عباس يرنو إلى حاضنة فرنسية تكسر الاحتكار الأميركي
في ظل غياب أي بارقة أمل على المدى المنطور، توحي بالخروج من الأزمة المندلعة بين واشنطن ورام الله، منذ اعتراف الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها منتصف مايو المقبل، بالتزامن مع ذكرى النكبة الفلسطينية وإقامة دولة الاحتلال، تتراكم الوقائع الصلبة، التي تعزز الاعتقاد بأن عملية السلام والمفاوضات، التي شقت طريقها منذ توقيع اتفاق «أوسلو» برعاية اميركية حصرية، باتت صفحة من الماضي، أقله بالنسبة للقيادة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس الذي أتخذ هذا الخيار، وتزايدت الحملات الصهيوأميركية على شيطنته، واعتباره عقبة في طريق فرض «صفقة القرن»، التي يقترحها ترامب وفريقه لتصفية القضية الفلسطينية.
الرئيس عباس، الذي اعلن، أخيرا، رفضه انفراد واشنطن برعاية عملية السلام، يبحث حاليا عن بدائل لها، ويجاهد لشق طريق جديد بديلاً عن الطريق المسدود، الذي وصلت إليه هذه العملية، وكانت آخر محاولاته بحثه مع وزيري الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، والألماني هايكو ماس، اللذين زارا رام الله والقدس المحتلة الاثنين الماضي، مبادرته التي قدمها إلى مجلس الامن الشهر الماضي، وفي صلبها اقتراح عقد مؤتمر دولي للسلام منتصف العام الجاري.
شروط مسبقة
وقالت مصادر مقربة من الرئيس عباس لـ القبس «انه اقترح على لودريان تبني عقد هذا المؤتمر، على غرار المؤتمر الذي عقد في باريس منتصف يناير عام 2017، بحضور 70 دولة ومنظمة دولية، وقاطعته اسرائيل ورفضت نتائجه». وأضافت المصادر ان «الوزير الفرنسي أعرب عن استعداد بلاده لتقديم أي مساعدة ممكنة للخروج من المأزق الراهن، وانه سينقل هذا الاقتراح للرئيس ماكرون لدراسته»، لكنه لفت الى ضرورة توفر شرطين سيساعدان فرنسا على تبني هذا الاقتراح والعمل على تنفيذه. أولهما، أن تتقدم الدول العربية، وبخاصة السعودية ومصر والاردن، من رئيس بلاده بطلب علني لعقد المؤتمر، لأن الدول الثلاث معنية مباشرة بالشأن الفلسطيني، والإقليمي، وثانيها، مشاركة أميركا به لما لها من دالة على إسرائيل من جهة، إضافة الى أن رفض احتكارها لرعاية عملية السلام لا يعني استبعادها نهائياً منها، لأنه من دون مشاركتها وموافقتها سيتحول المؤتمر الى مهرجان سياسي لا أكثر ولا أقل.
وتابعت المصادر ان الرئيس عباس، الذي أعرب عن عدم يقينه أن تتقدم الدول العربية علناً بالطلب من فرنسا لعقد المؤتمر لأسباب تتعلق بحساباتها، وبعلاقاتها مع واشنطن، لفت إلى أن هذا الشرط يمكن ان يتحقق من خلال قرارات القمة العربية المقبلة المقررة منتصف أبريل المقبل، والمفترض ان تتبنى مبادرته في مجلس الامن ضمن قراراتها.
مواقف ثابتة
وبخصوص شرط المشاركة الاميركية، قالت المصادر ان «الرئيس عباس لا يمانع حضورها ومشاركتها، لكنه شكك بموافقتها على الحضور، خاصة ان هذا المؤتمر يأتي في إطار إعادة صياغة أسس ومرجعيات عملية السلام، لجهة إعادة الاعتبار لقرارات الشرعية الدولية كأساس للحل، وان ينتج عنه رعاية دولية متعددة الأطراف كبديل عن رعاية واشنطن الحصرية».
وعن عرض الوزير الفرنسي ونظيره الألماني وساطة بلادهما بين رام الله وواشنطن، أشارت المصادر إلى ان التوتر الذي يشوب علاقة دول الاتحاد الاوروبي، وبخاصة باريس وبرلين مع واشنطن، بسبب فرض الرئيس ترامب جمارك مرتفعة على بعض السلع الأوروبية، نيته تعليق موافقة إدارته على الاتفاق مع إيران بخصوص ملفها النووي، لا تسمح بمثل هذا التدخل، لكنهما أكدا موقف بلادهما الرافض للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتمسكهما بحل الدولتين على حدود الرابع من يونيو لعام 1967.
