حوار تاريخي: “حين يتنفس البحر نور القمر…فلسفة الحب والتكامل”

محمد تهامي
المشهد:
ليلٌ تمتزج فيه زرقة البحر بضياء القمر، حيث الأمواج تتهادى كسيمفونيةٍ هادئة تعزفها الرياح، ونسيم البحر يحمل معه نكهة الملوحة والحرية. على شرفةٍ تطل على الأفق، يجلس طارق وهاجر، عروسان جديدان، يحتسيان القهوة، بينما يكسو الصمت بينهما نكهةً مختلفة—ليس فراغًا، بل حوارًا ينتظر أن يُولد.
طارق (يحدّق في الأفق، ثم يهمس كمن يخاطب نفسه): البحر والقمر… علاقةٌ أزلية، يتبع البحر نور القمر، لكنهما لا يلتقيان أبدًا. يظلان في حالة شدّ وجذب، تأثيرٌ دون امتلاك، قربٌ دون ابتلاع. ألا يشبه ذلك الزواج المثالي؟
هاجر (تضع كوبها بلطف، وتنظر إليه بعينين تحكيان أكثر مما تنطقان): ربما، لكن الفرق بيننا وبين البحر والقمر أن زواجنا ليس محكومًا بقوانين الفيزياء، بل بالإرادة. نحن نختار كيف نتعامل مع اختلافاتنا، نقرر إن كان الحب ساحة معركة، أو رقصة تناغم.
طارق (يبتسم، ثم يردّ بصوتٍ يحمل عمقًا ناضجًا): الحبّ ليس ساحة معركة، لكنه قد يكون حقل ألغام إن لم نُحسن السير فيه. هناك فرق بين أن نكون متكاملين، وبين أن نكون مستهلكين لبعضنا. كيف نحافظ على أن نكون “نحن”، دون أن نفقد “أنا” و”أنتِ”؟
هاجر (تميل برأسها قليلاً، متأملةً سؤاله كما لو كانت تنظر في مرآة روحها): العلاقة الناضجة لا تذوّب أحدنا في الآخر، بل تجعل لكلٍّ منا مساحته الخاصة دون أن يشعر الآخر بأنه بعيد. كالقمر الذي يضيء البحر دون أن يغرق فيه، وكالبحر الذي يعكس نور القمر دون أن يبتلعه.
(لحظة صمت، حيث يتردد صدى كلماتها في أفق البحر، وكأنها أطلقت فكرةً تستحق التأمل.)
طارق (يضع كوبه ويقترب قليلًا، نبرته تزداد دفئًا): لكن الحب وحده لا يكفي… ماذا عن الاستقامة؟ كيف نكون صادقين دون أن نكون قاسين، وكيف نحافظ على الوضوح دون أن نخدش رقّة المشاعر؟
هاجر (تلتقط نفسًا عميقًا، ثم تردّ وكأنها تجيب عن سؤال الحياة ذاته): الاستقامة لا تعني فقط الصدق معك، بل الصدق مع نفسي أولًا. أن أعترف بمخاوفي، بأحلامي، بتوقعاتي، وأعبر عنها لا كحكم، بل كحوار. كثيرون يخلطون بين الصراحة والفظاظة، وبين الإخلاص والتملك. الزواج يحتاج إلى “احترافية المشاعر”، تمامًا كما تحتاج الموسيقى إلى إيقاعٍ منضبط كي تظل جميلة.
طارق (تتسع ابتسامته، وكأن كلامها فتح له أفقًا جديدًا): “احترافية المشاعر”… أعجبتني العبارة! في حياتي المهنية تعلمتُ أن النجاح لا يقوم على العاطفة وحدها، بل على الوعي والمهارة. يبدو أن الزواج لا يختلف كثيرًا، فهو يحتاج إلى استثمار مستمر، وإدارة حكيمة للأزمات. لكن ماذا عن الاستدامة؟ كيف نحافظ على هذه العلاقة حيةً، دون أن تذبل مع الزمن؟
هاجر (تلتفت إليه، وعيناها تلمعان تحت ضوء القمر، وكأنها تحمل سرًّا لم يُكتشف بعد): الاستدامة ليست أن نبقى كما نحن، بل أن نتجدد معًا. كثيرون يظنون أن الحبّ يعني الثبات، لكنه في الحقيقة كالنهر، إن لم يتحرك، تعفّن. أن نفاجئ بعضنا بلمساتٍ صغيرة، أن نحفظ المساحات التي تجعلنا نشتاق، أن نظل فضوليين تجاه بعضنا، وكأننا نلتقي لأول مرة، حتى ونحن نعبر الزمن معًا.
طارق (يمسك يدها بلطف، يضغط عليها بإحساسٍ عميق، ثم يهمس وكأنه يمنح كلماته وعدًا أبديًا): إذن، الزواج ليس مجرد قصة حب، بل مشروع حياة. ليس عقدًا اجتماعيًا، بل رحلة تكامل، حيث نكون رفقاء درب، لا مجرد عاشقين. أن نكون مثل البحر والقمر، نؤثر في بعضنا دون أن نطمس هويتنا، نقترب دون أن نخنق المسافات التي تبقينا مشتعِلين بالشوق.
هاجر (تبتسم، وكأنها استمعت إلى أجمل نوتة موسيقية في حياتها): نعم، وربما الأهم… أن نبقى مستعدين لأن نتعلم. أن نبحث كل يوم عن شيء جديد نكتشفه في الآخر، لأن الحبّ الذي لا يظلّ يطرح أسئلة، يتوقف عن كونه حبًا.
(في الخلفية، تتكسر موجةٌ على الشاطئ، وكأن البحر يصفق لهذا الوعد. القمر ما زال في مكانه، شاهدًا على حديثٍ ليس مجرد كلمات، بل بداية لفصلٍ من كتاب لا ينتهي.)