رجال الوفد الشعبي يكشفون «أسرار» مؤتمر جدة
تناولت على مدى سنوات مؤتمر جدة، وكان من بينها مقال في ابريل 2016، حيث كررت نفس التساؤلات التي ساورتني منذ أكثر من 25 عاما.
ومما لاشك فيه أن كثيرين غيري، من مهتمين ممن عايشوا أو حتى ولدوا بعد مرحلة تاريخية مهمة للغاية من تاريخ الكويت ممثلة في مؤتمر جدة، الذي عقد أثناء محنة الغزو في مدينة الطائف في السعودية، تساءلوا عن سبب عدم نشر وثائق مؤتمر جدة حتى تصبح في متناول الجميع وكافة الأجيال!.
كنت بصدد ان أقوم بجمع ونشر كل ما يتصل بمؤتمر جدة بتحفيز ودعم من الأخوين الفاضلين عبدالرحمن الغنيم، أمين عام المؤتمر، ود. خليفة الوقيان، الأمين العام المساعد، وباشرت بعض الاتصالات مع بعض الشخصيات السياسية منها على سبيل المثال وليس الحصر الأخ مبارك الدويلة، لكن الظروف لم تسعفني في استعجال المشروع وإنجازه، خاصة أن جميع وثائق المؤتمر تسلمها مركز البحوث والدراسات الكويتية من أمين عام المؤتمر بعد التحرير.
مساء يوم الجمعة الموافق 211 ابريل الماضي كشف الأخ الفاضل د. عبدالله الغنيم، مدير مركز البحوث والدراسات الكويتية، في اتصال هاتفي، الستار عن خبر سار للغاية وهو ان المركز باشر منذ فترة توثيق مرحلة تاريخية ووضع ما توفر لدى المركز في كتاب وثائقي لوثائق مؤتمر جدة.
سررت بالخبر وتأنيت متعمدا عدم الحديث او الكتابة عن الموضوع حتى يقطع المركز شوطا ملموسا، فلم يكن في بالي او من أولوياتي ان أنجز هذا العمل التاريخي شخصيا بقدر ان تكون وثائق جدة وما صاحبها من تطورات سياسية محورية في متناول الجميع.
بعد ذلك، وتحديدا في يوم الاثنين الموافق 11 مايو الماضي، جمعتني دعوة كريمة مع د.عبدالله الغنيم في تمام الساعة 630 مساء، واستمر اللقاء حتى 9:30 من نفس الليلة وانتهى إلى اتفاق ان يخصني باستعراض مبكر لوثائق الكتاب من خلال نافذة القبس.
الحديث كان متشعباً بسرعة عقارب الساعة، لكن السؤال الأول الذي أخذ النصيب الأكبر من الحوار اتسم بالود والشفافية والصراحة المطلقة، وركز على السبب في التأخير في نشر وثائق جدة منذ التحرير إلى عام 2017؟
الإجابة كانت وافية ومدعمة بالدلائل والبراهين، حيث أنحصر سبب التأخير في أولويات معظمها سياسي الهدف والتاريخ أيضا، علاوة على متطلبات مؤسسات دولية كهيئة الأمم المتحدة، ودبلوماسية من قبل وزارة الخارجية الكويتية بخصوص كل قرارات مجلس الأمن والتعويضات أيضا.
سألت الدكتور الغنيم بشكل مباشر إذا كان ثمة توجيه سياسي في عدم النشر والتوثيق؟
كانت الإجابة صريحة بقدر السؤال بنفي ذلك، حيث أوضح مدير مركز البحوث والدراسات الكويتية أن الأولويات السياسية والتاريخية والدبلوماسية السالفة الذكر، التي سيتم سرد جزء من تفاصيلها، وليس كلها، لأنها تتعلق بأعمال وإصدارات عديدة وبلغات متعددة، حيث أن بعضها يعود إلى المركز، والبعض الآخر يعود إلى رحالة ومؤرخين أجانب تناولوا نشأة الكويت حتى قبل الاستقلال.
شرح د. الغنيم الأسباب والأولويات، ولخصها باستعراض ما تم إنجازه من أعمال اقتضتها متطلبات قانونية وسياسية في الوقت نفسه، حيث تم استعراض إصدارات وأعمال كان لها دور في توثيق حدود الكويت ونشأتها، والدمار الذي خلفه العدوان للنظام العراقي السابق في التسعينات، الذي قاده الطاغية المقبور صدام حسين، إلى جانب توثيق شهادات لتفاصيل ووثائق تتعلق بالأوامر في الاعتقال والتعذيب والقتل وسفك دماء الأبرياء من مدنيين كويتيين عزل، وكذلك من أبطال المقاومة، منهم من استشهد في رصاص عصابة عسكرية لدكتاتور العراق، ومنهم من توفاه الله في سجون جائر وظالم.