طرف آخر
في حين أكدت المصادر ذاتها وجود اشارات تفيد بأن الادارة الاميركية قد تلجأ الى تأجيل الاعلان عن «صفقة القرن»، وربما ادخال بعض التعديلات عليها لعدة اسباب منها، ان الصفقة بصيغتها، التي باتت معروفة، جوبهت برفض فلسطيني عارم وقاطع، وقال السفير الاميركي دافيد فريدمان لدى اسرائيل بفظاظة قبل يومين، «إذا استمر الرئيس عباس في رفضه العودة ال المفاوضات مع اسرائيل، فسنجد حتما طرفاً آخر نتحدث معه»، مضيفاً «إذا خلق أبو مازن فراغاً فإن آخرين سيملؤون الفراغ، وعندها سنتقدم إلى الأمام».
كما كشفت المصادر أن واشنطن كانت تنوي الإعلان عن «الصفقة» قبل نهاية الشهر الجاري، في حال انعقاد القمة العربية، لفرضها على القمة باعتبارها أصبحت أمراً واقعاً على العرب قبوله والتعامل معه، لكن إخفاقها بإقناع أي طرف عربي بتأييد الصفقة، خاصة بعد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل فرض عليها التراجع ولو إلى حين.
ورفضت الرئاسة الفلسطينية التصريحات التي أدلى بها فريدمان.
وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة، نبيل أبو ردينة، إن هذه التصريحات «تدخل سافر ومستهجن ومرفوض وغير مقبول، في الشأن الداخلي الفلسطيني».
وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني «لن يسمح لأية جهة خارجية، أيا كانت، بأن تقرر مصيره».
وأضاف: «يبدو أن فريدمان يتحدث باسم إسرائيل أكثر ما يتحدث باسم أميركا، وينصب نفسه مدافعاً عنها وعن المستوطنين، وهو لا يمثل مصالح الولايات المتحدة، انما يمثل عقلية لا تريد سوى توتير الأجواء والاساءة إلى الشعب الأميركي».
ولفت أبو ردينة إلى أن هذه العقلية، التي لا تخدم سوى مصالح المتطرفين والمستوطنين، هي التي خلقت (تنظيم) «داعش» والتطرف والعنف.
وقال: «على الإدارة الأميركية أن توضح موقفها من التفوهات المستمرة لسفيرها، والتي تخرج عن الأعراف الدبلوماسية».
ملفات فساد
في غضون ذلك، تمثل التحقيقات الجارية مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بملفات الفساد، واحتمال إحالته إلى القضاء وسقوط حكومته، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، سببا آخر يدفع بالادارة الاميركية الى التريث حتى ينجلي مصير الحكومة الاسرائيلية، إذ لا معنى لموافقة نتانياهو على «الصفقة» ليأخذها معه الى البيت او السجن. ولفتت المصادر الى ان الهدف الاساسي لزيارة الوزيرين الفرنسي والالماني لإسرائيل هو محاولة لإقناع نتانياهو بالموافقة على حل وسط بخصوص ملف ايران النووي، يقضي بإعادة التفاوض مع طهران على بعض نقاط الاتفاق، على أمل التوصل معها الى اتفاق «ملحق» لتطويق احتمالات حيازة ايران على السلاح النووي حتى في الامد البعيد، لكن نتانياهو واجه هذا الاقتراح بالرفض القاطع، الذي يرى في موقف ادارة ترامب، التي اكتمل عقد تطرفها، خاصة بعد تولي مايك بمبيو وزارة الخارجية، وجون بولتون منصب مستشار الامن القومي، فرصة غير قابلة للتكرار للانقضاض على هذا الاتفاق، الذي يعتبره خطراً وجودياً على إسرائيل.
إسرائيل تهدد باغتيال قادة «حماس»
هددت إسرائيل، أمس، بالعودة إلى سياسة الاغتيالات ضد قادة حركة حماس في حال وقوع تصعيد مع الفلسطينيين في غزة. وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي، في «تويتر»، «لن نسمح أن يواصل قادة حماس الاختباء في غزة بينما يتم إرسال النساء والأطفال إلى الجدار الحدودي». وأضاف «إذا لزم الأمر سنرد في الجدار وأيضا في عمق القطاع ضد من يقف وراء هذه التظاهرات العنيفة – الجناح العسكري لحماس».(الاناضول)