حين تلتقي الإنسانية بأروقة المناقشات العلمية
محمد تهامي خبير التطوير المؤسسي
في مساء الجمعة، الثالث عشر من ديسمبر 2024، وفي تمام الساعة الثامنة، اجتمع الفكر والجهد الإنساني في جلسة طال انتظارها، حيث عُقدت مناقشة خطة البحث للدكتوراه حول (أثر تطبيق مبادئ الحوكمة في تحسين أداء المؤسسات، “حالة نماء الخيرية -دولة الكويت”). لم تكن تلك الجلسة مجرد نقاش أكاديمي، بل حكاية إنسانية غنية بالتفاصيل والمواقف التي ستظل محفورة في الذاكرة.
بدأت الجلسة بحضور عدد من الأساتذة المناقشين، وكل منهم كان على أتم الاستعداد للخوض في نقاش عميق حول جوانب البحث، الذي تطلّب شهورًا من العمل والتخطيط، كانت القاعة تتسم بهدوء يخفي خلفه توترًا يسير في الخلفية، ولكنني كنت محاطًا بدفء الدعم والمساندة، وهو ما منحني طمأنينة وسط هذه اللحظة الحاسمة، كان أحمد حاضرًا بجانبي بروحه المرحة وتصرّفاته التي لا تخطئ حاجة الآخرين، وبينما انطلقت المناقشة، وفي لحظة شعرت فيها بالعطش نتيجة للتركيز والانفعال، ظهر أحمد بزجاجة ماء وضعها أمامي بهدوء، دون أن يلفت الأنظار، وكأنه يرسل رسالة خفية: “أنا هنا لدعمك في كل شيء.” لم يكتفِ بذلك، بل عاد لاحقًا ومعه كوب من شاي الكرك الدافئ، ليضيف لمسة من الراحة وسط صخب الأفكار والنقاشات، تلك اللحظات الصغيرة بدت وكأنها طوق نجاة، لم تكن مجرد لفتات بسيطة، بل انعكاسًا لصداقة خالصة تُظهر أن الاهتمام يكمن في التفاصيل.
على الجانب الآخر، كان محمود متيقظًا بكل حواسه، اهتمامه الدقيق بكل كلمة قيلت، ملاحظاته الحادة وتركيزه العالي، كل ذلك شكّل دعمًا غير مباشر لي خلال الجلسة، كان يلتقط كل الملاحظات بذكاء، كأنه يحاول تأطير اللحظة لضمان أن كل شيء يسير في الاتجاه الصحيح. وجوده هناك كان بمثابة سندٍ حقيقي، يبعث فيّ شعورًا بالاطمئنان بأنني لست وحدي في هذه الرحلة، المناقشة كانت حافلة بالإشادة، أحد السادة المناقشين أمضى ما يقارب عشرة دقائق مشكورًا في الإشادة بإيجابيات البحث، ومشرف آخر مشكورًا أثنى على جودة الخطة، موضحًا أنها تُعد واحدة من أكثر الأعمال دقة واحترافية التي شاهدها خلال العقد الماضي، أضاف أن الربط المحكم بين الجوانب النظرية والتطبيقية عكس رؤية واضحة وقدرة على المزج بين الفكر والواقع، كلماتهم لم تكن مجرد ثناء على البحث، بل كانت تقديرًا للعمل الجماعي الذي ساهم فيه الجميع، بمن فيهم أحمد ومحمود، اللذان أضافا لمسات لا تُنسى إلى هذه اللحظة، بالإضافة إلى أسرتي الغالية، التي أسرتني بتفانيها- الذي بلا حدود- في تهيئة الأجواء للانطلاقة نحو الريادة، ورسم مسار نهضوي في بناء وتطوير المؤسسات والأعمال.
وعقب انتهاء المناقشة، أرسل أحمد رسالة إلى مجموعة الأصدقاء، نقل فيها تفاصيل هذا اليوم المميز، عبر كلمات لخصت روح اليوم بأكمله، لم تكن مجرد جلسة مناقشة علمية، بل كانت شهادة على أن النجاح لا يتحقق بجهد فردي فقط، بل بفضل الله أولًا ثم أصدقاء يحيطونك بالدعم ويمنحونك القوة في كل خطوة، ورزق بأساتذة مشرفين يقدرون الجهد ويضيفون لمسات وتوجيهات دقيقة تعكس قدرة علمية وبحثية عالية، كل ذلك بعناية إدارة الدراسات العليا.
ستظل هذه اللحظة عالقة في ذاكرتي، حيث اجتمعت تفاصيل بسيطة لكنها غنية بالمعنى؛ زجاجة ماء، وكوب من شاي الكرك، وكلمات مشجعة، وعيون تراقب بتركيز، هذه اللحظات لم تكن مجرد مشهد عابر، بل كانت تجسيدًا لعمق الحب والدعم والتقدير الأكاديمي، لقد كان للأساتذة المشرفين الفضل الأكبر في توجيهنا وإلهامنا، بما قدموه من إشراف حكيم وملاحظات بنّاءة تساهم بإذن الله في تحسين البحث وتطويره، ولا يمكننا إغفال دور مديرة الدراسات العليا بسلاسة التقديم والقبول بالجامعة وتهيئة الأجواء الأكاديمية وتنظيم سيمنار مناقشة الخطة بكل دقة واهتمام، وصدق العقاد: “النجاح ليس محض مصادفة، بل هو حصيلة اجتهاد وتوجيه، وهو مشوار طويل من العطاء المتبادل بين الأساتذة والطلاب، فكل إشراف، وكل كلمة تشجيع، وكل توجيه حكيم، هو خطوة نحو تحقيق الأفضل.”