سبتي: المنهج التعليمي يضعه الملا

الحنين الى الأيام الخوالي، يبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت، في عصر ما قبل النفط أو في مرحلة الاستقلال وما بعدها، في هذا اللقاء رحلة مع الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقب عنه، مع الذين عايشوه، تسجل لهم صفحات من عبق التاريخ، ففيه رسالة وعبرة للأجيال.
الحديث مع الباحث عباس سبتي له نكهة خاصة، فقد عاصر التعليم في الكويت بنظاميه، أيام الكتاتيب، وعندما أدخل الحداثة فيه على مشارف الاستقلال، وهو من جيل اختبر نظام الكتّاب أواخر عصره ليوم كان تلميذاً في مدرسة الكاظمة الابتدائية قبل أن يختفي نظام الكتّاب.
أوائل الكتاتيب
حدثنا سبتي بقوله إن أول الكتاتيب كان محمد بن فيروز الذي تولى القضاء، كما أن من أوائل المدرسين الكويتيين السيد عبدالجليل الطبطبائي، ولكن لم ينتشر ظهور الكتاتيب إلا في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر إبان عهد الشيخ عبدالله بن صباح الصباح، وأول الكتاتيب المعروفة قد لا يكون الكتاب الأول، هو كتّاب «سليمان زبيع الموسوي» المولود في عام 1812، وقد اتخذ من داره في فريج الشيوخ (موقع المسجد الكبير حالياً) مقراً للتدريس، وقد درس الشيخ يوسف بن عيسى القناعي وأبناء النقيب، وسلمان الصباح، ومن الكتاتيب القديمة حمد عبدالرحمن بودي (مولود عام 1920) وكتّاب محمد بن سيف (مولود عام 1835)، ومن أقدم المطوعات (كتاتيب البنات) المعروفة شريفة حسين العلي العمر التي أخذت عن والدها، وأنشأت كتّاباً في فريج الصقر عام 1855، وكذلك موزة بنت حمادة المولودة عام 1836، والكتّابة لطيفة محمد الشمالي 1860.
وقال الباحث سبتي: إن المطوع له طريقته وأسلوبه في تنظيم جلوس الصغار وانتظامهم في الدروس واستماعهم وإنصاتهم، ففي مكان التدريس يجلس المطوع في صدر المجلس، والصغار في صف على يمينه ويساره، ويمتد الصف فيجلس بعضهم على الجدار مستندين إليه، وإن كانت هناك زيادة صفهم في الوسط صفوفاً خلف صف، وهو يتفرغ لهم بجهود، فينادي واحداً واحداً، يستمع لهذا، ويوجه هذا، وقبل أذان الظهر بنصف ساعة تقريباً يغادر الطلاب إلى بيوتهم ويعودون بعد تناول الغداء، وهكذا تسير الدراسة في الفترة الثانية التي تبدأ بعد العصر.
وأضاف: يفرض الملا على التلاميذ أن يجلبوا معهم البساط ليجلسوا عليه، والصناديق الخشبية الصغيرة لحفظ أدواتهم ولوحة يكتبون عليها بواسطة الأقلام التي يعملها لهم (الملا) من القصب، وكان الملا يتقاضى أجوراً شهرية من عائلات التلاميذ، ولا تقل عن 150 فلساً، أو يأخذ مادة عينية أخرى، وبعض الكتاب يأخذون كل يوم خميس وتسمى «خمسية».
التلقين المباشر
قال: تفتقر الدراسة في الكتاب إلى الخطة التعليمية وإلى المنهج الدراسي وإلى الكتب، فقد اعتمدت على «الملا» وكفاءته وله طريقته المميزة تبدأ بالحروف الهجائية تعرف بالتهجي (الجهرية)، أي القراءة بصوت عال، وبعد أن يتقن التلميذ ينتقل إلى مرحلة القراءة السريعة التي تسمى «رَوَان»، وهكذا يتدرج في الدراسة كلما تقدم في الحفظ وبصورة أساسية حفظ القرآن الكريم وصولاً إلى ختم القرآن الذي يتراوح بين ستة أشهر إلى سنة، حيث يحصل التلميذ على شهادة التخرج من الملا، هنا تقام له زفة التخرج التي تعرف «بزفة الختمة»، يشارك فيها تلاميذ الكتاب ويلبسون أجمل الملابس ويسير خلفهم الملا ووراءه أحد «المنادين» وهو يقرأ دعاء الختمة.
