجـــــاح او لنقل انها لم يحالفها الحظ فيهــــا.

الفنان عبدالمحسن القفاص قدم من جانبه دورا مؤثرا وعفويا وجسد عاطفتي الاخوة والصداقة بأبهى صورهما، وكان لافتا تعرضه للضرب على يد يوسف البلوشي الذي كان حضوره خفيف الظل، وكلاهما أضافا للعمل في ظهور غير تقليدي لهما.أسيل عمران من جانبها قدمت دورا مؤثرا أجادته تماما.. وسحرتنا أسيل الجميلة والبريئة والعفوية والرومانسية والمثقفة، وشعرنا بصدق وكأنها ابنة اميرة (إلهام) في الواقع، وهذا يحسب لأسيل التي سبقت وأدت أدوار شر ونجحت فيها أيضا.

اما الفنانة نور غندور فأطلت في «دور عمرها» – اذا جاز لنا الوصف – والذي سيؤسس لها كنجمة من نجمات جيل الشباب، بل اختصر لها سنوات من العمل، وقد كانت على وعي ودراية تامة بذلك فكان أداؤها يغلب عليه الاجتهاد لتقديم تفاصيل الشخصية بقدر الإمكان.

وكانت الفنانة زينب غازي (سارة) او «الحصان الاسود في اليوم الأسود» – اذا صح التعبير – ورغم صغر مساحة دورها، فإن المشاهد لا يمكن ان تسقط من ذاكرته تلك الفنانة الشابة التي اجتهدت واحسنت في تقديم دور مركب وصعب ولم يمر مرور الكرام، وتلك ليست المرة الأولى التي تختار فيها زينب ان تقدم دورا باقتدار بغض النظر عن مساحته وتبقى حديث الناس بعد عرضه، وشكل فستان أمها «عالية» (سناء القطان) حديث السوشيال ميديا، حيث انتقد تكراره في جميع المشاهد ليتبين لاحقا ان الأمر خدعة إخراجية نُفذت باحتراف لأن الابنة كانت تتخيل والدتها غير الموجودة بسبب مرضها النفسي.بدوره، كان الفنان سعود بوشهري ايضا حصانا أسود في المسلسل، حيث أدى دور عماد الاستغلالي بشكل موفق.

وجوه صاعدة

وسجل المسلسل ظهورا محببا لوجوه صاعدة منها: مهدي برويز ويوسف العطية ونواف الفضلي وياسر الحداد الذي أدى دوره بإتقان ويارا (أسيل عمران).كما سجلت الممثلات اللاتي لعبن دور الأمهات وهن: مي البلوشي التي جسدت الأنانية بدور (أم زينب)، وأمل محمد (أم داليا)، وغرور (أم فهد)، وأمل عباس (أم عدنان)، حضورا مميزا وأضفن بأدائهن المتقن لشخصياتهن واقعية للعمل.

وبرز كذلك الممثل أحمد الهزيم في دور (أبوعدنان).أخيرا، انتهى «اليوم الأسود» برسالة واضحة، رسالة تفاؤل مهما كانت الصعوبات حتى في قصة فيصل وداليا (محمود ونور) التي انتهت بالافتراق، وقالت فيها داليا «بدلا من ان اعطيك فرصة ثانية سأعطيها لنفسي.. ارحل».

قد يبدو قرارها النهائي «يوما أسود» لها ولطليقها لكنه قد يكون أيضا بداية مستقبل أفضل لكليهما.وبذلك تكون اضلاع العمل الفني (النص، المخرج والممثلون) وجدت في «اليوم الأسود»، وتوجت العمل الأجمل والأكثر شعبية بجدارة هذا الموسم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى