المستشارة القانونية:

المحامية روحية رضوان

أخبار مثبتة

حضور منسق لـ«الناتو» في البحر الأسود

ظلّ حلف الناتو ولفترة طويلة يصف منطقة البحر الأسود بأنها «ذات أهمية بالنسبة للأمن الأوروبي – الأطلسي»، لكن لم يتخذ الحلف أي خطوة حتى انعقاد قمة الناتو في يوليو عام 2016 في وارسو، حيث تعهد قادة الناتو بزيادة وجود التحالف في المنطقة عن طريق تأسيس التواجد المتقدم المنسق.
كما صادق اجتماع وزراء دفاع دول الناتو في الفترة ما بين 15 ــــ 16 فبراير الماضي، على عمليات بحرية منسقة في ما بين قوات الناتو البحرية، والحلفاء في منطقة البحر الأسود وذلك لرفع مستوى التعاون، وتعزيز وجود الحلف في المنطقة في «البر والبحر والجو».
وقد كان الهدف من ذلك الإعلان «إثبات صلابة الوحدة الأطلسية»، و«بعث رسالة واضحة لأي معتدٍ محتمل». وتتوافق هذه الخطوة مع قرار الولايات المتحدة إرسال 500 جندي إضافي إلى قاعدة ميخائيل كوغالنيشسنو للعمليات المتقدمة، وأكدت تلك التصريحات توقيت إجراء مناورات الناتو في البحر الأسود التي أطلق عليها اسم: درع البحر – 2017 التي شاركت فيها ثماني سفن من رومانيا، واثنان من تركيا، وواحدة من كل من كندا، وبلغاريا، وأسبانيا، والولايات المتحدة.
وكان المسؤولون الروس قد صرحوا أخيراً بأنهم يدرسون كل الخطوات اللازمة للرد على ذلك الحشد، كما وصفوا المناورات العسكرية للناتو التي أجريت أخيراً بأنها تشكل «تهديداً لمصالح روسيا وأمنها»، ويشير بعض المحللين أن تحليق طائرتين روسيتين من طراز سوخوي – 24 فوق السفينة الحربية بورتر في 10 فبراير الماضي في البحر الأسود ينظر إليه على أنه ردّ محتمل على تلك التعزيزات.
ووجود حلف الناتو في منطقة البحر الأسود  المعروف باسم الوجود المتقدم المنسق، يشمل ثلاثة مجالات برية وبحرية وجوية. والمجال البري مقره كرايوفا في رومانيا التي تعد سادس أكبر مدن البلاد، وتشارك فيه وحدة ناتو متعددة الجنسيات في حجم فرقة عسكرية. والمجال البحري يشمل زيارات الحلفاء لموانئ رومانيا وبلغاريا، وتطوير التدريب وإجراء مناورات تقليدية محدودة الحجم. أما بالنسبة للمجال الجوي فيتوقع أن يكون رمزيا أيضا، غير أن بريطانيا أعلنت مؤخرا أنها سوف ترسل أربع طائرات من طراز تايفون إلى ميخائيل كوغالنيشسنو في 2017 وهي خطوة رمزية أيضا بما أن بريطانيا تقوم بتجديد التزامها بحلف الناتو في أعقاب الاستفتاء الذي أجري للخروج من الاتحاد الأوروبي.

الدفاع الصاروخي
وتعد منطقة البحر الأسود أيضا موقعا لواحدة من أهم مناطق الدفاع الصاروخي. ففي رومانيا يوجد مقر موقع الدفاع الصاروخي البالستي في ديفيسلو الذي جرى تشغيله في أغسطس عام 2016. وبينما صمم الموقع للتصدي لتهديد الصواريخ الباليستية التي مصدرها من خارج نطاق منطقة أوروبا ــ الأطلسي (وهو وصف يستبعد دون لبس روسيا). ويعد ذلك إسهاما مهما للولايات المتحدة بالنسبة للدفاع الصاروخي للناتو، والذي ترى موسكو أنه يشكل تهديدا لمصالحها الاستراتيجية. وبما أن روسيا تدرك أن موقع ديفيسلو سيكون مقر التواجد العسكري الأميركي في المنطقة لفترة طويلة، فقد ظلت تصرّح مرارا بأن ذلك الموقع يعتبر هدفا مشروعا. الأمر الذي أثار بدوره دعوات لحماية الموقع، أي دعم الوجود العسكري النشط الذي ظلت روسيا تسعى إلى تفاديه.
وعلى خلاف من منطقة بحر البلطيق التي ظلت دولها تطالب بوجود أوسع للناتو، فإن الدول المحاذية لشواطئ البحر الأسود، باستثناء رومانيا، تفضل بصفة عامة وجودا أقل في المنطقة. ولهذا السبب ظل الحلف يجاهد للوصول إلى رؤية مشتركة ممكنة التحقق لهذه المنطقة الاستراتيجية. وبما أن الناتو كان يركز بصفة أساسية على منطقة بحر البلطيق، فان بعض المحللين يرون أن منطقة البحر الأسود تعد نقطة ضعف بالنسبة للحلف، وفي ما يلي الوضع في بعض تلك الدول:

