المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

فرنسا تستعجل إستراتيجية دفاع أوروبية

ترغب فرنسا بأن تنفرد أوروبا باستراتيجيتها الدفاعية الخاصة، بسبب تعاظم المخاطر في العالم وتخلي الولايات المتحدة الاميركية، يوما بعد يوم، عن التزاماتها، ويبدو وفق المختصين أن الأمر بات ملحا اكثر من ذي قبل بسبب الحملات التضليلية التي باتت توجه العالم على شبكة الانترنت، وانتقال الحرب من البر والبحر إلى الفضاء.

بعد مضي قرابة عام على نشر المجلة الاستراتيجية الفرنسية لتقرير تضمّن توقعات بتفاقم عمليات التضليل الاعلامي وحرب النجوم وتنظيم مناورات بحرية وبرية عالية المستوى، بدأت فرنسا تفكر جديا في أن تنفرد أوروبا باستراتيجية دفاع خاصة بها، لتراهن عليها في المستقبل.
وتشير آخر نتائج النقاشات وجلسات التفكير التي أقيمت في 2008 و2013 ثم 2017، إلى مخاوف كبيرة، أكبرها عسكرة العالم. ونقلت مجلة ليكسبرس الفرنسية عن المديرة العامة للعلاقات العامة في وزارة الجيوش أليس غيتون قولها «إن البعد العسكري تحول الى منافسة استراتيجية وعميقة بين القوى الكبرى»، خلال الجامعة الصيفية التي نظمتها وزارة الدفاع في المدرسة العسكرية في 11 سبتمبر الماضي.
وتأتي هذه المنافسة في إطار سباق جديد على التسلح وامتلاك الاسلحة الأكثر تطورا. فبين 2015 و2017، ارتفع الانفاق العسكري في العالم بنسبة 2.5 في المئة. وفي منطقة الهند- المحيط الهادئ، حيث يرتفع خطر اندلاع الصراعات، ارتفعت نسبة الانفاق على التسلح بـ50 في المئة خلال عشرة أعوام: وفي هذه المنطقة من العالم يتركز ربع الانفاق على السلاح في العالم. وتأتي الصين في المقدمة، حيث ضاعفت ميزانيتها العسكرية ثلاث مرات خلال عشر سنوات، بعد أن شرعت في تصنيع غواصة كل عام. وفي الفترة ذاتها ارتفع حجم انفاق روسيا على الاسلحة بنسبة 30 في المئة. وأما في منطقة الشرق الاوسط، فقد زادت المملكة العربية السعودية مخصصاتها لاقتناء الاسلحة بنسبة 10 في المئة. وأما الولايات المتحدة الأميركية، التي أعلنت تخصيص 716 مليار دولار في عام 2019 لميزانيتها العسكرية، فتواصل عن بعد تصدر هذه المنافسة.

معارك في عدة مجالات
وفي الجامعة الصيفية ذاتها، قال الجنرال فرانسو لوكوانتر قائد اركان الجيوش الفرنسية «نحن بصدد الخروج من فترة تميز فيها الغرب بالهيمنة الهادئة على العالم غداة الحرب الباردة»، ذلك أن دونالد ترامب، بسياسته الانعزالية والمنفردة، دفن «وهم» النظام العالمي المتعدد الاطراف، ما ساهم في تعزيز طموحات الصين على كل المستويات وعلى الخصوص في افريقيا، حيث أصبح لبيكين منذ العام الماضي قاعدة عسكرية في جيبوتي.
وأما روسيا فتواصل هي الأخرى سياسة الترهيب، حيث نظمت قبل فترة قصيرة في صربيا أكبر مناورة عسكرية لها منذ تفكك الاتحاد السوفيتي سابقا بالتعاون مع بيكين. وقد شارك في هذه المناورة التي أطلق عليها اسم «فوستوك» بالروسية وتعني الشرق، أكثر من 297 الف عسكري وألف طائرة وليس أقل من 36 ألف دبابة. وفي الــ8 سبتمبر نظمت تمرينا آخر في البحر الابيض المتوسط، شاركت فيه 25 بارجة و34 طائرة دعما لبشار الأسد وبالتزامن مع عملية عسكرية في منطقة إدلب.
ويبدو في الجانب الروسي أن كل شيء متاح سواء برا أو بحرا، ذلك أن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي نددت في السابع من سبتمبر الماضي، بمبادرة غير مسبوقة للتجسس من قبل موسكو. ففي 2017 اقترب قمر روسي من قمر اصطناعي فرنسي ايطالي يؤمن الاتصالات العسكرية بين البلدين، وأضافت وهي تسرد تفاصيل لم يسبق ان يتم تناولها بهذا الشكل «لقد اقترب القمر الاصطناعي الروسي، حتى اعتقدنا أنه يحاول التقاط اتصالاتنا… هذا يسمى تجسسا».
وقد اعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نيته اطلاق استراتيجية دفاعية جديدة تخص الفضاء، حيث ينتظر ان تقدم لجنة من وزارة الجيوش مقترحاتها في هذا الخصوص في غضون نوفمبر المقبل.

