رحل جسدًا وترك أثرًا

بقلم : تركي المالكي
ليس من الهيّـن فراق الأهل والأصدقاء والأحبة لكن الإيمان بالقضاء خيره وشره يوجب علينا الاستسلام لله، والرضا والحمد بما قدّره الله وكتبه على خلقه – جل الله في علاه -.
الموت أمر محتوم، وشيء مقسوم، مصداقًا لقوله تعالى:” إنك ميت وإنهم ميّتون”، فالحمد لله على كل حال.
لقد خيّــم الحزن على جميع محبي الدكتور عالي القرشي ـ رحمه الله ـ من الأهل والأصدقاء، وكل من يعرفه من الأوساط الثقافية والأدبية المحلية والعربية.
ودّعنا فقيد كان رمزًا من رموز الثقافة والأدب والنقد، وأحد أبرز أعلام الحركة الأدبية والنقدية في مملكتنا الحبيبة.
الدكتور عالي ـ رحمه الله ـ كنت من أحد طلابه في كلية المعلمين بالطائف منذ عام 1416 هـ إلى عام 1420هـ، وتتلمذت على يديه، فكان الفقيد معلمًا فاضلًا، ورجلًا خلوقًا، ومربيًا عطوفًا.
وداعًا لأستاذي القدير الذي اكتسبت منه الأخلاق الحميدة والصفات المجيدة، وغرس في نفسي حب العلم والمعرفة.
يا لسعادتي الغامرة، وشرفي الكبير بأني كنت من أحد تلاميذه!
رحمك الله أبا إبراهيم، فبقدر ما زرعت في خلجات نفسي من سجايا فاضلة وذكرى عطرة، لا زلت أتذكّــر شريط الذكريات، وأحتضن تلك المآثر، وفي أيام قلائل عدت لبعض مؤلفاته القيّمة؛ لأعود بذاكرتي للحظات الإهداء الجميلة، وتوقيعه الذي له وقع خاص على قلبي، أهداني إياها خلال دراستي ولقاءاتي معه عبر المحافل والأنشطة الأدبية آنذاك، وكان آخر لقائي بأستاذي
ـ رحمه الله – في 27 أبريل 2021م عندما حضرت لنادي الطائف الأدبي؛ لحفل تدشين الأعمال النقدية الكاملة للفقيد الراحل، والذي يتزامن مع اليوم العالمي للكتاب، وألقيت بهذه المناسبة كلمة حب وتقدير، وتحية وفاء وإخلاص، ولم يقف هذا الوفاء عند هذا الحد، بل تعدّى ذلك إلى متابعة حالته الصحيّـة من خلال ما يكتبه شقيقه الأديب الأستاذ خلف على قنوات التواصل الاجتماعي، وهذا ليس من باب حب الظهور، والله عليم بذات الصدور، بل حبًّا ووفاءً وتقديرًا وعرفانًا لصاحب الجميل الراحل.
هذه الذكريات لم تدق في عالم النسيان، ولا زالت تمزّقني من الداخل، ولسان حالي يقول مثل قول الشاعر السعودي محمد حسن فقي ـ رحمه الله ـ:
ذكرياتي تُــمزّق من قلبي *** وتُــشجي حِسّــي الرهيف ولُبّي
مهما كتبت من كلمات رثاء، وسطرت من حروف حزينة لن أوفيك حقك – يا أبا إبراهيم – لما قدّمته من علم ووقت وجهد وتفانٍ في سبيل العلم والمعرفة والثقافة.
تغمدك الله أبا إبراهيم بواسع رحمته، وأسكنك فسيح جناته، وألهم أهلك وذويك ومحبيك الصبر والسلوان، وإِنَّا لله وإِنّا إليه راجعون.