المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

فاطمة حسين تفتح خزائنها وتستعرض ذكريات الماضي: «الدمنة» كانت شانزيليزيه الكويت وأول متنفس للمواطنين قديماً

فتحت رئيسة جمعية الصحافيين الكويتية فاطمة حسين دفتر ذكرياتها، وغردت في سماء الكويت القديمة عائدة بالذاكرة إلى تلك الحقبة الجميلة من التاريخ والتي على الرغم من صعوبتها إلا أنها كانت من أجمل المحطات التي بنت وهيأت لكويت الحاضر. محطات مختلفة في حياتها الدراسية بوجودها في أول دفعة نسائية دخلت التعليم النظامي في الكويت، والمهنية بانخراطها في عالم الصحافة الواسع، والاجتماعية وخاصة في حياة الغربة، عرضتها حسين خلال حوار مفتوح أقيم بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي مساء اول من امس بحضور عدد من رموز الفن والصحافة.

كويت الماضي

كيف كانت كويت الماضي قبل ظهور النفط؟ هو أول ما بدأت به حسين في حديثها، لافتة إلى انه لم يكن ثمة مواصلات وكانت المياه تحمل على الحمير، مستذكرة مجيء أول طبيب للكويت وهو الطبيب السوري يحيى الحديدي وصاحب مجيئه كذلك إنشاء المستشفى الأمريكاني ومدرسة المباركية.

وتابعت «حتى الصابون لم يكن موجودا في الكويت وإنما كان الكويتيون يستخدمون السدر في عملية التنظيف، ثم فيما بعد بدأت بعض العائلات في صناعة الصابون بمنازلهم».

ثورة على «الچواتي»

وعن طفولتها في كويت الماضي، قالت «لم نكن نعرف لبس الحذاء إلا عندما التحقنا بالمدرسة، وقمنا بثورة وقتها لرفض لبس الچوتي لأننا لم نكن نحب القيود».

وأضافت: «كانت أول مدرسة للبنات في الفترة المسائية بمدرسة المباركية، وأتذكر قيامنا بعمل مسرحية وقتها عن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي وتساقطت دموعنا آنذاك تأثرا بالقضية الفلسطينية».

مدرسة البنات

وتحدثت واصفة مدرستها فقالت «كانت جدران المدرسة مبنية من صخور البحر، وكنا وقتها نخاف إذا رأينا سيارة لدرجة أننا كنا نحتمي بظهورنا في حوائط المدرسة مما يجعل هذه الصخور تترك أثرا على ظهورنا بسبب شدة التصاقنا بها».

واعتبرت أن «منطقة الدمنة كانت بمنزلة شانزيليزيه الكويت وأول متنفس للكويتيين آنذاك».

وعن الكتاتيب قالت «قبل المدرسة كنا نذهب للكتاتيب، وكان التمييز بين الأولاد والبنات موجود حتى في الكتاتيب، حيث كان عدد الكتاتيب المخصصة للبنين ضعف نظيرتها المخصصة للبنات».

دور المعلمات

وأشارت فاطمة حسين إلى أن «المعلمات اللواتي كن يتولين عملية التدريس آنذاك كن من سورية ولبنان ولاحقا من فلسطين»، لافتة إلى دور المشرفة التربوية اللبنانية نجلاء عز الدين التي قالت انها صاحبة الفضل في نجاح حركة تعليم البنات في الكويت.

وأضافت «في الصف الثالث الابتدائي لم تنجح سوى ثلاث بنات فقط هن مريم أحمد وسعاد التركيت وأنا، وتم نقلنا من شرق إلى قبلة».

وروت رئيس جمعية الصحافيين قصة إضراب الطالبات الكويتيات عن الدراسة بعد الاستغناء عن المعلمات الفلسطينيات، قائلة «قمنا بثورة كتبنا فيها عددا من المنشورات وطلب منا الراحل عبدالعزيز حسين أن يجتمع بنا لمناقشة حل هذا الإضراب، ولكن لم تنجح ثورتنا تلك وتم نقل المعلمات الفلسطينيات للتدريس في مراحل دراسية أقل».

وذكرت انه رغم الظروف الصعبة فإن ترتيبها في الصف الرابع الثانوي كان الرابع على مستوى الكويت، ضاربة المثل بما حدث عندما طلبت معلمة الرسم من الطالبات الكويتيات رسم وردة ولم يكن في الصف سوى أربع طالبات رأين الوردة رؤية حقيقية من خلال سفرهن لسورية ولبنان، إذ لم يكن ثمة ورود في الكويت آنذاك.

وتحدثت فاطمة حسين عن ثلاثة أمور دخلت إلى حياتها مصادفة ولكنها شكلت فيما بعد العمود الفقري فيها وهي المسرح والمطبخ والصحافة.

المسرح

فعن المسرح، سردت كيفية دخولها إليه وقد كان يشكل أهمية كبيرة في أيام المدرسة التي كانت تخصص الفترة المسائية للمناظرات الشعرية والأدبية بين الطالبات، ثم تطورت الأمور بعدها وصولا إلى عرض مسرحيات يمثل فيها الطالبات، حيث اختارتها مدرستها للمشاركة في مسرحية للمنفلوطي تحت عنوان «في سبيل التاج» معللة سبب اختيارها لقوة صوتها وليس لتمثيلها الجيد، إلا أنها لم تكمل في المسرحية الأخرى «العباسة أخت الرشيد» والتي كانت ستؤدي فيها دور العباسة بسبب وفاة شقيقها ما أبعدها عن المسرح حينها.

أما الصحافة فقصتها معها مختلفة جدا، فبعد شغفها بالرياضيات وسعيها لدراسة الهندسة، فشلت في دخول كلية الهندسة في مصر لأنهم طلبوا منها آنذاك إعادة السنة الأخيرة من الثانوية العامة، وحين رفضت اضاعة سنة كاملة نصحها أقرباؤها بالتوجه الى كلية التجارة إلا أنها لم تتمكن من الانخراط فيها بسبب ارتفاع عدد الطلبة الذي يبلغ 1200 طالب وطالبة، فما كان منها إلا أن تحدثت مع «المثقفة» في الجامعة والتي مهمتها مساعدة الطلاب وإرشادهم للتخصصات التي تناسبهم، فطلبت منها ان تدخلها في التخصص الأقل عددا من حيث الطلاب فكانت الصحافة.

وقالت «دخلت الصحافة بالمصادفة الا أنني أحببتها وأحبتني»، معربة عن سعادتها باختيار هذا التخصص الذي جعلها تقابل وجوها كثيرة، متحدثة عن تجربتها بكتابة المقال مع محمد مساعد الصالح تحت عنوان وجهة نظر، وطلب مجلة «الصياد» اللبنانية الشهيرة منها نقل هذا المقال على صفحاتها وهذا كان تطورا كبيرا في حياتها الصحافية كون لبنان كانت منارة الصحافة.

ولفتت الى ان عملها في الصحافة كان دون مقابل منذ بدأت بالكتابة، مستذكرة الأساتذة الكبار في مجال الصحافة والذين ساعدوها لتكمل مسيرتها الصحافية أمثال خالد قطمة الذي وصفته بالمدرسة الصحافية، وكذلك أحمد بهاء الدين الذي شجعها على كتابة القصص في مجلة العربي.

واستذكرت شعورها بالفخر عند إصدار مجلة «العربي» وقد كانت طالبة في السنة الثانية وكان زملاؤها يسمونها «شيخة العرب»، وما زادها فخرا أن الأستاذ المحاضر أحضر نسخة من المجلة وقال ان «العرب بحاجة منذ زمن لمجلة بهذه المواصفات، وأصغر دولة استطاعت أن تصدرها».

المطبخ

وعن المطبخ، تحدثت فاطمة حسين لافتة إلى أنها لم تكن تعرف شيئا عن المطبخ قبل زواجها، وبعد انتقالها مع زوجها إلى لندن كان لزاما عليها ان تحضر الطعام، خصوصا ان منزلها بات مزارا أسبوعيا للطلبة الكويتيين الذين يحضرون لتناول الطعام الكويتي، فما كان منها إلا أن تعلمت الطبخ على أيدي بنوان البنوان الذي علمها جميع أنواع المأكولات حتى تفوقت عليه في اعداد الطعام.

صوت أميركا

خلال وجودها في نيويورك دخلت فاطمة حسين عالم الإذاعة عبر زياراتها المتكررة إلى إذاعة «صوت أميركا»، حيث تمكنت من إقناع المعنيين فيها بتسجيل اسطوانات باللغة العربية وإرسالها إلى إذاعة الكويت، لافتة إلى أن كل الاسطوانات أذيعت في الكويت ما عدا واحدة تحدثت فيها عن الانتخابات الأميركية وحجم التأثير الذي قدمته زوجة الرئيس كينيدي لزوجها ما ساهم في نجاحه في الانتخابات، وهذا التمنع عن النشر فتح أمامها بابا آخر للنضال وهو المطالبة بحقوق المرأة السياسية.

أول مؤتمر دولي

شاركت فاطمة حسين في أول مؤتمر دولي يجمع أميركا وروسيا معا تحت عنوان «السلام والحرية» في سان فرانسيسكو، حيث رشحتها الحكومة الكويتية للمشاركة فتركت ولدها برعاية جارتها، وكانت أول كويتية تحضر مؤتمرا دوليا بهذا الحجم، فكان عليها أن تلقي كلمة تقول فيها ان الكويت ليست مجرد دولة نفطية، إلا أن قلقها على ولدها زاد من توترها ولكنها نجحت أخيرا في تمثيل الكويت والقيام بما عليها بشهادة زميلاتها الحاضرات في المؤتمر من دول عربية أخرى.

العباءة الذهبية

سردت حسين قصة عباءتها الذهبية حيث أرسل لها والدها عباءة مطرزة بالذهب من الهند التي كان يعمل بها قائلة «لم أكن أعلم وقتها انها مطرزة بالذهب فاستخدمتها كخيمة لرفيقاتي».

فاطمة حسين في مسلسل

اقترحت إحدى الحاضرات في اللقاء المفتوح على حسين تحويل حياتها الى مسلسل لما فيها من تفاصيل مهمة كأول دفعة نسائية دخلت التعليم النظامي في الكويت، فما كان من الفنان القدير محمد المنصور الا أن ابدى إعجابه بالفكرة، واعدا بأن يقوم بذلك.

أنا و «الفرنسية»

ذكرت فاطمة حسين مشكلتها مع اللغة الفرنسية حين كانت طالبة في الصحافة، حيث كان مؤنس طه حسين عميدا للكلية، فشرحت له مشكلتها فطلب منها ان تنخرط في دروس خاصة باللغة الفرنسية طيلة فترة الدراسة في الكلية لمدة 3 سنوات، ففعلت، الا انها لم تتقدم للامتحانات لأن العميد قال لها إنه وضع درجتها ولا حاجة للامتحان!

شخصيات مؤثرة

استذكرت فاطمة حسين شخصيات ومواقف إنسانية أثرت فيها في بلاد الغربة وإحداهن لسيدة كانت تمتلك متجرا صغيرا بجانب منزلها في لندن وأمنت لها «جدرا» للطبخ بكميات كبيرة لمن تستضيفهم من الطلبة الكويتيين، وكذلك امرأة كولمبية التقت بها في فصول تعليم اللغة الإنجليزية في أميركا وكانت تبلغ من العمر 80 عاما فسألتها حينها عن حاجتها لتعلم اللغة في هذه السن!

«أمباشي» فاطمة

رجعت فاطمة حسين بالذاكرة نحو العدوان الثلاثي وكانت حينها طالبة في كلية التجارة فتوقفت عن الجامعة بسبب إغلاقها وانخرطت في العمل الاجتماعي في القصر العيني لمعالجة الجرحى، ثم في صفوف الجيش، حيث أخذت لقب أمباشي وكانت تحمل السلاح وتدربت على اطلاق النار وزرع الألغام.

من أجواء اللقاءإحراق «البوشية» وخلع العباءة

«كيف تخلت فاطمة حسين عن ارتداء العباءة؟» سؤال وجهته لها احدى الحاضرات، فاستذكرت المحاولات التي قامت بها مع زميلاتها في هذا الشأن منذ أيام المدرسة حيث خلعن «البوشية» وقمن بإحراقها لأنهن كن يردن الذهاب مع مدرساتهن إلى بغداد أو لبنان أثناء عطلة الربيع، إلا أن المدرسات قلن انه لا يمكن ذلك بوضعهن البوشية، فما كان من الطالبات إلا أن أزلنها، ولكن لم ينجح ذلك لأن ذويهم فرضوا عليهن وضعها وإلا عدم الذهاب إلى المدرسة.

إلا أن المحاولة الأخرى كانت أيام الجامعة في سنتها الثانية عام 1956 حيث خلعت العباءة ورفضت ارتداءها في الكويت لأنها أساسا لا ترتديها في مصر وكذلك فعلت زميلتان لها في الجامعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى