المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار الكويت

ذكريات رمضانية: أصعد السطح.. ولا أرى الهلال

أخبرنا المعلم أن رمضان يبدأ برؤية الهلال وينتهي بهلال. أبلغت أبي على الغداء فأكد المعلومة وزاد بأن هناك مكافأة مرصودة لأول من يرى الهلال. صعدت السطح بعد المغرب مع التلسكوب الذي اقتنيته من متجر اللعب لأرقب الهلال، وجهت عدسته ناحية الأفق حيث يشرق من مياه الخليج، فلم أره رغم حرصي. هبطت للصالة متعبا ويائسا متطلعا لإخبار العائلة بالنبأ السيئ، رمضان سيتأخر. لقيتهم متحلقين حول التلفاز الذي يذيع أغنية يحتدم فيها التصفيق وغناء جماعي: عادت عليكم ياهلا.. ياهلا فيكم ياهلا! قال لي أبي: مبارك عليك الشهر، أحضرت لنا الهلال باكرا هذا العام. هززت رأسي وزعمت أنني رأيته. جاء رمضان دون أن أشاهد الهلال بل سمعت أغنية!
في صباح اليوم التالي بدأت محاكم التفتيش التي باتت تنعقد في كل رمضان؛ أرنا لسانك! أمد لساني في الفصل ليرى الباقون صدق صيامي، ثم يأتي دور من بعدي، إن طغى عليه اللون الأبيض فهو صادق. أما إن كان لونه طبيعيا فيخلع عليه لقب كلب رمضان. بل قد يتجاوز بعضهم ثقافتنا المحلية ويغنون أهزوجة مصرية فولكلورية: يا فاطر رمضان ياخاسر دينك.. الكلبة السودا تاكل مصارينك! يضحك المعلم وهو يأمرنا بالتوقف.

عادت عليكم يا هلا
بعد أن يقرع الجرس نهرع للمنزل لننبطح أمام التلفاز، نتابع طوفان المسلسلات الكارتونية والعربية والتاريخية تتخللها: عادت عليكم ياهلا.. يا هلا فيكم.. يا هلا. عندما يبلغ العطش مداه؛ يفرش الصماط وتبدأ مراسم صف أطباق الإفطار؛ الجريش، مجبوس الدجاج، هريس، صب القفشة، تشريب، لقيمات، شوربة، سمبوسة، سلطات.. نتحلق متأملين. الكبار ينتظرون مدفع الإفطار والأذان ليبدأوا بالتمر واللبن، بينما نمسك بكأس الفيمتو فهو الإعلان الحقيقي لساعة الإفطار. بعد أن تتلون أفواهنا بصبغته الحمراء وتبرد أفئدتنا ونصلي، نرجع للتصنم أمام التلفاز، المسلسل الكارتوني تتبعه الفوازير ثم يأخذنا والدي لصلاة التراويح ونعود منهكين من اللعب في باحة المسجد. نكمل اللعب في حوش المنزل ثم ننام. توقظني أمي قبل أذان الفجر للسحور، أقوم ببطء متعبا. أجد البطيخ فأبدأ به، يؤذن المؤذن. نظرت لأمي أكاد أبكي. تنهدت ثم أجابتني بكل طمأنينة: أكملها.. يجوز لك أن تكمل مافي يدك من طعام حتى ينتهي المؤذن من أذانه. لاحقا، بعد زمن بعيد.. بعيد، اكتشفت أنها فتوى لا أصل لها. تندرج ضمن فتاوى الأمهات اللاتي لا يردن أن يقرص الجوع أبناءهن.

يبدأ بأغنية وينتهي بأغنية
يبدأ اليوم المدرسي بمد اللسان ثانية.. ومراسم توزيع الألقاب وجوقة النباح. والتشنيع على من يحلف بأنه شرب الماء ناسيا بعد حصة التربية البدنية المنهكة. يقرع الجرس نهرع للمنزل، تلفاز، مسلسلات، صف الطعام، مذاق الفيمتو المثلج ليبدأ الإفطار. ينصرم الشهر. يقول أبي إنهم سيرصدون هلال نهاية الشهر وهناك مكافأة لمن يراه أولا. أصعد للسطح مرة أخرى مع تلسكوبي فلا يخرج من الأفق! أنزل دون أن أراه. أجدهم متحلقين حول التلفاز ويبادرني أبي: عيدك مبارك. جلبت لنا العيد باكرا هذا العام أعيد هزة رأسي. وأستمع معهم لمطرب بدشداشة زرقاء يغني: العيد هل هلاله.. كل الطرب يحلاله!
أبي والمدرس وخطيب الجامع أخبروني عن الهلال الذي يبدأ به الشهر وينتهي. بينما الحياة بكل سذاجة علمتني بأنه شهر يبدأ بأغنية وينتهي بأغنية. بعد سنوات نسيت كل ذلك. غابت عن ذاكرتي أغنية بداية الشهر ونهايته. بت ممن ينتظرون نبأ الهلال عبر نشرة الأخبار. حتى جاءني ابني يسألني إن كانت أذيعت أغنية؛ عادت عليكم! باركت له الشهر وأنا أتساءل: أتراه فكّر أن يصعد السطح ليرصد الهلال؟

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى