المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

شباب إيران يتمرّد على «قبضة» الجمهورية

 

يسعى الجيل الجديد من الشباب في إيران إلى تحقيق حريات فردية وبسيطة، لها علاقة بالمظهر الخارجي، ولا تشكل خطراً على النظام وفق صحيفة لوموند الفرنسية، عكس الجيل السابق من الشباب، الذين كانت الديموقراطية وحرية الصحافة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وحرية التعبير من بين أبرز الشعارات التي يرفعونها خلال احتجاجاتهم في الجمهورية الإسلامية.
عند مخرج محطة ميترو سعدي في قلب الحي التقليدي، وسط المدينة، يعزف شباب موسيقيون، أغاني من نوع البوب، كانت رائجة في إيران في عهد محمد رضا بهلوي، الذي انهت الثورة الإسلامية في عام 1979 فترة حكمه.

يجلس عازف الغيتار على مقعد، بينما يقف صديقه عازف الأكورديون على الرصيف، وغير بعيد عنهما يوجد شارع برلين الذي يمتد على طول 250 متر، وتصطف على جنباته محال الملابس والمطاعم الشعبية تحوّل هذا الشارع بمرور الزمن إلى ملاذ لشباب العاصمة «المتمردين» الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و23 عاماً، حيث يترددون عليه إناثا وذكوراً أسبوعيا، يدعى أحد الموسيقيين محمد، هو في الثانية والعشرين من عمره، لم يعايش هذا الشاب الثورة الإسلامية، لكنه ابنها، ويقول إن والديه التقليديين جداً لم يقوما أبداً باطلاعه في وقت سابق ع‍لى هذا النوع من الموسيقى الذي كان معروفاً في إيران، ويرددان دوماً بأنهما فشلا في أن يجعلا منه مواطنا صالحاً، ذلك أن محمد يرتدي أقراطا ويضع «بارسينغ» على حاجبه الأيسر، وأما ذراعاه فقد زينتهما الوشوم من كل جانب.
أكد محمد لمراسلة لوموند في طهران غزال غولشيري، بأنه شارك في مظاهرات، كانت عنيفة جداً، أحياناً، في بداية العام الجاري، وأنه رفع مثل آخرين شعارات ضد غلاء المعيشة وانعدام الحرية، وقال بأعلى صوته خلال تظاهرة انتهت بمقتل 25 شخصاً «لتسقط الدكتاتورية».
تشير إحصائيات الشرطة في ذلك الوقت إلى توقف 5000 شاب في 80 مدينة شهدت احتجاجات شعبية. ووفق السلطات فإن 90 في المئة منهم تقل أعمارهم عن 25 عاماً، ما يسمح لنا بتحديد طبيعة المحتجين والفئات الاجتماعية والمناطق التي ينحدرون منها، والتي تبدو مختلفة عن الأجيال السابقة.

سأواصل الكفاح
يؤمن الثلاثينيون والأربعينيون الذين ولدوا قبل الثورة الإسلامية بفترة قصيرة أو خلال الحرب ضد العراق بين عامي 1980 و1988 بأن التغيير بطيء ويتم عبر صناديق الاقتراع. فبفضل تصويتهم الكثيف تمكن الإصلاحي محمد خاتمي من الوصول إلى سدة الحكم في 1997، ومن ثمة الفوز بولاية ثانية بعد أربع سنوات. في تلك الفترة، كان هذا الرجل السياسي ممنوعاً منذ 11 عاماً من الظهور في التلفزيون والصحافة. ورغم ذلك تمكن من لفت انتباه الشباب بفضل خطاباته عن الديموقراطية والمجتمع المدني وحقوق المواطنة، وعدة موضوعات ممنوعة في الساحة السياسية الوطنية. وتقول الباحثة في علم الاجتماع مسيرات أمير إبراهيمي، في مقابلة مع صحيفة لوموند، إن الحرية فردية بالنسبة للشباب اليوم في إيران وتضيف «إنهم شغوفون بالمتعة ومشغولون بعيش حاضرهم، وهذا ما يميزيهم عن الذين سبقوهم».
لقد مضت أكثر من 20 عاماً، ومحمد المتمرد المرابط في شارع برلين، لا يعرف أي شيء عن خاتمي، أما اهتماماته، فمختلفة تماماً، حيث لم يصوت في آخر انتخابات رئاسية في مايو 2017 التي أسفرت عن فوز المعتدل حسن روحاني، بولاية ثانية، بعد أن فاز بـ57 في المئة من أصوات الناخبين، غير أنه ينتمي لمجموعة من الشباب لا يعارضون اللجوء إلى العنف. فقبل مشاركته في تظاهرات يناير، كان أحد أعضاء حركة Restart التي يديرها معارض مقيم في الولايات المتحدة. ويقول نحن ننفذ ما تدعو إليه الحركة، حيث نحرق المؤسسات ونحطم زجاج البنايات الحكومية وننشر فيما بعد على الإنترنت فيديوهات لما قمنا به من دون إعطاء تفاصيل أكثر.
ويرجع محمد مشاركته في التظاهرات إلى رغبته في شعور الدولة بالخوف ودفعها إلى ملامسة الوضع الحقيقي للشعب وليس الانقلاب على النظام. ويضيف: «لا أريد أن يسقط النظام. في هذه الحالة، سننتهي جميعنا إلى ما انتهت إليه أفغانستان».
وفي مطعم غير بعيد في الشارع، يجلس شباب آخرون زيّنت الأوشام أجزاء من أجساد الذكور منهم، فيما فضّلت الفتيات وضع ألوان مختلفة من أحمر الشفاه وصبغ الأظافر القاتم اللون. وأما شعورهن التي تظهر من تحت الحجاب، فقد صبغنهن بالأشقر والأزرق وأحياناً الأحمر.
فاطمة وزهراء شقيقتان من المجموعة، تبلغان من العمر 17 و18 عاماً على التوالي، لا تعيش الفتاتان في حي راق شمال طهران وإنما تعيشان في حي شعبي ومحافظ يقع شرق العاصمة. وهما أيضاً تضعان حلقاً على مستوى الحاجب والأنف. وتقول فاطمة التي تمتهن الرسم وبيع رسوماتها على إنستغرام إن والديها متدينان جداً، ووالدتها ترتدي التشادور، وكانا يجهلان في البداية أنها تضع أقراطاً على مستوى الحاجب والأنف. وتضيف «حين علما بالأمر، لم يستصيغا الأمر، وأجبتهما بأني وضعت الأقراط بمالي الخاص.. وبأنهما لن يستطيعا فعل أي شيء.. لقد ناضلت وأواصل النضال».