وأضاف: أسلوب التعليم العلاقة القائمة بين المعلم والطالب على التلقين المباشر للمعلومات بأسلوب المحاضرات، واختبار مدى تحصيل الطالب في نهاية الفصل أو العام الدراسي، مع تكليف الطالب بحل واجبات كثيرة ومتعددة بتعدد المواد التعليمية، وكانت المناهج التعليمية يتم وضعها الملا بتلقين الطلبة موضوعات معينة يختارها هو من مراجع قديمة، ولا يتم تدقيقها من قبل خبراء تربويين، وكان المعلم قيماً على سلوكيات الطالب في الفصل، ويعتمد أسلوب العقاب البدني في حالة الخطأ في النواحي التعليمية أو السلوكية، وأدوات التعليم الأساسية الكراس للتدوين، وسبورة صغيرة من الحجر وجزء عم، والصبيان الكبار كان الطالب يحضر كل منهم صندوقاً خشبياً صغيراً يدعى «السحارة» لحفظ أدواته، وبعض الأولاد يملكون نوعاً جيداً من تلك السحاحير من خشب «السيسم» تدعي «البشختة». وأما الحبر، فكان الطالب يستحضره بنفسه يأتي بأقراصه ويسحقونها بقطعة حجر ملساء تسمى «المسحاتة» إلى أن ينعم فيضعونه في قارورة صغيرة تسمى الدواة ويسكب التلميذ عليه الماء فيتكون لديه الحبر يستعمل معه الريشة (البرية).
وقال: لا تخلو المدرسة القديمة من العريش الذي يصنعه الصبيان أنفسهم بطلب من الملا، كانوا يجلبون الأخشاب والبواري (منقور) بقصد توفير الظلال اللازمة لهم، ولا يوجد في مدرسة الملا مستخدم (فراش) الطلاب أنفسهم يقومون بخدمة المدرسة من فرش ورش وتنظيف وحتى حوائج الملا يكلف الطالب بشرائها له من السوق. وأما الهدة (انتهاء الدوام)، فلها شأن عظيم عند الطلاب يفرحون بها والهدات كثيرة، منها: أسبوع عيد الفطر وعيد الأضحى والوقفة والناصفو ويوم القرقيعان، والمولد، والهجرة، والمعراج، ويوم قفال الغواويص وقدوم الحجاج ما أكثر العطلات والمناسبات حتى أيام المطر الشديد، والرطوبة الشديدة والبرد القارس والغبار وأيام الوفيات ومرض الملا ويوم الختمة.
وتحدث عن تعليم البنات فكانت المطوعة كالمطوع تضع الخطة لنفسها في التدريس، وكل الأدوات من الأهالي فكانت الواحدة منهن حاملة غرشة الماء لتشرب لعدم توفر المياه، وفي رقبة كل واحدة كيس من القماش يحتوي على اللوح والقرآن، وكانت المطوعة تكلف البنات بالقيام بخدمة منزلها من الكنس والغسيل وأحيانا الطبخ.
أضاف: والمطوعة لها تلقينها الخاص، تكرر على البنات الألف لا نقطة (بدونها)، «ب» نقطة من تحت، «ت» نقطتان من فوق، «ث» ثلاث نقط من فوق، والفتحة من فوق، الكسرة من تحت، وعلى البنات التكرار، لا قراءة ولا كتابة وتقول البنت «يا مطوعة كرينا واخذي العصا وطكينا».
أساليب تأديبية
قال سبتي: لا ننسى عصا الملا أو المعلم كأن الله وهبها له ليؤدبنا بها، وكأن الضرب رحمة لنا ولوالدينا، وكنا نردد: «فرحم الله الذي أبكاني لأنه للخيز قد هداني».
ولا ننسى الفلقة وتسمى الجحيشة، أخذت الكلمة من العصا الغليظة، تكون بطول متر ونصف المتر، أدخلوا أرجلنا بالحبل المربوط بالعصا، ويبدأ المعلم بالضرب بقسوة، وأيضا الحبس من أساليب الملا، وحرمانه من وجبة الغداء أثناء حبسه في المدرسة إلى المغرب، وحرمانه من السباحة في البحر، ودمغ رجله بالحبر للتأكد من تقيده من حرمانه من الذهاب إليه، وهذه الدمغة دفعت بعض الأولاد بمسح الحبر بطبقة من الزيت حتى لا يزول، وفي عام 1911 عند افتتاح المدرسة المباركية، ضمت كثيراً من أصحاب الكتاتيب، الذين استمروا في أساليب التعليم القديمة نفسها، ولم يتغير الوضع حتى عام 1937 عندما تم إدخال أساليب التعليم الحديثة.
تطور التعليم
وتحدث الباحث سبتي عن النظام التعليمي الحديث، وعن أول مدرسة نظامية تأسست عام 1911 على يد مجموعة من المتبرعين، وفي عام 1946 قامت مجموعة من أساتذة وطلاب المدرسة المباركية بإصدار مجلة شهرية عرفت باسم «الطالب»، وهي أول مجلة مدرسية تصدر في الكويت، والمدرسة الأحمدية تأسست عام 1921، وفي العام نفسه تم افتتاح «المكتبة الأهلية» في بيت علي العامر، فكانت أول متكبة، ونظرا لازدياد عدد المدارس والحاجة إلى تنظيم التعلم، تم إنشاء مجلس المعارف عام 1936، وتم جلب أربعة مدرسين فلسطينيي الجنسية في بداية التعليم الحديث في الكويت.
وأضاف: وعند افتتاح مستشفى الإرسالية الأميركية تم افتتاح المدرسة الإنكليزية التابعة لها، ازدادت أهمية اللغة الإنكليزية، ويذكر أن عدد مدارس الكتاتيب في الكويت عام 1926 كان أكثر من سبع عشرة للذكور، وثماني مدارس للبنات، وفي ما عدا المباركية والأحمدية ومدرسة السعادة، وفي عام 1937 تأسست المدرسة الوسطى وهي أول مدرسة نظامية للإناث، وأول معلمة كانت مريم عبدالملك الصالح، ومن ثم تم تطبيق النظام الثانوي بافتتاح ثانوية الشويخ، وفي عام 1955 افتتحت روضة المثنى، وأدخلت تعديلات على السلم التعليمي ليصبح رياض الأطفال سنتين والمرحلة الابتدائية 4 سنوات والمتوسطة 4 سنوات والثانوية 4 سنوات.
إحصائيات التربية
وذكر سبتي أن النمو السكاني والعمراني تزايد، وكشفت احصائيات لوزارة التربية أن هناك زيادة كبيرة في أعداد الطلبة من 600 طالب عام 1936 إلى 48.574 طالباً عام 2002، ورافق هذه الزيادة توسع في اعداد المدارس لتصل الى 1095 مدرسة بجميع المراحل عام 2002، وارتفاع عدد المنتسبين إلى الهيئة التدريسية من 26 مدرساً عام 1936 إلى 42703 مدرساً في عام 2002.
التعليم أيام زمان
– يدفع ولي أمر الطالب في حدود روبيتين أي ما يعادل 150 فلساً كرسم دخول المدرسة.
– أجور «النافلة» مبلغ من المال أو قليل من القمح أو الأرز أو التمر في المناسبات الدينية للملا.
– يدفع الطالب مبلغاً من المال قبل العيد كعيدية للملا.
– الفطرة عبارة عن 6 أرطال من القمح أو الرز أو التمر للملا، عن الأيام الأخيرة من شهر رمضان.
– بعد أن يختم الطالب القرآن الكريم يدفع 20 روبية للملا، وإن لم يستطع الدفع يقوم بجولة على بيوت الميسورين.
– كان الملا يرسل من يراقب الخاتم أثناء طوافه على البيوت ويحاسبه على ما حصله.
لولاك ما عرف الغني
يا وارث الرسل الكرام
ومرشداً من ضل سيره
يا ماحياً بالعلم ليل الجهل
إن أطلعت جهله
يا آسي الروح السقيم
ومانعاً عنه المضره
يا كاشفاً بمكارم الأخلاق
عن ذي الخلق شره
لولاك ما عرف الغني
حسابه ألفاً وعشرة
الفضل أنت غرسته
ووضعت للناشئين بذره
أمثال:
– كان العلم سكراً خاماً، والتلميذ أصبح سكراً مصفى.
– ينبغي إكرام معلمينا أكثر من والدينا.
– من جعلك شهيراً، اعتز بما أصبحت.
– العلم في الصغر كالنقش على الحجر.
– عند الامتحان يكرم المرء أو يهان.
– إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب.
شعر عبدالله آل نوري