خبراء: بحر الكويت مريض

في مشهد يبدو كما لو كان عقابا من البحر للإنسان عما يقترفه من سلوك مدمّر للبيئة، لفظَ بحر الكويت أسماكه على الشاطئ على مدى الأيام الفائتة؛ ليكون دليلا على كميات القمامة ومياه الصرف الصحي التي تُرمى به، ومثّلت كميات السمك النافق الهائلة خطراً يحدق بالسكان إذا ما استهلكوه بالخطأ أو تركوه يتعفّن على الشاطئ.
أجراس الإنذار التي قرعها نفوق السمك على شواطئ البلاد، تزامنت مع مخاوف من نسبة التلوث المرتفعة، التي أكدتها جهات حكومية، في بلد يعتمد بنحو %95 من مياه الشرب فيه على محطات التحلية، ووجد منظر النفوق ردود فعل بارزة أظهرت حجم الأضرار الكبيرة التي تضرب البيئة البحرية للبلاد.
كشف البيان الأخير للهيئة العامة للبيئة عن أن ظاهرة نفوق الأسماك تعود إلى ارتفاع نسبة الفوسفات والبكتيريا القالونية، والمواد الهيدروكربونية البترولية في البحر بمعدلات تجاوزت 23 ضعفاً، أي إننا نستهلك أسماكاً قد تحمل نسبا مختلفة من هذه المواد والملوثات، وسط تأكيدات للمختصين بأن نفوق الأحياء البحرية حدث ويتكرر للأسباب ذاتها منذ 1999، وأن مخاطره الصحية على الإنسان ليست سهلة، وقد تؤدي إلى الوفاة.
وأكد أستاذ علوم الغذاء والتغذية بجامعة الكويت د.صالح العلي لـ «القبس» أن السموم المسبّبة لنفوق الأسماك بأنواعها البكتيري والطحالب لها تأثير مباشر في صحة الإنسان، وتتسبّب في أمراض وأعراض تبدأ بارتفاع درجة الحرارة والإسهال، وصولاً إلى الوفاة للفئات الأقل مناعة؛ كالأطفال وكبار السن والحوامل، فضلاً عن تسبب المواد الكيماوية، كالزئبق والزرنيخ، على المديين المتوسط والبعيد بأمراض مزمنة؛ كالسرطان، بينما السموم المسببة لشلل الجهاز العصبي للأسماك تنتقل للإنسان عند أكلها، وبالتالي يتعرّض لنفس السم، وله آثار خطيرة.
ظاهرة متكررة
وبيّن العلي أن ظاهرة النفوق تتكرر منذ 1999، حيث شهدت الكويت في مراحل مختلفة نفوقاً لسمك الميد والمحار وتكرر المد الأحمر أكثر من مرة، وتعود أسبابها إلى التخلص من نفايات المجاري ومحطات التكرير وسكب المواد الكيماوية في البحر، مما أخل بالتركيبة الطبيعية للكائنات والأحياء، مندداً بالتجاهل الحكومي والتعتيم على التقارير المرصودة «التي زادت الطين بلة»، لا سيما أن ظاهرة النفوق وتلوث البحر ليست مشكلة آنية.
ولفت إلى أن التلوث البيولوجي الناتج عن زيادة المواد العضوية والعوالق البحرية، يساعد في نمو أنواع من الطحالب المسببة للمد الأحمر، والمعروفة بإفرازها سموماً عصبية تتسبّب في شل الجهاز العصبي للأسماك، وبالتالي نفوقها، بينما آثار ارتفاع المواد الكيماوية في البحر تراكمية، وتتسبّب في النفوق على المدى المتوسط.
وأوضح العلي أن جون الكويت ـــ ومياه الخليج العربي عموما ـــ لا يتجدّد سريعاً، لكونه بحرا شبه مغلق، مما يؤدي إلى تراكم الملوثات بصورة أسرع من البحار المفتوحة.
أسباب علمية
من جانبه، أكد الباحث في برنامج الغذاء والتغذية بمعهد الكويت للابحاث العلمية د.هاني المزيدي أن نفوق الأسماك في الكويت ارتبط بعاملين؛ الأول ببكتيريا اسمها العلمي «ستريبتوكوكاس»، والآخر هو النتروجين والفوسفور الناتجين عن تحلل المواد البروتينية والمنظفات الصناعية المنبعثة مع مياه الصرف الصحي، والتي لم تعالج بالكفاءة المطلوبة أو لم تتم إزالتها أصلاً، الأمر الذي أدى إلى تشكل طبقات من الطحالب البحرية الضارة، استهلكت نسبة الأكسجين المذاب في البحر.
وأوضح المزيدي أن النفوق يتكرر في البلاد للأسباب ذاتها منذ أكثر من 16 عاما، حيث تتسبّب هذه المواد والبكتيريا في إجهاد الأسماك ومن ثم نفوقها نتيجة انخفاض تركيز الأكسجين المذاب وارتفاع درجة الحموضة، وتتسبّب عادة في تسمم أسماك البلطي والسالمون والميد، وقد ينتقل التسمم إلى الإنسان عبر ملامسة الأسماك النية أو أكلها.
الملامسة «مُعدية»
أكد كبير اختصاصيي مختبر وزارة الصحة وليد صلحي إمكانية انتقال بعض أنواع البكتيريا إلى الإنسان في حال ملامسة الأسماك النافقة حديثاً، وقد يتعرّض الشخص إلى أعراض؛ كالإسهال وارتفاع درجات الحرارة في بعض الحالات، لافتاً إلى أن العدوى تقل بنحو %80 في حال غسل الأيدي وتعقيمها، محذّراً من بكتيريا الكوليرا الموجودة في الأسماك، ومخاطرها الصحية الكبيرة.
دراسة الظاهرة
ذكرت د. منال الكندري، أن ظاهرة نفوق الأسماك لا بد أن تدرس من نواح عدة كالمناخ والكائنات الدقيقة المنتشرة في مياه البحر والعوالق والبكتريا والفيروسات، مشيرة الى ان حوادث النفوق المتكررة قد تكون لها مسببات مختلفة لكل مرة، وان ارتفاع كميات مغذيات البحر في بعض الأوقات قد يضر الأسماك بسبب استهلاكها لكميات كبيرة من الأكسجين.
تهديد بالإنقراض
أشار الشيخ طلال العذبي في كلمة ألقاها نيابة عن وزير النفط وزير الكهرباء، إلى أن التنوع البيولوجي في البلاد يقع تحت ضغوط مهددة بالانقراض، ونحن بحاجة إلى إجراءات سريعة وفعالة للتركيز على البحث العلمي والتخطيط الفعال ووضع القوانين الصارمة والسياسات الإدارية المناسبة وتعزيز الوعي العام من أجل الحفاظ على هذه الثروة الطبيعية وحمايتها.
ولفت إلى أن البلاد تمر حالياً بعملية معالجة بيئية ضخمة، على رأسها التنوع البيولوجي، وقد حان الوقت لتثقيف صناع السياسات والقرار بالتنوع البيولوجي وأهميته، لأن أي اخلال فيه قد يؤثر سلباً في الكرة الأرضية.