رومانيا
بينما تصرّ رومانيا على الاستمرار في الحوار مع روسيا فإنها ظلت تعمل بنشاط لزيادة وجود الناتو وأميركا في المنطقة، كما أنها تتطلع للحصول على مساعدة من بولندا، وليتوانيا، ولاتفيا، وإيستونيا لضمان توازن أفضل للقوى بين منطقتي البلطيق والبحر الأسود، كما تم أيضاً تطوير تجمعات بديلة متعددة الأطراف، مثل تجمع بوخارست الذي شكل أخيراً ويضم تسع دول من أعضاء الناتو، بقيادة رومانيا لمتابعة التزامات الحلف الأخيرة، وهذه الدول التسع تتشارك في القلق حول إحياء الوجود العسكري الروسي في القرم، كما تسعى هذه الدول الأعضاء في الناتو لتعزيز علاقات التعاون الدفاعي الثنائي المشترك، ولقد ظلت بولندا ورومانيا منذ 2009 تدعمان التعاون الثنائي بينهما، وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات ملموسة للتقدم الذي أحرز – فإن البلدين تعهدا بعضهما لبعض على تقديم إسهام متساو، أي تقديم مئة جندي للقوات المتعددة الجنسية المقرر نشرها فوق أراضيهما – وعلى الرغم من أن مجموعة بوخارست ودول التعاون الثنائي تعد تجمعين ايجابيين بصفة عامة، فإن الاهتمام الأولي بالنسبة لهما هو الدفاع عن أراضي تلك الدول.
وبالتالي فإن المصادر المتاحة لتعزيز أعضاء الحلف الآخرين تظل شحيحة، وسوف تستمر دول البلطيق ووسط أوروبا ومنطقة البحر الأسود في التنافس، وكذلك التعاون، للحصول على دعم الحلف ولفت الانتباه لمشاكل مناطقهم.

بلغاريا
على الرغم من ضم بلغاريا إلى حلف الناتو في عام 2004، والاتحاد الأوروبي عام 2007، فإنها تعتبر طرفا دفاعيا متواضعا تقلصت إمكاناته الدفاعية بصورة كبيرة في التسعينات من القرن الماضي، وكانت قد خصصت نسبة 1.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للإنفاق العسكري في عام 2016، كما أن نخبتها السياسية مازالت تحتفظ بعلاقات سياسية وتجارية مع روسيا، وبالتالي لم تكن من المستغرب أن يدور نقاش حاد حول فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات ضد روسيا، وكذلك هنالك الصعوبات السياسية التي تظهر عندما تسعى الولايات المتحدة أو الناتو إلى اتخاذ إجراء ينظر إليه على أنه معاد لروسيا. وعلى الرغم من تردد صوفيا في لعب دور أساسي لتعزيز وجود الحلف في منطقة البحر الأسود، فإن بلغاريا عرضت المشاركة في كتيبة التجمع المتعدد الجنسيات في رومانيا وإسهامها بأربعمئة جندي.

تركيا
ارتفعت وتيرة التوتر ارتفاعا كبيرا في أعقاب إسقاط تركيا للطائرة الروسية العسكرية من طراز سوخوي ــ 24 في نوفمبر 2015 والتي نتج عنها تبادل العقوبات وارتفاع نبرة تبادل الاتهامات. وخلال فترة التوتر هذه شكت تركيا من أن البحر الأسود تحوّل إلى «بحيرة روسية» وسعت للحصول على دعم من الناتو، حيث تم كذلك نشر نظم للدفاع الجوي تابعة للحلف فيما بين غازي عنتاب وإنكاليا لمواجهة التهديدات الجوية من سوريا. بيد أنه حدث تحوّل عكسي تماما في العلاقات الروسية ــ التركية وتحولت إلى أخرى قائمة على تعاون متطّور والتوقيع على اتفاقية لنقل الغاز والتنسيق العسكري في روسيا. ولقد دعت تركيا مؤخرا روسيا إلى المشاركة في عقد للدفاع الجوي بمليارات الدولارات، الأمر الذي أثار قلق الناتو. وكانت تركيا في السابق قد دعت الصين للمشاركة في برنامج الدفاع الصاروخي، وعلى الرغم من هذه التحديات، بالإضافة إلى التوترات المتصاعدة في ما بين تركيا وأوروبا حول مستقبل مسار تركيا الداخلي، فإن أنقرة تدعم تعزيز الناتو لوجوده في منطقة البحر الأسود بدرجة محدودة، طالما لا يؤثر ذلك في تفسيرها لميثاق مونترو.
إن أمام الناتو خيارا محدودا للاستجابة لــ«الوضع الأمني المتراجع» في منطقة البحر الأسود، وأن الهدف يجب أن يكون استخدام أفضل السبل العسكرية ذات الكفاءة والأقل كلفة، لإثبات تماسك الناتو وردع روسيا عن التوسع أكثر في المنطقة، بينما القيام في الوقت ذاته بتقليص مخاطر التصعيد العسكري في المنطقة. أي أن يكون هنالك حضور متوازن للحلف في منطقة البحر الأسود لا يؤدي إلى إحداث تغيير كبير في توازن القوى في المنطقة ويساعد في إقناع الكرملين بأن اتخاذ خطوات عسكرية إضافية سوف تكون له ردة فعل سلبية، والعمل على فتح مجال للحوار. والحشد العسكري ذو المستوى المعتدل في المنطقة يعد استجابة مناسبة للوضع الراهن. والتنسيق البحري الجديد في ما بين أعضاء الحلف في البحر الأسود وقوات الناتو البحرية يبدو أنه يعبر عن وجود متواضع لا يعد مؤشرا لتحوّل كبير في حجم عمليات الناتو في المنطقة.

■ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ■

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى