سعدية مفرح في صالون «سؤال» الثقافي

استضاف صالون «سؤال» الثقافي، الذي تشرف عليه الفنانة التشكيلية مي السعد، الزميلة الشاعرة سعدية مفرح، حيث أدار معها الكاتب والإعلامي المسرحي فهد مشعل حوارا حول كتابها «أسطورة زرقاء بكحل أسود»، مفرح القت خلال الأمسية بعض قصائدها الشعرية كما أجابت عن اسئلة الجمهور.
الأمسية بدأت بميديا صوتية لقصيدة «تغيب فأسرج خيل ظنوني»، ثم بدأ بعدها الحوار بين فهد مشعل ومفرح، حيث سألها عن كيفية دخولها عالم الدهشة للمرة الأولى، وأجابت مفرح بسرد حكايتها مع دورها الأول على مسرح المدرسة الابتدائية في مسرحية «سندريلا» فقالت:
كنت أرد على هذا السؤال بإجابة نموذجية، لكن منذ اسابيع اكتشفت أنها ليست الإجابة الحقيقية، كنت في لقاء مع طالبات في مدرسة ثانوية للبنات برفقة الفنانة مي السعد، وسألتني الطالبات السؤال وجاءت الإجابة على شكل حكاية محفورة في الذاكرة من المرحلة الابتدائية، حيث كانت الأنشطة المدرسية اهم من المنهج، ومن بينها النشاط المسرحي الذي كنت أعشقه.
أسند إليّ دور في مسرحية «سندريلا» باللغة الإنكليزية، الفريج كله عرف أنني أحفظ دوري في المسرحية باللغة الإنكليزية، أمي يرحمها الله لم تترك خياطا إلا وذهبت إليه من أجل تفصيل وتعديل ملابس الدور، وجاء يوم العرض وبعد انتهاء المسرحية سألني أهلي: لماذا لم تمثلي في المسرحية؟ وكانت صدمة بالنسبة لهم، فقد كان دوري وسط الجموع الذين يصرخون عند رؤية سندريلا «واو».
سندريلا الأخرى
أمام بنات المدرسة الثانوية اعترفت للمرة الأولى، كنت طوال شهر احفظ دور سندريلا، وكنت أدعو الله أن تمرض البطلة (سندريلا) لأقوم أنا بالدور، لكن الله لم يستجب لدعائي، اكتشفت يومها أنني لست سندريلا، لكنني قررت يومها أن أكون سندريلا على طريقتي من خلال الكتابة التي حولتني إلى سندريلا التي اشتهيها.
بلاغة البدويات
وبعد قرأت مفرح مقتطفات من كتاب «أسطورة زرقاء بكحل اسود»، الذي أهدته إلى جدتها فهي وكل الجدات اساطير مثل زرقاء اليمامة، سألها فهد مشعل عن مشروع الكتاب في تسليط الضوء على نماذج وشخصيات بدوية نسائية، واستعادة أصواتهن البائدة في دروب الذاكرة، وقالت مفرح:
ننشأ في ثقافات متعددة، لكننا ننسى هذه الثقافات، عشت جزءا من حياتي في بداوة الصحراء وشاهدت بلاغة النساء البدويات. عندما نكبر نتذكر التاريخ الشخصي لكل منا، هذا التاريخ يبدو مزيفا عندما يكتبه الآخرون عنا، ليس صحيحا أن المرأة في الجزيرة العربية كانت مكبلة بالعباءة، لقد أجرمنا في حق أنفسنا بالاستسلام لمقولات ليست صحيحة، واستعانت مفرح بنصوص شعرية للمرأة البدوية لتنسف تلك الصورة النمطية لهذه المرأة البليغة.
كتب الدهشة
ويعود فهد مشعل ويسألها إن كان لهذه السيرة البدوية إرهاصات سابقة؟ وتجيب مفرح: لدي كتاب بعنوان «سين.. نحو سيرة ذاتية ناقصة»، لكنني لا أعترف بأي سيرة كاملة، سيرة المبدع لا تكتمل إلا بالموت، كما أنني أعتقد أن الشاعر لا يستطيع أن يعبر عن نفسه إلا من خلال القصيدة، قصائدي تمثلني أكثر من كتبي.
وعن الكتب التي صنعت الدهشات الأولى في حياة مفرح قالت: كل حرف قرأته صنع لي حالة من الدهشة، ولذا عندما يطلب مني البعض اقتراح بعض الكتب للقراء اتحفظ، لأنني لا أريد حرمان القارئ من لحظة الاكتشاف الأولى، الدهشة الأولى لي كانت في الطفولة أيام المدرسة الابتدائية من خلال قصة «الفأرة البيضاء» التي كانت مكافأة التفوق وقرأتها مئات المرات، لاحقا كان شعر المتنبي دهشة اخرى، قبل سنوات كان كتاب الشاعر «رسول حمزاتوف» دهشة جديدة.
أغنية البلاد اليتيمة
مفرح قرأت على الجمهور نصا جديدا من قصيدة النثر بعنوان «وأنا الطريدة التي ينخلع قلبها إذ يتعثر الصياد في إثرها»:
أنا شهقة المفاجأة
وترنيمة المهد
وأغنية البلاد اليتيمة!
وأنا أسيرةُ الأمكنة كلها،
يكفي أن تمرّ بسنتمترٍ واحد من الأرض نسمةُ هواءٍ تنفسناها معاً ليصبحَ معتقلي الأثير!
وأنا صنيعة الكبرياء إذ هي دائي ودوائي
فلا أستطيع التنازل عن عرشها العالي حتى وأنا أراها تقذف بقلبي إلى مهوى الردى!
أنا رهينة يأسي المخاتل وأملي المستفز
أنا الجزيرة المهجورة الضائعة في المحيط..
لكنها لا تريد أن يكتشفها مغامرٌ حالمٌ بالصدفة وحدها!
أنا التي تستمع لنشرات الطقس يومياً
بحثاً عن لحظة مثخنة بجراح المطر
كي تصادفك في أروقتها بمظلة وضمادة معقمة.. ووردة!
مأزق الجميلة
وسألها فهد مشعل مرة أخرى عن واقع اللغة العربية، والمأزق الذي تمر به لغتنا الجميلة، فقالت مفرح مبتسمة: وانا المرأة المتفائلة، اللغة العربية بخير وكل التفاهات التي تلقى في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي موجودة في كل زمان، وان علينا التصدي لهذا الواقع من خلال توعية القارئ وتدريب ذائقته اللغوية، وأننا جميعا نتحمل ذلك في البيت والمدرسة ووسائل الإعلام.
الشاعر الأيقونة
وعندما طلب منها مشعل اختيار نص لشاعر لتقرأه على الجمهور، اختارت مفرح قصيدة «كفّي الملام» للشاعر فهد العسكر، حيث رأت أنه أيقونة الشعر الكويتي وان الكويت لم تعرف شاعرا في مثل موهبته:
كفّي الملامَ وعلليني فالشك أودى باليقينِ
وتناهبت كبدي الشجون فمن مجيري؟ مِن شجوني
وأمضّني الداء العياء فمن مغيثيي؟ من معيني؟
أين التي خلقت لتهواني وباتت تجتويني
الله يا أماه فيَّ ترفقي لا تعذليني
الرواية وأدونيس والغياب
في المداخلات التي أعقبت الحوار، سئلت مفرح إن كانت الكلمة قد نجحت في الدفاع عن حقوق المرأة ونيل حقوقها؟ وأجابت مفرح: الكلمة إحدى التجليات لكنها ليست كل شيء، ثم ان علينا أن ندافع عن حقوقنا جميعا كبشر بعيدا عن التصنيف كذكر وأنثى، المرأة تعاني لكن الرجل يعاني أيضا، علينا أن ننادي بحقوق الإنسان في الحرية والحياة الإنسانية لنا جميعا، عندما يتحرر الرجل ويكون حرا سيأخذ بيد المرأة نحو الحرية.
بينما سئلت عن مواجهتها لأدونيس في مهرجان أثير للشعر العربي في عُمان فقالت انها تحب شعر أدونيس لكنها واجهته بموقفه المتناقض، حيث رفض الثورة السورية لأنها خرجت من مسجد، بينما أيد الثورة الإيرانية التي خرجت من حوزة وكتب قصيدة في قائدها.
وسألها عبدالله الفلاح إن كان في نيتها كتابة رواية؟ وردت مفرح بأنها قارئة وناقدة جيدة للرواية، لكنها لا تمتلك موهبة كتابة رواية، وليس لديها شغف لكتابتها، وسألها الفلاح مرة أخرى لماذا يتكرر الغياب في قصائدها؟ وأجابت مفرح بأن أحد النقاد نبهها منذ سنوات إلى كلمة تتكرر كثيرا في نصوصها وانتبهت ولم تعد تكررها، وكذلك كلمة الغياب بدأت تنتبه لها، وقالت ربما كان تكرارها بسبب الرغبة بالتمتع بالحضور في مزيد من الغياب.