المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

الافتراضي

خطة مارشال جديدة لإنقاذ الشرق الأوسط

كتب السناتور الديمقراطي كريس ميرفي من ولاية كونيتيكت الأمريكية، في صحيفة نيويورك تايمز، أن ثمة دروساً يجب أن تدركها الولايات المتحدة من إخفاقها في إنقاذ الشعب السوري من الوضع الكارثي والمذابح التي ارتكبتها الحكومة السورية في حلب، بدعم من روسيا وإيران.

النهج الأكثر إنسانية وفاعلية الذي ينبغي على الولايات المتحدة إتباعه يتمثل في أن يتم تكريس إنفاق الأموال في المقام الأول لمنع وقوع الكارثة

ويقول إن على الولايات المتحدة أن تتعلم من أخطائها التي تسببت في إطالة الصراع وتفاقم الخسائر البشرية للحرب السورية، وذلك لتفادي تكرارها مستقبلاً، خاصة أن الحروب الأهلية عادة لا تنتهي إلا من خلال ثلاثة سيناريوات: أولها أن يدحر أحد الطرفين الآخر في نهاية المطاف، وثانيها أن يُصاب الطرفين المتحاربين بالإنهاك من جراء طول فترة الحرب، أما ثالثها فيتمثل في تدخل قوة خارجية ذات نفوذ ساحق لفرض تسوية على الطرفين.

خطأ جسيم

ويفترض ميرفي أن الولايات المتحدة اكتفت بمشاهدة تنفيذ السيناريو الأول عندما اقتحم جيش الرئيس السوري بشار الأسد، مدعوماً بالميليشيات الإيرانية والقوات الروسية، مدينة حلب، وارتكبت خطأ جسيماً في إساءة تقدير الدعم الذي سيقدمه حلفاء بشار الأسد من أجل بقائه في السلطة، وفي الوقت نفسه، اعتقدت الولايات المتحدة أن تدابيرها التي “تعوزها الحماسة”، ستكون كافية لترجيح كفة ميزان القوى.

ولم تكن الولايات المتحدة أبداً مستعدة لبذل ما يلزم لإسقاط بشار الأسد، الأمر الذي كان واضحاً، بحسب ميرفي، حينما أدى القلق من التورط في الصراع إلى معارضة الجمهوريين والديمقراطيين للطلب الذي تقدم به أوباما للحصول على موافقة الكونغرس لشن حملة قصف محدودة رداً على استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية في هجومها على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة.

ويوضح ميرفي أنه كان يتبنى موقفاً في الكونغرس مناهضاً لشن حرب ضد بشار الأسد، إنطلاقاً من اعتقاده أن تدخل الولايات المتحدة في الحرب بصورة حاسمة من شأنه أن يحول سوريا إلى مستنقع دموي يتضاعف فيه الخراب والدمار على نحو هائل.

المعارضة السورية
وينتقد ميرفي السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة وقادت إلى إطالة أمد الصراع؛ إذ لم تستهدف القنابل الأمريكية العديدة التي تم إسقاطها في سوريا سوى داعش فقط وليس المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وحتى التدريب الذي قدم لقوات المعارضة السورية كان يفتقر إلى التنسيق الجيد للبرامج السرية والعلنية التي تديرها الأقسام المختلفة لجهاز الأمن القومي الأمريكي.

وعلى الرغم من تسليح الولايات المتحدة لقوات المعارضة، فإن الإسلحة كانت دائماً غير كافية لتمكينها من تحقيق السيطرة في ساحة المعركة. والواقع أن الولايات المتحدة كان لديها خوف مبرر من وقوع الأسلحة القوية في الأيدي الخطأ، ونتيجة لمثل هذا الدعم المنقوص، يعتبر ميرفي أن المعارضة كان محكوماً عليها بالفشل في إطاحة الأسد أو إجباره على التفاوض.

