كيف نهتم بدماغنا كما يجب؟
دماغك محور العواطف والوعي، ويضمن تنظيم الوظائف الحيوية ويسمح باسترجاع ذكريات الماضي وتخيّل مستقبلك. لكن رغم هذه المعلومات المعروفة، يبقى الدماغ لغزاً كبيراً.
أحرز مجال العلوم تقدماً هائلاً في السنوات الأخيرة على مستوى استكشاف الدماغ، لكن لا تزال جوانب كثيرة منه مجهولة.
مع ذلك يؤكد بعض العلماء انطلاق ثورة حقيقية في هذا المجال بناءً على التقدم الحاصل في علم الأعصاب وتقنيات تصوير الدماغ.
نعرف اليوم مثلاً أن الدماغ ينتج الخلايا العصبية على مرّ حياته عن طريق خلايا جذعية.
كذلك يتمتّع الدماغ بدرجة عالية من المرونة ويستطيع تغيير روابطه بما يتماشى مع العادات والمعلومات المكتسبة، ما يعني أنه ينشط بحسب المتطلبات الفكرية والحاجات الجسدية والعوامل البيئية والعمر والوضع الصحي لكل فرد.
تفتح هذه المعارف الجديدة حول الدماغ آفاقاً واسعة. مثلاً، تسمح تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي منذ بضع سنوات باستكشاف أسرار المناطق القشرية الدماغية ووظائفها.
اكتشف مشروع علمي ضخم وجود 180 منطقة مماثلة في كل نصف دماغي، وسمحت مراقبة الدماغ النشط بإحراز تقدّم مدهش. تواصل العلماء مثلاً مع أشخاص في حالة غيبوبة وبدأوا يجيدون تحفيز المناطق الدماغية لتخفيف الاضطرابات المرتبطة بالأمراض التنكسية.
كذلك تمكّن جراح أعصاب فرنسي من ابتكار تقنية تحفيز الدماغ العميق: من خلال زرع جهاز تحفيزي له تردد كهربائي خفيف، نجح في إيقاف الرجفة التي ترافق مرض الباركنسون.
في المرحلة اللاحقة، سيتمكّن العلماء من الوصول إلى الخلايا العصبية في أي منطقة دماغية وتعديل نشاطها عبر أقطاب كهربائية خفيفة.
إنها عملية مدهشة لأن الدماغ الذي يستهلك ربع طاقة الجسم يشمل نحو مئة مليار خلية عصبية و300 مليار رابط عصبي متشابك.
لكن لا تضمن مراقبة الدماغ اكتشاف طريقة تطوره ولا تُسهّل معالجة بعض الأمراض. يبدو أن هذا العضو الغامض يتمتع بتركيبة معقدة ومبهرة، لذا يصعب اليوم تحديد أسباب الأمراض النفسية أو الاضطرابات العصبية التنكسية.
من المعروف أن الدماغ يشيخ لكن يمكن إبطاء مسار هذه العملية الطبيعية عبر تغذيته واحترام أوقات راحته وإعادة برمجته، فضلاً عن حمايته من الملوثات وتقوية ذاكرته.
معدلات أعلى في نشاط اللوزة. ويرتبط تنامي هذا النشاط بارتفاع معدلات الإجهاد الظاهر وخطر الإصابة بنوبة قلبية.
عوامل مفيدة
يحتوي الدماغ على أكبر عدد من الأوعية الدموية وتمر فيه كمية الدم الموجودة في الجسم طوال الوقت ويستهلك أعلى نسبة من السعرات الحرارية والأوكسجين. لكنه يتأثر طبعاً بالعوامل الخارجية التي يمكن أن تفيده أو تضرّه. لا يعرف كثيرون أن الدماغ يتضرر بدوره نتيجة لاستهلاك كمية كبيرة من الدهون وارتفاع مستوى الكولسترول السيىء. يجب أن تكون الشرايين سليمة أيضاً كي يحافظ الدماغ على صحته.
المأكولات المفضلة
يبقى التوازن الغذائي أفضل حل في هذا المجال. عموماً، يجب أن نستهلك الفيتامينات والأوميغا 3 والحديد الذي يجذب الأوكسجين الضروري بالنسبة إلى الدماغ، ما يعني ضرورة استهلاك أسماك مثل الساردين والماكريل، فضلاً عن الملفوف والشاي الأخضر وبذور الشيا والجوز واللوز والتوت والطحالب التي تعزّز نمو الدماغ.
هذه المأكولات مفيدة لكنها ليست سحرية! في الوقت نفسه، يجب أن نتجنب المنتجات المصنّعة ونختار أصنافاً صحية نتلذذ بها. لا تطرح الشوكولاتة مثلاً أية مشكلة لكن يجب أن تحتوي على %70 من الكاكاو وما فوق.
دماغنا منطقيٌّ دوماً؟
للأسف، لا يكون الدماغ منطقياً في خياراته دوماً! يحب الدماغ السكر بطبيعته ويكشف عن سذاجة لافتة في مواضيع معينة. عند تحليل التقنيات المستعملة لتسويق
المنتجات الغذائية المصنّعة التي تسيء إلى الخلايا العصبية، لوحظ أن الدماغ يعشق الخليط الذي يجمع بين المواد المقرمشة والذائبة والمضافات الغذائية، لذا يميل إلى تفضيل البيتزا مثلاً. لهذا السبب، تسعى الحملات التسويقية المعاصرة إلى تحفيز عملية إفراز اللعاب لأنها تؤثر بشدة في عمل الدماغ وتتجاوب فطرياً مع ظاهرة اختفاء كثافة السعرات الحرارية.
حين نشاهد رغوة الشوكولاتة أو قطع البسكويت المالح أو ألواح الشوكولاتة التي تذوب في الفم، تنشط هذه الظاهرة. عندما نستهلك السكريات والدهون والأملاح، سيتلقى الدماغ في هذه الحالة رسالة مطمئنة: سيظن أننا نستهلك كمية صغيرة ويطالب بالمزيد. تستعمل المتاجر الكبرى أيضاً تقنيات تجعلك تستهلك ما لا تريد شراءه. من يستطيع مقاومة رائحة الخبز بالشوكولاتة مثلاً؟ وتبدو الفاكهة والخضراوات أجمل مما هي عليه تحت الضوء الأصفر!
هل نؤثر في دماغنا عمداً؟
يمكن تطبيق بعض الحيل البسيطة لتشجيع الدماغ على الاسترخاء والراحة. الكردوس الذي يفرز هرمون الميلاتونين حساس تجاه النوم، لذا يجب أن نتجنّب الأضواء الاصطناعية وشاشات الهواتف والحواسيب اللوحية قبل موعد النوم.
كذلك حاول أن تسترخي وتعزّز الهدوء في غرفتك وتأخذ بعض المكملات الطبيعية. يساهم الزعرور البري مثلاً في تسهيل النوم، وتمنع زهرة الآلام الاستيقاظ في وقت مبكر من الصباح، ويعطي الخزامى بدوره منافع مهدئة.
لكن يحمل الدماغ أيضاً بعض الحاجات التي يتجاهلها العالم المعاصر. مثلاً، تتعدّد الحوادث العصيبة في الحياة، أبرزها موت الشريك أو أحد الأبناء، والطلاق وموت أحد الأقارب، والتسريح من العمل والتقاعد والحمل..
يعتبر علم النفس الإيجابي أن تحسين الوضع ممكن عبر مساعدة الدماغ على الانفتاح وتقبّل الحوادث الحاصلة. باختصار، يجب أن تشمل الحياة الصحية ثلاثة عناصر: عواطف إيجابية، التزام، قيمة واضحة.
أثبتت الدراسات أن السعادة أو الحياة المنفتحة لا تُخفّض مخاطر الاكتئاب فحسب، بل تحمي من أمراض القلب والأوعية الدموية أيضاً. وتتعدد النشاطات التي تنعكس إيجاباً على الدماغ، من بينها الفنون والموسيقى والرياضة ومقابلة الأصدقاء…
الزهايمر
في ما يخص الزهايمر، أحرز علم الأعصاب تقدماً مهماً في هذا المجال لكن لا يمكن معالجة هذا الداء حتى الآن.
لذا يبقى الكشف المبكر عن المرض أمراً أساسياً.
لوحظ أيضاً تراجع معدل الذكاء في عدد من البلدان نتيجة للتلوث والعوامل التي تؤدي إلى اضطراب الغدد الصماء.
لا بد من استهداف هذه المشاكل بشكل عاجل لأنها تؤثر في الأولاد في المقام الأول.