سياحة الرحلات البحرية تزدهر في الشرق الأوسط
![](https://www.shula.news/wp-content/uploads/2017/12/29879163-780x405-13.jpg)
في الشهر الماضي، قبالة سواحل الصومال، حيث تواجه سفن الشحن خطر الخطف من قبل القراصنة، كان الركاب على متن سفينة سيبورن انكور يتمتعون بشرب المشروبات والاستماع الى الأوبرا حول حوض السباحة عندما خرج فجأة من الظلام زورق صغير. هرع الحشد الى الدرابزين الجانبي لمشاهدة ما يحصل.
صعد الى السفينة السياحية حراس أمن يحملون «أسلحة تقليدية»، لتوفير، كما شرح القبطان، حماية اضافية أثناء الابحار في مسار قد يكون صعبا.
يقول الدكتور جاك كينغ، طبيب تقويم الأسنان من دايتون بولاية أوهايو، وأحد الركاب البالغ عددهم 548 راكبا الذين كانوا في رحلة استغرقت ثلاثة أسابيع من روما الى دبي «ما حصل كان أشبه بفيلم جيمس بوند».
وبعد أسبوع، بالقرب من أبو ظبي، انطلقت صفارة الانذار تعلن وصول قارب آخر. هذه المرة، كان القارب يحمل 500 غرام من علب الكافيار والمشروبات ليستمتع ضيوف انكور بالأمواج الدافئة لشاطئ خاص وحصري.
الابحار من البحر الأبيض المتوسط الى الخليج العربي يجلب شعورا بالغموض وغالبا ما تكون التجهيزات من فئة خمس نجوم. ولهذا فان هناك اقبالا يتزايد على هذا النوع من الرحلات البحرية.
رسى ما مجموعه 87 سفينة سياحية في دبي عام 2009، وهو رقم تضاعف تقريبا الى 157 سفينة خلال موسم الشتاء 2016 – 2017. وتستعد 18 شركة لارساء سفنها للرحلات البحرية في الشرق الأوسط هذا الشتاء، مع وجود خمسة خطوط كروز تعمل بموسم كامل هناك، كما تخطط شركات اضافية، بما في ذلك بي آند كيو كروز التابعة لشركة كرنفال لطرح برامج رحلات على الانترنت في 2019.
سبب هذا الانتعاش في الرحلات البحرية السياحية يعود الى أنه مع قيام بلدان منطقة الشرق الأوسط بالاستثمار بكثافة في البنية التحتية، باتت ترى شركات الرحلات البحرية الآن في المنطقة مكانا جذابا لنقل أساطيلها في أوروبا خلال فصل الشتاء، في حين يرى المسافرون في مسارات الرحلة وسيلة سهلة لزيارة ورؤية العديد من عوامل الجذب التي لم يسبق لهم زيارتها.
لا حاجة للخوف
يوجد في منطقة الشرق الأوسط الكثير من المعالم السياحية التي تستهوي السياح الأجانب كالأهرامات المصرية ومدينة البتراء القديمة في الأردن ومدينة القدس، والرحلات البحرية تعد طريقة سهلة لرؤية العديد منها في رحلة واحدة. وتشمل الرحلات البحرية السياحية الطويلة مثل رحلات سيبورن انكور زيارات الى البترا والقدس، بالاضافة الى رحلات عبر قناة السويس وركوب الجمال في وادي رم، الصحراء الحمراء في الأردن التي كسبت شهرة من فيلم لورنس العرب.
وحتى في الرحلات القصيرة التى لا تتجاوز الأسبوع، يمكن للمسافر عبر تلك الرحلات معايشة الأجواء العربية القديمة في عمان، حيث يبيع تجار السوق البخور والعطور، ومن ثم تجربة المسرات الحديثة في أبوظبي ودبي، بما في ذلك متحف اللوفر الجديد في أبوظبي. الحصن القديم في البحرين والقطع الأثرية التي تعود الى آلاف السنين في متحف الفن الاسلامي في الدوحة، هي أمثلة ممتازة على ما توفره هذه الرحلات من جسور تربط بين القديم والحديث.