بشار الأسد
وإلى ذلك، تفاقمت أخطاء الولايات المتحدة حينما رفض الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون السماح بدخول أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى الأراضي الأمريكية تحت ذريعة المخاوف من التطرف المحلي. ويقول ميرفي إن الولايات المتحدة أكدت صحة ما يردده المتطرفون حول عدم اكتراثها بمعاناة المسلمين، وأنها أدارت ظهرها للعالم الذي هو في أشد الحاجة إليها. ويصف ميرفي بشار الأسد بأنه رجل “شرير”، ولا يمكن تبرير الأعمال الوحشية المروعة والفوضي والضرر الذي تسبب بها أو حتى الدفاع عنها، ولكن السياسة الأمريكية منذ عام 2013 قد قادت الأوضاع داخل سوريا إلى “الأسوأ” لا الأفضل.

التدخل العسكري الأمريكي
ويختلف ميرفي في الرأي مع بعض النخب السياسية والعسكرية الأمريكية التي لا تزال تتشبث بفكرة أن التدخل العسكري الأمريكي من شأنه أن يحقق الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، ويرى في ذلك “مغالطة”؛ حيث أن ضبط النفس في مواجهة الشر يُعد من الأمور الصعبة، ولكن الغطرسة في مواجهته تنطوي على ما هو أسوأ، ومن ثم فإنه كان من الأجدر أن تلتزم الولايات المتحدة بالحياد ولا تنحاز لأحد أطراف الصراع في الحرب الأهلية السورية.

ويضيف ميرفي أن المعضلة الحقيقة تتمثل في كيفية الحؤول دون انزلاق المجتمعات إلى الحروب الأهلية في المقام الأول، ويعتبرها القضية الأكثر أهمية في السياسة الخارجية التي ستواجه الكونغرس المقبل، ويجب البدء من الاعتراف بأن السياسة الخارجية القائمة على القوة العسكرية الغاشمة فقط لن تحرز الكثير في المجتمعات الغارقة في دوامات الفوضى.

نقطة في بحر
ويحض ميرفي الولايات المتحدة على تقديم المساعدات الاقتصادية للدول الأكثر حاجة في منطقة الشرق الأوسط والتي تكافح من أجل تجنب الانزلاق إلى مصير أشبه بما تشهده سوريا الآن؛ لاسيما أن الكلفة المالية لمثل هذه المساعدات تُعد بمثابة “نقطة في بحر” مقارنة مع تكلفة انحدار أيا من تلك الدول إلى الحرب الأهلية.

ويلفت ميرفي إلى أنه منذ سبعة عقود، أدركت الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية أهمية إنفاق الأموال على الإصلاحات الاقتصادية والديمقراطية والمجتمعات المدنية، بيد أن هذا الالتزام حيال بناء السلام قد اختفى. وفي عام 1949، أنفقت الولايات المتحدة حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي على هذا النوع من المساعدات الخارجية، ولكن هذه النسبة قد انخفضت الآن بمقدار 93%.

خطة مارشال جديدة
ويختتم ميرفي: “لا يعني ذلك أن وضع خطة مارشال جديدة للدول والمناطق المعرضة للخطر من شأنه أن يضمن الأمن العالمي؛ إذ استغرقت أوروبا أكثر من 1500 عام عقب سقوط الإمبراطورية الرومانية لتأسيس التعايش السلمي. وعلى الرغم من مرور قرابة مائة عام على سقوط الإمبراطورية العثمانية، فإن الشرق الأوسط لم يجد طريقه بعد لإرساء نظام جديد. ولكن النهج الذي تتبعه الولايات المتحدة في الوقت الراهن (استخدام قوتها العسكرية لمحاولة إحداث تغيير سياسي) لا يفلح في تحقيق النتائج المرجوة، ومن ناحية أخرى فإن الاكتفاء بضبط النفس يبدو غير منطقي، بيد أن البديل محكوم عليه بالفشل وبتداعيات أشد قسوة، والخلاصة أن النهج الأكثر إنسانية وفاعلية الذي ينبغي على الولايات المتحدة إتباعه يتمثل في أن يتم تكريس إنفاق الأموال في المقام الأول لمنع وقوع الكارثة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى