توتر في العلاقات الألمانية – الإسرائيلية
حين يعلن الناطق باسم الحكومة الألمانية ستيفن سيبرت عن تضارب في المواعيد كحجة لإلغاء اجتماع مخطط له منذ فترة طويلة، عادة ما تكون هناك أزمة دبلوماسية كبيرة. وعادة ما تلجأ الحكومة الألمانية إلى هذا العذر للتملص من مقابلة زعماء الأنظمة السلطوية، ولكنها اضطرت إلى أن تفعل ذلك هذه المرة مع دولة تربطها بها علاقات صداقة وثيقة.. إنها إسرائيل.
فمجلس الوزراء في البلدين يعقد، عادة، اجتماعاً مشتركاً مرتين كل عام، مرة في برلين، ومرة في تل أبيب، وكان مقرراً أن يعقد الجلسة المشتركة التالية في شهر مايو، إلاّ أن المستشارية الألمانية أعلنت بشكل مفاجئ قبل أسابيع عن «إرجاء» موعد هذه الجلسة، بسبب ازدحام برنامج الحكومة الألمانية نتيجة لترؤس ألمانيا لاجتماع قمة الدول الصناعية العشرين الكبرى.
طريقة للاحتجاج
ولكن لم يكن ذلك هو السبب الحقيقي، بل إن الإلغاء هو طريقة برلين للاحتجاج على خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو لإضفاء الصفة الشرعية على المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة. لقد كانت هذه المواجهة الدبلوماسية الأولى. أما الثانية، والأكثر أهمية، فوقعت حين سافر وزير الخارجية الألماني سيغمار غابريل إلى القدس لمقابلة نتانياهو، ولكن الأخير ألغى الاجتماع في اللحظات الأخيرة.
لقد كان الأمر أشبه بصديقين افترقا على مدى طويل. بدأت الأمور بعملية استفزاز تكتم عليها الألمان، ولكن حين تكرّرت انفجرت إلى العلن وبشكل كبير. ولم يقتصر الغضب الألماني على وزير الخارجية، بل شمل المستشارة ميركل التي أعلنت أمام الكنيست الإسرائيلي عام 2008 أن التضامن مع إسرائيل يمثل جزءاً أساسياً من مبررات وجود ألمانيا.
حل الدولتين
لقد ظل الامتناع عن انتقاد إسرائيل واحداً من دعائم السياسة الخارجية لألمانيا منذ الجرائم النازية ضد اليهود إبان الحرب العالمية الثانية. ولكن هذا المبدأ لم يصمد أخيراً، بسبب تمادي إسرائيل في التوسع الاستيطاني، وبسبب استياء ألمانيا من حملة الحكومة اليمينية في تل أبيب ضد مجموعات المعارضة، إضافة إلى المخاوف الألمانية من فشل حل الدولتين وما يمثله ذلك على مستقبل الديموقراطية في إسرائيل.
لقد كان أكثر ما أغضب نتانياهو أن اجتمع الوزير الألماني بالمنظمات الأهلية المعارضة للحكومة، خصوصاً مجموعة «كسر حاجز الصمت» التي تتهم الجيش بارتكاب جرائم حرب، ولكن الوزير كان يأمل بنزع فتيل غضب رئيس الوزراء بتقديم اثنين من التنازلات. الأول أن تتم اللقاءات بعيداً عن أي تصوير أو وسائل تواصل اجتماعي. والثاني أن يتم إرجاء الاجتماع مع هذه المنظمات إلى ما بعد لقائه برئيس الوزراء. ولكن ذلك لم يُرض نتانياهو الذي رفض استقبال الوزير، وعرض التحدث معه عبر الهاتف وهو ما رفضه الوزير. لقد كان الوضع أشبه باستعراض عضلات من الطرفين.
الوقت المناسب
لقد تنامى الانطباع داخل المستشارية الألمانية بأن نتانياهو يستغل الصداقة الألمانية – الإسرائيلية لتحقيق أهدافه الخاصة. ففي العام الماضي، نشرت صحيفة اليوم (هايوم) الإسرائيلية بعد زيارة الحكومة الإسرائيلية إلى برلين تقريراً تحت عنوان: «ميركل: الوقت غير مناسب لحل الدولتين»، وزعمت الصحيفة أن هذا ما أبلغته ميركل لنتانياهو أثناء لقائهما في برلين.
فأغضب هذا التقرير الألمان، لأنه يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي غير كلمات ميركل لتتلاءم مع مواقفه. والحقيقة أنها أوضحت له عدة مرات أنها تعتبر أن الاستيطان له أثر كارثي، لأنه يحول دون قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
والموقف الألماني بهذا الشأن ليس جديداً، فقد ندد وزير الخارجية الألماني مراراً وتكراراً بالاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، مما كان يقابل بالاستياء من جانب اسرائيل، ولكن التوتر في العلاقات مؤخراً طال موضوعاً لم يكن مطروحاً من قبل، وهو التعاون في المجال العسكري.
فقد طالبت اسرائيل بشراء ثلاث غواصات ألمانية، وكانت قد حصلت على خمس غواصات مشابهة من قبل إضافة إلى غواصة تحت الإنشاء.
وكانت الحكومات الألمانية المتتالية تمنح إسرائيل خصومات هائلة على أسعار هذه الغواصات.
اتهامات بالفساد
أما الآن، فهناك مزاعم بالفساد خّيمت على مشتريات الغواصات الثلاث، طالت المستشار القانوني لرئيس الوزراء ديفيد شيمرون، الذي يمثل أيضاً رجل الأعمال الإسرائيلي ميكي غينور، شريك المبيعات للشركة الألمانية المورٍّدة في اسرائيل.
ولذلك، ظلت الحكومة الألمانية منذ عدة أشهر تجّمد التوقيع على مذكرة تفاهم تسمح بالمضي قدماً في هذه الصفقة، بالرغم من مطالبات الحكومة الإسرائيلية المتكررة، وفي النهاية، رضخت ألمانيا، لكنها اشترطت اضافة فقرة إلى الاتفاق تنص على أنها ستكون لاغية إذا ما ثبتت الاتهامات الموجهة بالفساد.
لقد بدأ كثيرون في تل ابيب يتساءلون عما إذا كانت التعهدات بالتضامن غير المحدود التي قطعتها ميركل تجاه إسرائيل عام 2008 لا تزال قائمة أم لا.
ويقول الرئيس السابق للاستخبارات الاسرائيلية آفي ديختر إن «ألمانيا هي الدولة الرئيسية المؤيدة لإسرائيل في أوروبا والعالم، وأي تراجع في هذا التأييد يثير قلقاً شديداً».
انتقادات متزايدة
وقد زار ديختر ألمانيا في شهر أبريل الماضي، وعاد إلى اسرائيل وهو يشعر بالقلق؛ فقد أبلغه وزير الخارجية الالماني سيغمار غابريل انه بات من الصعب بشكل متزايد على النخبة السياسية ان تدافع عن المصالح الاسرائيلية، لان الشعب الالماني يوجه الانتقادات بشكل متزايد لإسرائيل، وأبدى ديختر مخاوفه من ان «الجيل الجديد (من الالمان) لن يشعر بالالتزام تجاه الشعب اليهودي، كما هو الجيل الحالي». ولا تزال الحكومة الألمانية ترفض الاعتراف بفلسطين كدولة في الأمم المتحدة، لكن غابريل أبلغ ديختر ان الحزب الديموقراطي المسيحي اذا عرض المسألة للتصويت فسوف تحظى فلسطين بالاعتراف بنسبة 80 في المئة.
لغة مشتركة
ويبدو أن هناك سوء تفاهم وتعارضاً متنامياً في المواقف بين البلدين. ولدى أعضاء الحكومة والبرلمان في اسرائيل انطباع بأن نظرائهم الألمان أصبحوا أكثر تركيزاً على سياسة الاستيطان.
والأكثر اهمية ان السياسيين الاسرائيليين يشعرون بأن برلين تقلل من شأن التهديدات الايرانية لاسرائيل، وهذا يعكس غياب اللغة المشتركة بين الجانبين.
وتذمّر المسؤول الاسرائيلي بأنه لأمر مذهل ان يتجاهل الالمان والاوروبيون، عموماً، الخطر الوجودي لإسرائيل، الذي تمثله ايران، سواء في السلاح التقليدي او النووي.
واضاف ان «الأوروبيين يغمضون أعينهم عن التهديد الايراني لإسرائيل». واشار إلى انه لم يحصل على «أجوبة جدية على المخاوف التي أثرناها أمامهم».
¶ دير شبيغل ¶