ويتطلب الجمع بين هذه الأماكن في رحلة برية تخطيطا على مستوى خبراء في السفر. والعلاقات المتوترة بين حكومات البلدان المتجاورة يعني أنه يتم رفض دخول المسافر عبر الحدود لوجود ختم قديم لبلد منافس أو خصم في جواز السفر. كما أن العديد من مناطق الجذب الرئيسية تتطلب مساعدة من دليل وسائق.
لكن السفر عبر الكروز أو الرحلات البحرية السياحية تكون الأمور مضمونة: اذ يتم ترتيب التأشيرات من قبل شركة الكروز ويتم اصدارها للمسافرين بمجرد الهبوط في الميناء. أما المسافرون القلقون بشأن الأمن فسيشعرون بالارتياح من الوجود المستمر للحراس المسلحين، سواء على الشاطئ أو خارجه، رغم أن المسافرين قد لا يرونهم.
أفضل عن طريق البحر
هناك فوائد أخرى للرحلات البحرية الفاخرة في الشرق الأوسط. فوجود المطاعم يكون أسهل على السفن من على الأرض. وفي انكور، يمكن القول ان التسوق الفاخر يبحر معك بكل معنى الكلمة. فاذا لم يجد المسافر ما يريده في سوق الذهب في دبي، يمكنه شراء عقد بريليانت ستارز المرصع بالماس والياقوت الأصفر المتاح على متن السفينة بسعر 41 ألف دولار.
ولعل الأهم من ذلك هو أن الرحلات الشاطئية تأتي دائما مع المرشدين المحليين الذين يمكنهم المساعدة في كسر الحواجز الثقافية، سواء أثناء التجول في المساجد الفخمة أو استكشاف متاهة الأسواق أو ركوب أسرع ملاه في العالم الموجود في عالم فيراري أبوظبي.
كما يساعد المرشدون المحليون في تجاوز الحواجز اللغوية وقواعد اللباس المحلي. (عموما، ينصح السياح غالبا بارتداء الملابس المحتشمة).
تقول فانيسا بكتيل، 38 عاما، التي ترأس مؤسسة فينتورا كاونتي كويونيتي في سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا، التي سافرت مع زوجها جيم على متن رحلة بحرية الى الشرق الأوسط «بالطبع كان لدي بعض المخاوف وهاجس بشأن اللباس المناسب وما ينبغي على أن أرتديه. ربما أكبر هاجس بالنسبة لي أن لا أحب ثقافة المنطقة أو عدم الشعور بالراحة».
لكن بكتيل تقول إن تجربتها فتحت عينيها على أمور جديدة. فكما تقول «أفكر في كل الأشياء التي كنت قلقة بشأنها كالقراصنة والعنف والكراهية كوني قادمة من الولايات المتحدة وامرأة شابة وعدم فهم العادات بما فيه الكفاية، والاساءة الى ثقافة البلد عن غير قصد».
وتضيف «قرأت في مكان ما أن المرأة لا ينبغي أن تصافح الرجال لكنني صافحت الكثير من الناس».
من منظور شركات الرحلات البحرية، يعتبر الشرق الأوسط منجم ذهب محتملا، على افتراض أنه لا يزال مستقرا سياسيا. ویمکنها استخدام هذه المسارات لاستغلال الوقت الذي یستغرقه نقل سفينة من موسم الصیف في البحر الأبیض المتوسط الی موسم الشتاء في آسیا أو جنوب المحیط الهادئ.
هذه المسارات أيضا تستقطب مجموعة واسعة من المسافرين. حتى الآن، يبدو أن الرحلات الطويلة تجذب سكان القارة الأوروبية الذين يتمتعون بعطلات وافرة. وتستقطب الرحلات البحرية التي تستمر أسبوعا الألمان والايطاليين للسفر من خلال السفن التي تديرها الشركات الألمانية والايطالية مثل كوستا كروزيس سبا وايه آي دي ايه كروزيس.
في نهاية المطاف، فان الأمل هو أن تستقطب هذه الرحلات المواطنين والسكان المحليين، بما في ذلك الوافدون والزبائن من الهند المجاورة، على الرغم من وجود محاذير كثيرة بالنسبة للمسلمين الملتزمين. فمرافق السفن لا تزال غربية من حيث التصميم مع وجود حمامات السباحة المشتركة والحانات التي تقدم المشروبات.
في سبتمبر، وبعد الحصول على تأكيدات بأن الطعام الحلال سيتم تقديمه على متن سفن الرحلات البحرية التي تنظمها شركة ام اس سي كروزيس وسيليبرتي كروزيس اللتان تبحران من أبوظبي، أطلقت الامارة الحملة الأولى في الخليج لتشجيع الرحلات البحرية السياحية.
أبوظبي
وحتى لو لم يسافروا على متن الرحلات البحرية، الا أن السكان المحليين يستثمرون فيها. ويعني تنامي وتوسع سوق الرحلات البحرية زيادة عدد الزوار وانفاقهم. لهذا السبب فتحت أبوظبي أول محطة سياحية مخصصة للرحلات البحرية قبل عامين، تلاها افتتاح صير بني ياس كروز بيتش، وهو ميناء من صنع الانسان يمكن الوصول اليه عن طريق سفينة خدمات. وقال سعيد عبدالله الظاهري، مدير قطاع الرحلات البحرية في أبوظبي: «في المنطقة كلها، لا يوجد أي منتج للرحلات البحرية السياحية آخر يتم توفيره».
هذا الجهد يؤتي ثماره. اذ ازداد عدد المسافرين في أبوظبي بمعدل عشرة أضعاف خلال العقد الماضي، حيث وصل عددهم الى 345 ألف شخص في الموسم الماضي. ومن المتوقع أن يزداد هذا الرقم بنسبة %5 اضافية هذا الموسم. وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن يصل الى دبي مليون مسافر عبر رحلات الكروز بحلول عام 2020، في الوقت الذي تطلق فيه أيضا محطتين اضافيتين للرحلات البحرية قيد التطوير حاليا.
مسار تصاعدي
ويتوقع لاري بيمنتل، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة أزامارا كلوب كرويسس، وهو أسطول صغير فاخر تحت اشراف رويال كاريبيان كرويوزيس، بأن هذه ليست سوى بداية لمسار تصاعدي للرحلات البحرية في الشرق الأوسط. وقال «اعتقد ان الشرق الاوسط سيصبح لاعبا أكبر في الرحلات البحرية».
وكان بيمنتل، الذي أبحر في المنطقة العام الماضي، خلال اقامة طويلة في مسقط، استضاف بنفسه رحلة لقضاء ليلة في خيام لويس فويتون التي أقيمت في مجتمع بدوي في الصحراء. وقد حققت الرحلة نجاحا كبيرا. وفي العام المقبل، ستتوقف سفينتان من ضمن السفن الثلاث التي يملكها التي تحمل 690 راكبا في مسقط لقضاء ليلة فيها.
وقال ريتشارد ميدوز، رئيس سيبورن «ان الشرق الأوسط ذو أهمية كبيرة بالنسبة للمسافرين الأثرياء الذين يبحثون عن الانغماس الثقافي والتجارب الأصيلة. يريد الضيوف أن يشعروا بأنهم جزء من المشهد المحلي وليس مجرد زيارة تأخذهم الى المواقع السياحية الأكثر شعبية».
وفي حين يعتقد صديقاتها أنها مجنونة حتى تسافر في رحلة بحرية الى الشرق الأوسط، تأمل بكتيل في أن تتمكن من العودة إلى المنطقة قريبا.
قبل ذلك، قد تعيد بكتيل الاتصال بصديق التقت به أثناء زيارة الى سوق للأسماك خارج مسقط، وهو رجل له ثلاث زوجات و22 من الأبناء.
وتقول بكتيل «حياتنا مختلفة تماما، لكننا تحدثنا عن بلدينا، وتبين أن لديه ابنة أخ في واشنطن، لذا أرسلت اليه رسالة نصية تتضمن أرقام الهواتف والبريد الالكتروني للاتصال».(بلومبيرغ)