دقة متناهية
كان العمل يحتاج إلى دقة متناهية وترجمة من لغات أجنبية إلى اللغة العربية، وبالعكس، علاوة على التدقيق في وثائق تم تجميعها بعد تحرير الكويت، وصل عددها إلى الملايين من الأوراق، وهو ما استوجب إعادة التدقيق عليها وغربلتها من أطراف كويتية وأجنبية أيضا، قبل تقديمها إلى المؤسسات الدولية، خصوصا ذات العلاقة بقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بتحرير الكويت والتعويضات وإثبات عمق الدمار للبنية التحتية الكويتية، والجهود الجبارة في إعادة بناء وإطفاء حرائق الآبار التي أشعلتها عصابة جيش الطاغية قبل الانسحاب والهزيمة، تاركين خلفهم حتى اللباس العسكري والسلاح، وما تم تدوينه من أوامر، واستلامه من قيادة الطاغية.
واستعراض الإنتاج التاريخي والسياسي لمركز البحوث والدراسات الكويتية منذ ذلك الوقت إلى اليوم يحتاج إلى مجلدات لن توفيها وتتسعها صفحات صحيفة يومية، لكنها متوافرة على الموقع الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي ومكتبة المركز وسيتضح للمتصفح والزائر التسلسل التاريخي لكل اصدار وثائقي المبررات والأولويات.
خلاصة الحوار الودي مع الاخ الدكتور الغنيم انه لم يكن هناك توجيه سياسي بإخفاء أو اجتزاء للتاريخ على عكس ما كنت وربما غيري على قناعة إلى درجة الشكوك، لكن تسلسل الاصدارات والأعمال التي وضعها بين يدي وعددها كانت كافية لتبديد الشك.
الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله
ثاني سؤال فرضه واقع إعلامي رسمي علي وعلى غيري من المتابعين للاحتفالات في ذكرى التحرير والغزو منذ 26 عاما هو عدم التركيز في تناول الدور القيادي البارز للمغفور له باذن الله الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله، وأجاب عنه كل من عبدالرحمن الغنيم امين عام مؤتمر جدة ود. خليفة الوقيان الأمين العام المساعد وكذلك د.عبدالله الغنيم، حيث أكدوا جميعا دوره القيادي في متابعة التفاصيل الكبيرة والصغيرة ايضا المتعلقة بعمل الأمانة العامة لمؤتمر جدة ولجانه فضلا عن المتابعة الشخصية للتطورات السياسية الدولية والإقليمية.
وحدد د.عبدالله الغنيم ساعات عمل الأمير الوالد منذ الصباح الباكر حتى فترتي الظهيرة والعصر، حيث كان يجري اتصالات عبر الستالايت (الأقمار الاصطناعية) مع المقاومة الكويتية في الداخل ليطلع ويطمئن على ما يجري اولا بأول داخل الكويت بقدر ما هو متاح من وقت للمقاومة حفاظا على أمنهم ووسائل اتصالاتهم ليستكمل فيما بعد تواصله مع لجان المؤتمر بعد عرض المستجدات داخل الوطن المحتل على الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد (طيب الله ثراه) ونقل توجيهاته إلى أصحاب الشأن سواء من وزراء أو الأمانة العامة للمؤتمر ومواصلة العمل حتى ساعات متأخرة من الليل.
كان هناك أيضا تواصل منتظم مع صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بصفته نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية ومهندس التحرك الدبلوماسي، الذي كان يقضي وقته جوا متنقلا من عاصمة إلى أخرى.
ابتزاز!
ولم أكن مندهشا أو متفاجئاً من الموقف «المتخاذل» لرئيس اليمن السابق علي عبدالله الصالح، فالتاريخ يبرهن اليوم على ابتزازه وأسباب وقوفه مع الحوثيين ضد السعودية ودول التحالف الخليجي وهي دول لها أفضال عليه شخصيا!.
في تقرير الأديب المرحوم احمد السقاف بعد زيارته إلى اليمن في 1990/12/144 الذي انطلق في جولته من القاهرة في 1990/12/06 الى السودان واليمن برفقة ومشاركة الأخوة احمد النفيسي ومحمد جاسم الصقر والمرحوم محمد مساعد الصالح، ذكر التقرير انه في 1990/12/17 قصد الوفد الشعبي الكويتي – باستثناء بعض الاعضاء لظروف خاصة لم تمكنهم من مواصلة الرحلة إلى اليمن- قصر الرئاسة لمقابلة الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه علي سالم البيض بعد وصول « إشارة تطلب من الوفد الإسراع في التوجه إلى قصر الرئاسة أثناء زيارة الوفد الكويتي لجامعة صنعاء بحضور مدير الجامعة وعدد ضم نحو 40 أستاذا من العمداء الاكاديميين».
لكن «حفاوة الاستقبال الشعبي حين وصول الوفد صنعاء» لم تكن بمستوى مضمون الحوار الذي دار مع «المتخاذل» علي عبدالله صالح، كما ورد في تقرير المرحوم السقاف الذي سطره بقلمه.