“كانوا معنا”.. صاحب الصوت الرخيم “الإذاعي” محمد الرشيد برز في السبعينيات بـ”ونة قلب”

ابنته الدكتورة “حصة”: نفتقد عبارته “شافوه شافوه”.. ثم يبارك لنا وهو الأحق بها
لم يكن الإذاعي والصوت المعروف محمد الرشيد العثمان إعلاميًّا عابرًا كغيره فحسب؛ فالعظماء عادة لا يفضلون المرور السريع، بل كان أحد رواد العصر الذهبي، وبداية التأسيس للتلفزيون السعودي، وامتزج أسلوبه بين البساطة والمهنية؛ فهو يمتلك صفات الإذاعي الناجح من الثقافة الواسعة والصوت الرخيم وسعة الاطلاع.
وفي زاوية “كانوا معنا” نستحضر عادات الراحل برمضان، وكيف غاب مقعده عن مائدة الإفطار؛ فهذا أول رمضان تصمه عائلته بدونه.
بـ”ونة قلب” تحدثت ابنته الدكتورة “حصة” عن شطر من حياة والدها الذي لمع في مرحلة السبعينيات والثمانينيات، وقالت: “كان أبي يترقب دخول شهر الصوم بلهفة المشتاق، ويتابع مستجدات رصد الهلال حتى يتردد صدى صوته من صالة المنزل مرددًا: (شافوه شافوه).. ثم يبارك لنا، وهو الأحق بها؛ فكان رمضان بالنسبة له شهر التطهير والسكون.. شهر تجديد (الخلايا) والأنفس، والقرب إلى الله”.
وأشارت: “جدول والدي -رحمه الله- لا يتغير كثيرًا فأبو خالد كما هو بعادات النوم والعبادة التي نرجو أنه بها سبقنا للجنة؛ فكان يشجعنا على الصيام قبل التكليف بسنوات.. يبدأ بتحفيزنا على الصيام ساعات معينة.. ثم نصف يوم بعد الغداء.. ثم أيامًا وأيامًا”.
واستدركت: “وكانت ساعات نومه كما هي قبل رمضان، لا تبديل، يبدؤها بتلاوة القرآن جهرًا حتى يصل صوته لنا في الدور الثاني. ويقرأ كذلك الصحف، وقد يكمل كتابًا أو اثنين خلال رمضان”.
وعن سلوكه الشرائي قالت: “لا أذكر يومًا أننا تزاحمنا مع البشر في محال الغذاء. هي أمور بسيطة تضاف للسفرة، يجلبها يوميًّا إن احتجنا؛ لأنه نشيط جدًّا، ويكره المكوث في المنزل، ويحب الأمور كما ينبغي أن تكون (طازجة)، ويقوم عليها بنفسه”.
وأكدت: “والدي يخرج منذ التاسعة صباحًا؛ فهو قد اعتنق الآية الكريمة {وجعلنا النهار معاشا} طريقًا وأسلوبًا لحياته، وعلَّمنا إياها مبدأ ومنسكًا.. ومشاويره اليومية متغيرة ما بين مكتب البريد (سابقًا)، وسوق الخضار، الخباز.. وأشياء هنا وهناك”.
وقالت: “ثم يعود ليصلي في مسجد الحارة ظهرًا.. ويقضي وقته حتى الفطور معنا، وقد يشاهد بعض البرامج والأخبار، ولا يحب في رمضان كثرة الزيارات، وهو بذاته شخص يحب عائلته ومحيطها”.
وعن نظامه الغذائي: “بعض الأحيان يحضر عصير كركديه أو قمر دين أو قطايف كنوع من الإضافات للسفرة، وأشياء يشتهيها لنا، وقليلاً ما يأكلها؛ فهو حريص جدًّا على غذائه، طعامه صحي ومتوازن، وإن رغب في تجربة طبق جديد فمجرد (ذواقة) لا أكثر من ذلك”.
وعن سفرته الرمضانية أوضحت: “كان إفطاره عبارة عن (شوطين)، قبل الصلاة تمر وقشطة وصحن سلطة، ولا يزال صوته يقرع في آذاننا وقلوبنا عندما يستهل الطعام بالحديث النبوي: (ذهب الظمأ، وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)”. وأضافت: “بعدها يحتسي طبقًا من الشوربة، ويتناول سمبوسة لحم بالفرن، وينام بعد التراويح، ويقوم للسحور، ثم ينام ساعة أو اثنتين، ويبدأ يومًا جديدًا”.
وزادت في حديثها: “وعندما تبدأ العشر الأواخر يشد الحزام لعبادات وعادات تثلج الصدر بطهرها، فيملتئ البيت بحماسه وروحه الطيبة، وهو يحضر (صدقة عن والديه) ليخرجها قبل ليلة ٢٥ من رمضان؛ فالمواعيد عنده لا تقبل التبديل لأي ظرف كان. وما إن ينتهي تبدأ الرحلة من جديد للتحضير لزكاة الفطر، ولا قناعة إلا بكتابة أسمائنا بورقة وقلم كما اعتاد في تنظيم أموره”.
وتقول ابنته عن فقدان والدها المذيع الراحل الذي بكته الساحة الإعلامية: “في رمضان هذا العام نفتقده في كل زاوية، ونتخيله في كل مشهد، حتى بكته أشياؤه وعاداته كما تركها بروحه الطيبة؛ لأنه باق فينا ما بقيت أرواحنا”.
واختتمت: “فوالدي ترك وراءه ذكرى رائعة، لا تكاد تنقطع في رمضان وغيره. وهذا الشهر نبدأ رحلة الصوم بدونه، وهو جرح عميق –بلا شك-، لكنها أقدار الله ونواميس الكون؛ فالجميع راحل، والصفحات ستُطوى لا محالة، لكن اللافت أن والدي طوى صفحته بذكرى طيبة، وعمل يشفع له، ويكفي عدد محبيه من كل الوطن”.