معركة على الإنترنت
ولا تنفك مجالات المواجهة عن التوسع. ليس فقط في الفضاء وإنما أيضا في الانترنت، حيث تضاعفت حملات التضليل التي تهدف إلى زعزعة استقرار الديموقراطيات، على مواقع التواصل الاجتماعي. وحذر تقرير فرنسي انجزه مؤخرا اربعة خبراء يعملون في مركز التحليل والتوقعات والاستراتيجية التابع لوزارة الشؤون الخارجية ومعهد الابحاث الاستراتيجية التابع للمدرسة العسكرية مما وصفه «بالأسوأ القادم». ومن بين التهديدات التي يرصدها التقرير، يشير الخبراء إلى اهمية أنظمة تحرير الصور والصوت والفيديو، ذلك انها تسمح بفعل اي شيء لأي كان، ما يجعل من عملية رصد التضليل أمرا مستحيلا.
وتحدث التقرير صراحة عن موسكو، حيث جاء فيه «لقد لاحظنا أن اي تدخل تم مؤخراً كان مرتبطا من قريب او بعيد بروسيا، سواء في الاستفتاءات التي نظمت في هولندا، او حول البريكسيت في بريطانيا او الانتخابات، التي شهدتها الولايات المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا».

تحرّك جماعي
لكن كيف يمكن مواجهة هذه التهديدات، بينما الولايات المتحدة تتخلى يوما بعد يوم عن التزاماتها في عهد ترامب؟ ترد وزيرة الجيوش الفرنسية على هذا السؤال بسؤال آخر: «ماذا سيحصل غدا إن وجدت أوروبا نفسها مجبرة على تأمين دفاعها بمفردها؟
تحافظ فرنسا دوماً على استقلالية قرارها، لكنها لا ترغب في التحرك من دون شركائها. ويقول مسؤول كبير في الجيش الفرنسي لمجلة ليكسبرس «لقد انتهت فترة غياب الاستراتيجية الاوروبية». وتناضل باريس من أجل تعزيز التعاون بين الأوروبيين على الصعيد العملياتي، كما الصعيد الصناعي. ومشاريع القتال الجوي المستقبلي والدبابات بين ألمانيا وفرنسا هي من المشاريع الكبرى بين البلدين.
أما المفوضية الأوروبية من جهتها، فتعتزم إنشاء صندوق أوروبي للدفاع برأسمال يصل الى 13 مليار يورو في غضون سبع سنوات انطلاقا من عام 2021، لكنه يواجه مشكلة عدم اجماع اعضاء الاتحاد الأوروبي عليه.
وأما المبادرة الأوروبية للتدخل، التي أطلقها إيمانويل ماكرون في 2017، فينتظر ان تعقد الدول المنخرطة فيها، وهي فرنسا وألمانيا وبريطانيا واسبانيا وهولندا واستونيا وبلجيكا والبرتغال والدنمارك، أول اجتماع لها في نوفمبر المقبل.
كما ينتظر ان ينسق قادة الجيوش الأوروبية بشأن سيناريوهات عملياتية موحدة، بهدف إحداث تقارب عقائدي وثقافي بين هذه الجيوش. ورغم أن فرنسا هي نموذج يحتذى به فإن التحدي الأكبر هو ان بريطانيا، الشريك العسكري التاريخي، تستعد لمغادرة الاتحاد الأوروبي، وأما في المانيا، حيث ضعفت أنجيلا ميركل، فلا يملك الجيش الالماني ثقافة التدخل، لأن القانون يمنع ذلك. وكان نائب في البرلمان الأوروبي قد أكد أن ألمانيا لن تغير أبداً دستورها، لكن فكرة إعداد استراتيجية دفاعية أوروبية لم تكن أبدا ملحة وفق الخبراء، مثلما هي عليه الآن.
¶ «ليكسبرس» الفرنسية ¶

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى