خفض ضغط الدم لا يناسب الجميع!
يُعتبر ارتفاع ضغط الدم عامل الخطر الأكبر الذي يزيد احتمال الإصابة بنوبة قلبية أو سكتة دماغية، بعد التدخين. يعرّض ارتفاع ضغط الدم الشرايين للتلف والضعف، ويرتبط أيضاً بقصور القلب والكلى. لذلك من المنطقي أن يصف الأطباء علاجات لخفض ضغط الدم. ولكن كم يجب خفضه؟
ذكرت دراسة أميركية السنة الماضية ضرورة أن يخفض الأطباء ضغط الدم إلى أدنى مما تشير إليه التوجيهات التقليدية. لكن دراسة أخرى أُعدَّت في أغسطس 2016 تحذر من أن هذه قد لا تكون فكرة مناسبة للجميع.
يُقاس ضغط الدم بالمليمترات زئبق في إشارة إلى جهاز قياس ضغط الدم التقليدي الذي ما زال الأطباء يستخدمونه حتى اليوم. وتشير قراءة معدل الزئبق إلى الضغط الانقباضي، الذي يقيس قوة نبضة القلب.
يُعتبر ضغط الدم الانقباضي طبيعياً إن لم يتخطَّ 120 مليمتراً زئبقاً. ثم يطلق الطبيب المزيد من الهواء من جهاز قياس الضغط ويصغي إلى أن يسمع نبضة أخف أو يختفي الصوت تماماً. يشكّل هذا الضغط الانبساطي.
مع تمدّد القلب ليمتلئ بالدم مجدداً، تحافظ الأوعية الدموية المرنة على ضغط مرتد يُعتبر ضرورياً كي يواصل الدم جريانه في الأوعية والأنسجة بين النبضة والأخرى. ويكون ضغط الدم الانبساطي طبيعياً إذا لم يتخطَّ 80 مليمتراً زئبقاً.
يرى الأطباء ضرورة أن يخضع المريض للعلاج إذا تجاوز ارتفاع ضغط الدم الانقباضي 140 مليمتراً زئبقاً. ويستند ذلك إلى دراسات تربط ارتفاع الضغط الانقباضي بمخاطر النوبة القلبية والسكتة الدماغية. اعتدنا في الماضي الاعتماد على الضغط الانبساطي، إلا أنه ما عاد يُعتبر اليوم مؤشراً جيداً إلى هذا الخطر.
ولكن ماذا يجب أن يكون الهدف؟ حتى وقت ليس ببعيد، ظنّ الأطباء أن من الكافي إنزال ضغط الدم إلى ما دون 130 مليمتراً زئبقاً. ولكن في عام 2015، اكتشفت دراسة “تدخل ارتفاع ضغط الدم الانقباضي” الأميركية (SPRINT)، التي نُشرت في “مجلة نيو إنغلند للطب” أن خفض ضغط الدم إلى ما دون 120 مليمتراً زئبقاً في حالة مَن يواجهون عوامل خطر عدة، مثل مرض القلب وارتفاع معدل الكولسترول، يقلل إلى حد كبير احتمال الإصابة بسكتة دماغية، ونوبة قلبية، وداء القلب، والموت المبكر.
لكن هذه الخطوة تترافق مع ضرورة تناول المزيد من الأدوية وما يترتب عليها من تأثيرات جانبية إضافية، بما فيها الدوار.
هدف جديد
إذاً، هل يجب أن يكون 120 مليمتراً زئبقاً الهدف الجديد؟ يعتمد الجواب على حالة المريض.
نشر في شهر أغسطس الماضي باحثون من جامعة جون هوبكنز في بالتيمور في مجلة الكلية الأميركية لطب القلب تقريراً يشير إلى أن هذا الهدف المدني قد يسبب أضراراً خفية في القلب في حالة مَن يملكون ضغط دم انبساطياً متدنياً لأنه يؤدي إلى تدنيه أكثر.
في حالة بعض مَن يعانون مرضاً في الشرايين، تخسر شرايينهم المتصلبة مرونتها وتعجز عن تقديم ضغط انبساطي جيد. نتيجة لذلك، يكون ضغط دمهم الانقباضي 140 مليمتراً زئبقاً، في حين ينخفض ضغط الدم الانبساطي إلى 65 مليمتراً زئبقاً. يعتقد الباحثون أنه مع خفض ضغط الدم الانبساطي أكثر باستخدام الأدوية المكثّف، قد لا تؤدي الشرايين التاجية، التي تزوّد عضلة القلب بالدم الغني بالأوكسجين عند تمدد القلب، عملها على أتم وجه. لكن القلب الذي لا يحظى بمقدار كافٍ من الأوكسجين يعاني تلفاً عضلياً، علماً بأن هذه تشكّل الخطوة الأولى نحو الإصابة بقصور القلب. لاختبار هذه الفكرة، درس الباحثون حالة 11500 شخص يبلغ متوسط سنهم 57 سنة. قارنوا ضغط دمهم الانبساطي مع معدلات التروبونين في دمهم، وهو بروتين يفرزه القلب المتضرر، فاكتشفوا أن مَن يكون ضغط دمهم الانقباضي أدنى من 70 مليمتراً زئبقاً هم أكثر عرضة لارتفاع معدلات التروبونين.
إذاً، قد تكون الرسالة لمن يخضعون لعلاج ارتفاع ضغط الدم أن خفض ضغط دمهم بقوة قد يلحق الضرر بالقلب، إذا كان ضغط دمهم الانبساطي متدنياً أساساً. لذلك يجب أن يستشيروا طبيبهم ويولوا قلبهم المزيد من العناية إلى أن تُنشر دراسات إضافية تُسلّط ضوءاً أكبر على هذه المسألة المحيرة، التي لا تحظى دوماً بالاهتمام الضروري.