ثقافة الاستهلاك
هذا الشارع غريب جداً، هنا يأتي طلبة الثانويات والجامعات ليحلموا بإيران مثالية ودولة يستطيع فيها كل واحد أن يفعل ما يحلو له من دون أن يتعرض إلى أي مضايقات، وحيث يمكن أن يرتدي ما شاء ويحضر الحفلات الموسيقية من دون مشاكل.
إنها مطالب بسيطة وفردية. هنا لا أحد يتحدث عن الديموقراطية ولا حرية الصحافة ولا حقوق الإنسان ولا المجتمع المدني ولا حرية التعبير، التي كانت من بين المواضيع التي يدافع من أجلها الجيل السابق. وتقول الباحثة في علم الاجتماع مسيرات أمير إبراهيمي «إن الجيل الذي ولد قبل فترة قصيرة من الثورة أو خلال فترة الحرب وعاش فترة رئاسة خاتمي كان جيلاً مثالياً ومسيساً وينظر إلى المستقبل، ولكن شباب اليوم يرون أن الحرية فردية، همهم هو المتعة وعيش أيامهم، وهذا ما يميزهم عن الجيل السابق».
يبدو الحديث إليهم، عن ثمانينيات القرن الماضي، عديم الفائدة، حيث كانت الفتيات ممنوعات من ارتداء الجوارب والأحذية البيضاء، لا أحد من هؤلاء يصدق هذا الأمر، بالنسبة لهم لم تكن تلك الفترة أبداً جزءاً من تاريخ إيران عكس أبناء تلك المرحلة الذين لم يعرفوا الخوف من التفجيرات التي تعودوا عليها خلال الحرب مع العراق، كما لم يعانوا من نقص المواد الغذائية، حين كان جميع المواطنين يعيشون في المستوى نفسه.
خلال فترة حكم محمود أحمدي نجاد بين عامي 2005 و2013، وعندما كانت العقوبات الدولية تهدف إلى توقيف البرنامج النووي الإيراني، تمكنت بعض الفئات من المجتمع من تكوين ثروات بفضل علاقتها بالسلطة، فزادت الهوة بين الأثرياء والفقراء، ويوماً بعد يوم لم يعد الأثرياء يرضون بإخفاء ثرائهم وأصبحوا يتجولون علناً في سيارات فارهة في شوارع طهران.
لم تكن الثقافة الاستهلاكية مسيطرة في إيران بهذا الشكل الذي هي عليه الآن، ففي العاصمة وغيرها من المدن ازدهرت المراكز التجارية التي اصبحت ملاذا للشباب، ففي طهران وحدها 400 مركز وفي مشهد 170 مركزاً تجارياً أيضا. ومثل بقية الشباب، لا يملك شباب شارع برلين الامكانات التي تسمح لهم بشراء الماركات الفاخرة، لذلك تراهم يرصدونها من خلف الواجهات فقط. ويقول رضا طالب الإعلام الآلي ذو 19 عاماً «أنا أرى هذه السيارات الغالية وفي الجهة المقابلة من الشارع أرى أطفالاً يفتشون القمامة، الكل غير آبه ولا مكترث وأما أنا فلا، لأن والدي يعاني رغم أنه أمضى 30 عاماً في الوظيفة.. الأمور سيئة».
يبدو المستقبل قاتما بالنسبة لفاطمة وعلي وبقية الشباب، ففي هذا البلد الذي تبلغ فيه نسبةالشباب بين 15 و24 عاماً 15 في المئة من تعداد السكان، تصل نسبة البطالة إلى 12 في المئة وطنياً، بينما تصل إلى 28 في المئة في بعض المناطق.
وان كان يصعب قياس الظاهرة في الأحياء التي تقع في قلب طهران، فإن شباباً آخرين في أحياء حضرية يعبرون عن غضبهم من حالة الانسداد التي تعيشها البلاد، ووفق الباحث في علم الاجتماع سيد عبد الأمير نابافي فان الشباب ينتظرون من النظام السياسي ان يفعل أدواته خصوصاً في الجانب الاقتصادي، ليعيش المواطنون بهدوء وحرية من دون المساس بأساسياته الايديولوجية. ويضيف «هذا أمر جيد بالنسبة للنظام ففي العمق هذا الجيل لا يعبأ تماماً بأيديولوجيته».
¶ لوموند الفرنسية ¶

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى