حلّاق الرؤساء والمشاهير يبدع قصيدة «شَعر» على الرؤوس
![](https://www.shula.news/wp-content/uploads/2018/09/لوغو-6-10.jpg)
من الصعب جدا، ان لم يكن مستحيلا، أن تلمع نجمة وسط سائر النجوم، إلا إذا كانت ذات بريق خاص، واشعاع منير، وهناك نجمة مصرية، برقت في سماء فرنسية، فقد حدث في مهرجان تصفيف الشعر الدولي، الذي عقد للمرة الأولى في مصر بدعوة من رابطة مصففي الشعر، ونظيرتها الرابطة الفرنسية C.A.C.F حدث في المهرجان الدولي الذي أقيم في أحد الفنادق الكبرى، ان لاحظ رئيس الفريق الفرنسي بين مجموعة من عروض قصات الرجال، تسريحة لفتت نظره فسأل:
من الفنان الذي قدمها؟
وجاء الرد: محمود لبيب.
قال رئيس الفريق الفرنسي: هذا ليس غريبا عليه، فأنا أعرفه جيدا فقد جاء إلينا في باريس بابتكاراته، وطلب رئيس رابطة مصففي الشعر الفرنسي من فنان التسريحات الرجالية المبتكرة، أن يقدم له لقطات توضح مراحل القصة الجديدة، ثم قال له، وهو يصافحه بحرارة: سوف نقدمها باسمك في فرنسا. وأضاف: ويسعدنا أن تزورنا في باريس قريبا لنرى تسريحاتك على رؤوس شباب فرنسا.
وقد تألق فن محمود لبيب عالميا في صيف 1980، عندما نجح في المباراة التي اقيمت في «باليه دي شايو» في باريس، وفازت تسريحاته التي قدمها بالمرتبة الأولى، والمباراة التي اقيمت كانت ذات طابع دولي، واشتركت فيها ست وعشرون دولة.
وهكذا اضاف محمود لبيب، الى الجوائز العديدة التي حصل عليها في أوروبا، وفي مصر شهادة جديدة، شهادة ليست مسطرة على الورق وحده، وإنما مكتوبة شَعرا (بفتح الشين) على رؤوس شباب فرنسا.
التميز.. الاختلاف
عرف مقص محمود لبيب طريقة الى رؤوس المشاهير مبكرا عندما كانت الحلاقة «ببلاش» بلغة اليوم. أما أيام زمان فكانت الأجرة فلوسا لها قيمة، وتغير الزمن ولم يتغير محمود لبيب، بل ظل على ولائه لصنعته التي صنعته وصنعها. وصار هذا الفنان، الذي يقف امام المرآة كل يوم عشر ساعات واكثر، يعزف بأنامله على أطراف شعر رأسك ليمده ببعد آخر من الجمال والتألق، أشهر من نار على علم. وصارت حياته كتابا مفتوحا تقف فيه عند كثير من التواريخ والشخصيات التي عاصرها ومرت رؤوسها ما بين اصابعه، بدءا من الرؤساء ومرورا بالمشاهير من أهل الفن والصحافيين ولاعبي الكرة والرياضيين ونجوم المجتمع المصري.
يقول صانع التاج محمود لبيب: ان ما يهمه هو التنويع واهداء كل رجل التسريحة التي تناسبه شكلا وموضوعا، لأن ما يصلح للفنان مثلا لا يصلح لرجل الأعمال، وما يصلح لقائد الطائرة لا يناسب العامل في المصنع.
متى وكيف كانت البداية؟
– أذكر تاريخ البداية جيدا، لأنه حدث مهم في تاريخ مصر، وهو حريق القاهرة أي مع عام 1952. وكنت يومها في الثانية عشرة من عمري، ومن عام 1952 وحتى عام 1962 عملت لدى حلاقين أجانب كانوا مقيمين في مصر مثل «سقراط» اليوناني و«شارلي» اليوغسلافي و«ستافرو».. وكانت صالوناتهم تقع في منطقة وسط البلد ما بين شارعي عدلي وسليمان باشا.
ما الذي خرجت به خلال العمل لدى هؤلاء الأجانب طوال هذه السنوات العشر؟
– عملي عند هؤلاء أفادني جدا. لأنني أردت أن أتعلم الحلاقة على أصولها. وهؤلاء الاجانب كانوا في ذلك الوقت يملكون ابجديات هذه الصنعة ويتقنونها جيدا. لدرجة أنني أحيانا كنت أعمل لدى الواحد مهم لمدة يوم واحد فقط لمجرد أن أرى طريقته الخاصة في الحلاقة، ثم أصبح عندي مخزون جيد في ذاكرتي نتيجة لهذا التنقل المستمر. ولفت نظري في كل واحد من هؤلاء أسلوب أو زاوية خاصة في عمله. فمنهم من تجده يجيد الكلام والحديث مع الزبون اثناء الحلاقة، وهذا في رأيي فن لا يقل عن أي فن آخر. شخص ثان يتحكم جيدا في أدواته أثناء الحلاقـة. وثالث بارع في حلاقة السوالف أو الذقن أو مؤخرة الرأس وهكذا.
ألم يكن هناك حلاقون مصريون في ذلك الوقت؟
– بالطبع كان هناك. ولكن من تحدثت عنهم من هؤلاء الاجانب كانوا «صنايعية» بحق. والصنايعي مصنعية بلغة أهل السوق. وأنا أردت كما قلت أن أنوع حتى أرى الفرق.
طرابيش فوق الرؤوس
ما الموضة السائدة في الحلاقة خلال هذا العصر؟
– لم تكن هناك موضة سائدة بالمعنى المفهوم، لأن الرجال وقتها كانوا يرتدون الطرابيش، وكانت عملية الحلاقة بالنسبة إليهم مقصورة على الذقن والسوالف فقط وكانوا يستخدمون الجيل والكريمات والفازلين في مقدمة الشعر ثم يضعون الطربوش. ولم تبدأ مرحلة الحلاقة تعتلي عرشها إلا مع نهاية الخمسينات وبداية الستينات، عندما بدأت تظهر موضات الحلاقة مثل الممثل الفرنسي جاك شارييه.
هل تذكر تاريخ افتتاح أول محل توليت إدارته واصبحت صاحبه؟
– كان ذلك عام 1962. وكان أول محل أو صالون أفتتحه في شارع الشواربي بوسط البلد، ولم يكن في جيبي وقتها سوى 85 جنيها دفعتها كلها شهرين تأمينا وشهر إيجار مقدما، والحقيقة أنني عندما أتذكر كل ذلك الآن أشعر بأنني في حياتي كنت دائما مسيرا في كل ما فعلته، فأنا لم أكن أخطط لأكون حلاقا، لم أكن غاويا للدراسة لدرجة أن أختي الكبرى كانت مجتهدة جدا وكانت تضربني وهي تلقنني العلم. لكني لم أهوَ ذلك فتركت المدرسة، واكتشفت أنه لم يكن ذنبي، لأن ميولي كانت منطلقة كالريح في اتجاه آخر عشقته وأخلصت له طوال حياتي.
يسكت قليلا ثم يضيف: لشدة حبي لصنعتي كنت أواصل العمل طوال اليوم ولساعات متأخرة. أيضا كنت غاويا لجمع الأدوات الثمينة في عملي كالمقصات والأمواس وأجود أنواع الكريمات وغيرها. وأنا حاليا تجدني أعمل بمقص ثمنه 1600 جنيه بينما يمكن أن أستعمل مقصا ثمنه 300 جنيه فقط.
جوائز ومهرجانات
وكيف كانت حياتك وعملك خلال السبعينات وحتى الآن؟
– من عام 1971 وحتى عام 1998 سافرت إلى الخارج كثيرا واشتركت في مسابقات ومهرجانات عديدة، كنت حريصا خلالها على المشاهدة والفرجة على كل شيء وعلى رؤوس الناس بالأخص، في كل مكان في الشوارع والمقاهي والفنادق والمطاعم والمسارح، ووقتها كنت حريصا على أن انهي عملي في هذه المسابقات لكي اشاهد أعمال غيري. وحصلت على بعض الجوائز وشهادات التقدير وضعتها في مخزن، لأنني أعتبر أن شهادة الزبون هي الأهم.
ما أغرب ما قيل لك وماذا كان تعليقك عليه؟
– البعض كان يداعبني في الفترة الأخيرة بقوله: أحمد السقا طلع له أمير كرارة وأنت، لم يحدث معك ذلك! فكان جوابي: طلع لي كثيرون. وموجودون على الساحة الآن وأنا لا أخافهم، بل على العكس أنا سعيد بهم لأنهم جميعا تلاميذي. نحو 35 شخصا خرجوا من عندي وأصبح لهم عملهم الخاص. وأنا في النهاية كل اهتمامي منصب على عملي.
رؤساء ومشاهير وأدباء
أعلم أنك كنت على علاقة ومعرفة برؤساء مصر وزعمائها الثلاثة: عبدالناصر والسادات ومبارك. فهل تحدثنا عن ذلك؟
– الرئيس عبدالناصر لم يشرفني بأن أحلق له، وإنما كنت أحلق لأولاده، وبالأخص حكيم الذي كان يحب أن تكون سوالفه طويلة، فكان الرئيس عبدالناصر يعترض على ذلك ويقول لي: قصها حتى عينيه، اما الرئيس السادات فأنا عرفته عن طريق ابنه جمال، وهو الذي طلبني أن أحلق له بعد أن أعجب بحلاقة ابنه، وسافرت معه تقريبا كل البلاد التي زارها. وكان يبدي بعض الملاحظات على عملي، لكنه يعود فيقول لي: اشتغل.. أنت عارف شغلك كويس.
أما الرئيس مبارك فحلقت له وهو رئيس جمهورية وأيضا عندما كان نائبا، وعموما فقد لاحظت أن كل رؤساء مصر لم يكونوا يحبون تغيير شكل شعرهم كثيرا وإنما الحفاظ على شكل واحد ثابت لا يتغير.
ألم يكن يقلقك التعامل مع شخصيات بهذا الحجم؟
– لم يكن يقلقني شيء طوال عمري. فالأمر عندي سواء وأحيانا تجد الخوف الزائد والاهتمام الزائد كالإهمال تماما، وأنا أرى أن كل شيء في الحياة يصير سهلا إذا كنت تعرفه جيدا.
نأتي بعد ذلك إلى عبدالحليم حافظ الذي جمعتك به علاقة وطيدة.
– علاقتي به بدأت في صالون الشواربي واستمرت حتى رحيله عام 1977، وآخر مرة قصصت شعره في رحلة علاجه الأخيرة قبل سفره إلى لندن.
هل كان عبدالحليم يضع باروكة في آخر أيامه؟
– بالعكس، كان شعره حقيقيا وكنت عملت له قصة الشعر اللي على جنب، وهي قصة شعر شهيرة كانت للمطرب العالمي شارل أزنافور.
وماذا عن الأدباء؟
– لن أستطيع ذكرهم جميعا، لكن على الأقل أقول مثلا إن من زبائني كان يوسف السباعي، إحسان عبدالقدوس، انيس منصور، موسى صبري، ويوسف إدريس.
وماذا عن الفنانين؟
– كثيرون جدا أيضا؛ عادل إمام، محمود ياسين، نور الشريف، محمود عبدالعزيز وغيرهم. ولا يوجد فنان نجم في مصر لم أحلق له، وهنا اذكر أن الفنان الراحل أحمد زكي طلبني للظهور معه في فيلم «أيام السادات» في المشهد نفسه الذي دار بيني وبين الرئيس السادات.
يبقى لدينا نجوم الكرة والرياضة؟
– كلهم أيضا؛ جميع نجوم الأهلي: محمود الخطيب، صالح سليم، وعادل هيكل، وكذلك الزمالك: فاروق جعفر وحسن شحاته وغيرهم. كثيرون جدا في الواقع. فالشيء نفسه لا يوجد نجم كرة أو رياضة في مصر لم أحلق له.
من الفنانون الذين تتعامل معهم حتى الآن؟
– حتى الآن يأتي إلي فاروق الفيشاوي وصلاح السعدني وسناء شافع ومحمد رياض.
ما رأيك في تجربة السيدات اللاتي يعملن كوافيرات رجالي «حلاقات» ويقمن بالدور نفسه الذي يقوم به الكوافير الرجالي؟
– التجربة مثيرة، لكنها لا تخلو من المطبات، وما أود الإشارة إليه ان غيرة بعض النساء على أزواجهن قد وصل إلى اصطحاب بعض الزبائن لزوجاتهم أثناء الحلاقة ويقمن بمراقبتها أثناء الحلاقة.
من الشخصية التى سعيت أنت لها؟
– الشيخ محمد متولي الشعراوي.
بعد كل هذا.. ماذا صنعت منك الأيام؟
– صنعت رجلا بسيطا يؤدي عمله بإتقان اسمه محمود لبيب.
الأستاذ الأول
هل احتفظت بزبائنك نفسهم عندما كنت تعمل لدى الغير وبعد أن أصبح لديك صالون خاص؟
– بعضهم، ولكن غالبية من كانوا يترددون علي في هذه الفترة، كانوا مصريين يعيشون في الخارج أمثال شفيق شماس، وإسماعيل مظلوم، ثم كان هناك رجل الأعمال خيري عبادة، أيضا «يكن» لاعب الكرة. قصصت لهما شعرهما لأنه كان طويلا جدا وأشبه بشعر الفنان أنور وجدي، فأردت أن أصنع لهما شيئا جديدا يناسبهما وهو ما نال إعجابهما بعد ذلك. وانا في حياتي كلها أعمل الشيء الذي يليق بالشخص، بمعنى أنني أتخيل الزبون وهو خارج من عندي وكيف سيكون شكله وأنفذ ذلك. العمل عندي مرتبط بمزاج شخصي خاص، ولذلك فأنا كنت دائما أقول إن الزبون هو استاذي الأول، لأنني أتعلم وأكتسب الخبرة من شخص ما، وأحاول أن أنفذها في شخص آخر وأرى كيف ستكون وهكذا.